في أحوال الأقليات
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
الياس حرفوش
ليس مغرياً وضع الأقليات في العالم العربي. لا الدينية منها ولا العرقية ولا السياسية. أوضاع تتوزع بين الهجرة الى المهاجر أو الهجرة الى الصمت أو الهجرة الى المقابر. وكلما اقتربت نسمات "الديموقراطية" القادمة على ظهر الدبابات الغربية من شواطئ بلادنا، تحوّلت تلك الأقليات، والدينية منها خصوصاً، الى ضحايا لانتعاش الحركات والتنظيمات الإرهابية المصنفة زوراً تحت خانة "المقاومات".
في قاموس هذه "المقاومات" تستوي هوية جورج بوش وتوني بلير بهوية ابن البلد من الطائفة الأخرى. وإذ يضرب العمى "الوطني" عيون هؤلاء "المقاومين"، يصبح الهجوم على بيوت المسيحيين في العراق، مثلاً، أو على أماكن عبادتهم، هجوماً محلّلاً لا يوازيه في "حلاله" سوى الهجوم على قاعدة أميركية أو على دبابة بريطانية. ويصبح من سوء حظ هذه الأقليات أن احتماءها بدكتاتورية صدّام حسين، على رغم ما ارتكب من مجازر، ظلّ أقل وطأة عليها من "ديموقراطية" هذا العصر العراقي الزاهر.
من المحزن أن تسمع صوت سيدة عراقية من هؤلاء تصرخ بعد الانتهاكات التي شهدناها في الأسابيع الماضية: لم نتعرض للمعاناة في زمن صدّام. أما الآن فأنا خائفة من العيش في هذا المجتمع. هنا يتم ذبحنا كالخراف، مع أننا مدنيون لا نحمل السلاح، وهذا بلدنا.
ومن "بلدنا"، الى أين يلجأ هؤلاء للحماية والعلاج؟ الى دول أوروبية كفرنسا وإيطاليا وبريطانيا، أي الى عواصم "الاستكبار العالمي" التي يدفع ثوريونا الأبطال مواطنيهم دفعاً الى اللجوء إليها. ومن تقطّعت في وجوههم سبل السفر لا يجدون أمامهم سوى العرض الذي قدمه لهم رئيس إقليم كردستان مسعود برزاني بتوفير الحماية لهم في إقليمه في الشمال.
هكذا يصير وضع الأقليات. تحتمي ببعضها من الظلم. المصيبة تجمع، والمصيبة الأكبر أن توفير الحماية لهذه الأقليات ما عاد ممكناً إلا على يد الأنظمة التي يشتد ساعدها وتمسك قبضتها الأمنية إمساكاً خانقاً بـ "جماهيرها". والدرس من هذا أن الأنظمة المتشددة توفّر الحماية، والديموقراطية توفّر الذبح. ألا يدفع للأسى أنه كلما ارتخت القبضة الأمنية ومنحت الأنظمة تلك "الجماهير" قدراً من الحرية، ارتدت تلك الحرية سيفاً ضد من هم، في بلادنا، من دين آخر أو من مذهب آخر أو من حزب آخر؟
وليس أسهل من تهمة "العمالة" الجاهزة بحق هؤلاء. فعين الشك السائدة ضدهم تجدها في كل بلد تلقي نظرك عليه. قد يقال إن العراق حالة استثنائية اليوم، كونه مرتعاً للإرهاب المنظّم وللفوضى الأمنية. وقد يقال كذلك إن ما يتعرض له المسيحيون فيه ليس حكراً عليهم، بل يتساوى العراقيون على اختلاف انتماءاتهم، في كونهم ضحايا لهذا الوضع. ولكن ماذا عن لبنان، وهو البلد الذي كانت تركيبته التعددية، الى الأمس، تعتبر رداً على ما كان يطلق عليه "النموذج العنصري الإسرائيلي"؟ أليس أن ارتخاء الدولة اللبنانية وشللها وعجزها هي التي تفتح الطريق أمام موجات التطرف المذهبي، التي تستقوي بالسلاح من جهة وبغطاء "المقاومة" من جهة ثانية، فتصبح الأقليات بين خيارين لا ثالث لهما: إما مواجهة تهمة الخيانة السياسية، التي غالباً ما تكون مدخلاً الى التهديد الأمني، أو الاستسلام الى منطق الالتحاق السياسي بتلك الجماعة، وهو التحاق لا يحمل في هذه الحال سوى صفة التبعية العمياء.
منذ ما سمي استقلال بلادنا العربية، لم تكن حال الأقليات يوماً بالسوء الذي عليه اليوم. لقد أدى نمو العصبيات، وانحسار التجارب الديموقراطية، على هشاشتها، وذبول المشاعر القومية التي كانت حاضنة في يوم ما، الى موت أي أمل في حماية التعددية وحق الاختلاف في بلداننا. انه ما يطلق عليه المؤرخ اللبناني كمال الصليبي "نهاية عرق" بالنسبة الى الأقليات في الشرق الأوسط.
التعليقات
الحل الجيد
جابر ال ورامده -الدول العربيه بدون الاخوه المسيحيين واقولها بصراحه كمثل صحراء بدون ماءلابد من الاهتمام والاستفاده من امكانياتهم العلميه والاداريه والثقافيه وهم 20 مليون في الداخل و25 مليون في المهجر(يمكن استقطاب من يريد العوده)عن انشاء لجان من المثقفين ورجال الاعمال ومنظمات المجتمع المدني