جريدة الجرائد

أوباما المتردد... هل بقي لديه ما يفعله؟

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

خيرالله خيرالله

أميركا الغاضبة والخائبة هي التي صوتت في الثاني من نوفمبر الجاري. صوتت ضد رئيس وضعت عليه آمالا كبيرة فإذا بها تفاجأ بشخص متردد يدخل البيت الأبيض ليس لديه ما يقدمه سوى الكلام الجميل والخطب الفصيحة. خلف الكلام الجميل والخطب الفصيحة لم تكن هناك سياسة ناجحة في أي مجال من المجالات. كان يهم الأميركيين قبل كل شيء تحسن الوضع الاقتصادي وتحقيق انجاز ما على صعيد السياسة الخارجية. لم يتحقق شيء من ذلك. زاد الوضع الاقتصادي سوءا وبدت الولايات المتحدة، في مختلف انحاء العالم وفي مواجهة الأزمات الدولية، بمثابة نمر من ورق فعلاً. بكلام أوضح، بدت قوة عظمى لم يعد يهابها أحد!
كانت الانتخابات النصفية للكونغرس بمثابة امتحان حقيقي للرئيس الأميركي باراك اوباما الذي استطاع بالكاد المحافظة على الأكثرية "الديموقراطية" في مجلس الشيوخ. لم تكن الانتخابات تشمل سوى ثلث أعضاء المجلس الذي كان "الحزب الديموقراطي" يتمتع فيه بأكثرية مريحة. لو شملت الانتخابات كل الأعضاء من الشيوخ، لكان الأمر تحول إلى كارثة كبرى شبيهة بتلك التي حلت بمجلس النواب الذي استولى عليه "الحزب الجمهوري" وبات قادراً على منع ساكن البيت الأبيض من تمرير مشاريع القوانين التي يعتقد أنها جزء لا يتجزأ مما وعد به مواطنيه في أثناء الحملة الانتخابية.
سقط باراك اوباما في الامتحان. لم يستطع السود دعمه بأصواتهم التي ساعدت في إيصاله إلى الرئاسة. تخلى عنه عدد لا بأس به من الليبراليين الذين اعتبروه رمزاً للتغيير. نسي الأميركيون أن من أسباب عجز أول رئيس أسود للبلاد عن تحقيق أي تقدم في أي مجال كان، التركة الثقيلة لجورج بوش الابن. في الواقع، كان أي رئيس أميركي في وضع اوباما سيواجه الصعوبات نفسها، فكيف برجل أسود، منفتح على العالم، لا همّ له سوى تأكيد أنه ليس جورج بوش الابن، بل يمثل كل ما هو نقيض له.
ربما تكمن مشكلة باراك اوباما في أنه لا يمتلك سياسة خاصة به. الانفتاح على العالم ليس في حد ذاته سياسة. لا وجود لشيء اسمه انفتاح من أجل الانفتاح، من دون الحصول على مقابل. كذلك، لا يمكن البناء على سياسة اسمها الانسحاب من العراق لمجرد القول بان العراق صار جزءا من الماضي. لا يمكن بناء سياسة على تقديم الوعود إلى الفلسطينيين ثم التراجع عنها بعد أول مواجهة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بيبي نتنياهو. مثل هذا التصرف كفيل بتدمير أي سياسة أميركية في الشرق الأوسط.
كان في استطاعة الناخب الأميركي تناسي كل هذا الفشل الذي لحق بالقوة العظمى الوحيدة في كل بقعة على وجه الخليقة لو تمكن اوباما من تحقيق إنجاز ما على الصعيد الداخلي، خصوصاً في مجال الاقتصاد. فخلال الحملة الانتخابية، كانت العناوين كلها ذات علاقة بمسائل داخلية. وقد ركز المحافظون الجدد وتيار "حفلة الشاي"، الذي يقف على يمينهم، على شخص الرئيس الأميركي الأسود ونشأته وأفكاره "اليسارية" فحققوا انتصارات كبيرة في ولايات مهمة بما يسمح لهم بعرقلة أي توافق في الكونغرس في العامين الباقيين من الولاية الرئاسية لاوباما.
باختصار شديد، تلقى باراك اوباما صفعة قوية. ما يدل على قوة تلك الصفعة سقوط المرشح "الديموقراطي" لمقعد مجلس الشيوخ في ولاية ايلينوي التي كان الرئيس الأميركي يمثلها قبل وصوله إلى البيت الأبيض. انها المرة الأولى التي يسقط فيها المرشح "الديموقراطي" منذ أربعة عقود. هل من دليل أكبر من هذا الدليل على مدى ضيق الناخب الأميركي من الرئيس الأسود وغضبه على كل ما يمثله؟
باراك اوباما ليس أول رئيس أميركي يواجه مثل هذه النكسة بعد عامين من دخوله البيت الابيض. ماذا يفعل الرؤساء في مثل هذه الحال؟ جرت العادة أن يهرب المقيم في البيت الأبيض إلى السياسة الخارجية ما دام كلّ مشروع قانون سيقدمه إلى الكونغرس سيواجه عراقيل كبيرة. الذين يعرفون اوباما يقولون انه لن يكون استثناء وسيركز ابتداء من مطلع العام المقبل على أفغانستان والعراق والنزاع العربي- الإسرائيلي. سيسعى إلى تأكيد أن الولايات المتحدة لا تزال قوة عظمى وأنها قادرة على اتخاذ مبادرات وفرض رأيها. سيكتشف باراك اوباما أنه أول شخصية عالمية تحصل على جائزة نوبل للسلام في الوقت الذي تخوض فيه حرباً بل حروباً في مناطق عدة بينها أفغانستان. هل هناك زعيم أو رئيس دولة قادر على التكيف مع هذه المعادلة؟
الأكيد أنه سيترتب على باراك اوباما التخلي عن الأحلام الكبيرة من نوع إعادة صياغة المنطقة ونشر الديموقراطية فيها انطلاقاً من العراق. ولكن مما لاشك فيه أنه سيكون مضطراً لإدارة الحروب التي لا تزال الولايات المتحدة متورطة فيها. سيكتشف أنه لا يستطيع إدارة ظهره للعراق كما حاول في الأشهر الستة الأخيرة، وأنه لا يستطيع ترك "طالبان" تعيد سيطرتها على أفغانستان، ولا يستطيع الاكتفاء بدعوة الايرانيين إلى الحوار كي لا يعود هناك برنامج نووي إيراني أو تدخل إيراني في الشؤون الداخلية لعدد لا بأس به من دول المنطقة، خصوصاً لبنان. سيكون باراك اوباما أكثر تشدداً على الصعيد الخارجي. سيكون هدفه تأكيد أنه ليس بالميوعة التي يعتقدها خصومه وأنه قادر على عرض العضلات الأميركية مرة أخرى... عليه أن يفكر بكيفية محو صورة الرئيس الضعيف المتردد من أذهان الأميركيين في حال كان مصمماً على السعي جدياً إلى الحصول على ولاية رئاسية ثانية!



التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف