نجاح سلام: غنيت لمصر وعبدالناصر فقال لي: صوتك جميل مثل بلدك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
بيروت ـ من فاطمة عطفة
بدأت بمحبة الأدب والشعر والمطالعة والقراءة، كل ذلك يؤسس لاكتساب ذخيرة ثقافية توسعت وتعمقت مع الأيام، فكيف لا؟ وهي حفيدة الشيخ عبد الرحمن سلام مؤسس النادي العربي بدمشق، شهرتها وجمال صوتها وأناشيدها الوطنية هيأت لها رصيدا كبيرا من المعجبين بين مختلف الأجيال في مختلف البلدان العربية، وبين المغتربين في المهجر، فهي من تربت على الأصول والأخلاق الحميدة.
غنت للحب وغنت للوطن، وما زالت تحتفظ بهندام جميل ونضارة مشرقة، رغم أنها كانت في نقاهة بعد عملية قلب غيرت فيها أربعة شرايين، لكنها بكل رحابة صدر وسرور استقبلتنا مشكورة مع أسرتها في منزلها في بيروت ومعها ابنتها وزوجها وأطفالها، إضافة إلى ابن أخيها المهندس أحمد سلام، إنها الفنانة والنجمة المضيئة دائما نجاح سلام، تحدثنا من بيروت عن ذكرياتها الغنية، وعن جديدها أيضا.
ـ نبدأ من الطفولة والصبا، ما لديك من ذكريات مع والديكِ، رحمهما الله.
ـ بفضل والدي ووالدتي، أصبحت نجاح سلام وغدوت بهذه المكانة. لقد ربياني على القيم والأخلاق والعادات الحميدة، وكان مبدؤهم: "قل لي من تعاشر أقل لك من أنت". و"المرء على دين خليله، فلينظر المرء من يخالل". هذا كان هدف والدي في الحياة، ممنوع أن أُعاشر أي إنسان دون المستوى الفني اللائق، وممنوع علي أن يكون لدي أصدقاء غير مثقفين. لذلك أنا لما نشأت في سورية، تعلمت في سورية الكثير. كل الفنانين اشتهروا وبدأوا من سورية، حتى صديقتي وحبيبتي فيروز. أحلى حفلاتي أقمتها في سورية. لبنان يصدر فقط فنانين كثيرين، مبتدئين يرسلهم للخارج يشتهرون ويصبح لهم اسم ويرفعون رأس لبنان، ثم يأتون إلى لبنان فيموتون. هناك دليل، نور الهدى من الفنانات الممتازات ذهبت لمصر وحصلت على أجر في فيلم (هذا ما جناه أبي). كانت أسمهان في أوج شهرتها كانت تأخذ ثلاثة آلاف جنيه، كذلك صباح اشتهرت في مصر، وفايزة أحمد، وردة، نجاة الصغيرة. أما أنا فكانت إطلالتي من سورية، لماذا؟ أولاً، كانت ظروف عائلتي لا تسمح لي أبداً بالغناء، رغم أني تربيت في بيت جدي. تعرفين منذ القدم في الشام العائلة تعيش مع بعضها، فأنا كنت البنت الوحيدة لوالدي. ويوم ولدت كان هناك محزنة في البيت لأني بنت، فيأتي جدي عبد الرحمّن من دار الإفتاء، يدق على الباب ويدخل فيجدهم مكشرين: جدتي وعمتي ووالدتي مقهورة لأنها ولدت فتاة، وهن حزينات، وكأن الأمر كان بيدها. فقال لهم أنتم لا تفهمون، وقال لوالدي: "تعال يابا، تعال يا محيي الدين، يا حبيبي هي نجاح إن شاء الله يكون اسمها على مسمى، ورح تبدأ بنجاح وتنتهي بسلام". وجدي هو من أطلق علي اسم نجاح، وقد نشأت في بيت يجمع بين الأدب والعلم والفن، جدي عالم كبير حيث إن الكثير من المشاهير في سورية هم تلاميذ الشيخ عبد الرحمن، مثل عمر أبو ريشة وصبري العسلي ونشأت جبري وعلي بوظو، بيت الأيوبي، بيت شيخ الأرض كلهم. سورية ولبنان فيما مضى كانا بلداً واحداً، وجدي عاش في سورية فترة كبيرة حيث إنه كان قاضيا في حمص، وقبلها كان رئيس الكلية الصالحية في فلسطين، وبعد ذلك جاء إلى سورية أيامها، كان محكوما بالإعدام في أيام الأتراك لأنه لم يكن يرتشي، فقد كان وطنيا وله قصائد. وفي ذلك اليوم دخل الملك فيصل الأول، دخل وعفا عنه وأصبح هناك اطمئنان بالنسبة لجدي في سورية، وقال له أنت رجل عظيم قل ما الذي تريده؟ فقال له: أريد أن أُؤسس النادي العربي في سورية، في منطقة التجهيز بدمشق، رجال سورية أغلبهم تتلمذوا على يده. لماذا أقول لك ذلك؟ أقول هذا كي تعرفي العائلة كم تؤثر. عندما كنت صغيرة كانت عمتي تقول لجدي: يا بابا جاء لعندك رجل يضع برنيطة ونظارة على عينيه ويتحدث الفرنسية، فقال لها: ما الذي يريده؟ قالت يريد أن يزورك. فقال لها: إن أتى مرة ثانية، قولي له: قد مات! أنا لا أقابل عالما كهذا، أنا اسمي الشيخ عبد الرحمن، لا أرتشي ولا أبيع وطني. فقالت له: لماذا؟ يعني من الممكن أن تشتري لنا سيارة. فقال لها: اسكتي! أنا سأخلف لكم اسمي الشيخ عبد الرحمن، خلي بالك في هذه النقطة".
البداية بقراءة القرآن
ـ أنت تربيت على يدي جدك وعاصرت كثيرا من الأعلام في ذاك الوقت من أدباء وكتاب وشعراء، كنت وحيدة ومدللة ومن هنا جاء تميزك؟
ـ كنت أجلس وأستمع فأذني تربت على هذا النوع يعني أنا أحب العلم والشعر والأدب جدا وأطالع وأقرأ، وبدأت بقراءة القرآن وأنا صغيرة كان عمري ثلاث سنوات فلم يكن هناك ولد يدخل على الحضانة، لم يكن هذا موجودا في القدم، كانت هناك امرأة تحضر عشرة أطفال لمنزلها تعلمهم القرآن ويحضرون لها القليل من الفاكهة كأجر لها، حتى الآن في أرياف مصر موجودة مثل هذه المرأة، هكذا تعلمت القرآن. وبعد ذلك عندما أصبح عمري خمس أو ست سنوات دخلت لمدرسة الحاج سعد الدين الحوري وصاحبها من رجال بيروت المحترمين ومدرسته من أفضل المدارس ووالدتي قد تعلمت بها فعندما ذهبت إلى المدرسة كانوا يدرسون فقط للشهادة الابتدائية (السرتفيكا)، بعد ذلك تذهبين لمدرسة أُخرى. طبعا اكتشفوا أن لدي خامة صوت جميلة فأصبحوا يوقفوني صباحا بطابور المدرسة أقرأ قصار السور، جدي يعلم أني حافظة للقرآن ولكنه لا يريد أن أقرأ في المدرسة كي لا تظهر موهبتي، فالموهبة الفنية بالإنسان تظهر عندما يخلق وهي لا تكتسب، العلم يكتسب. وجدي كان يلاحظ عندما أكون في المنزل عندما أريد أن أنام ووالدتي يجب أن تهلل لي، تعرفين أنت التهليلة، والدتي صوتها جميل وعماتي أصواتهن جميلة وكذلك والدي، وجدي الشيخ عبد الرحمن كان شاعرا ورجل دين عظيما وكان ينشد في الموالد. إن من يحبه الله يعطيه صوتا جميلا، تصوري الفرق بين أنكر الأصوات والصوت الجميل. الصوت الجميل الصالح لا يستعمل في الذي نراه الآن، فعندما أتيت من المدرسة قلت لجدي اليوم أنا غنيت من القرآن في المدرسة، فقال لي: ماذا؟ فعندما كنت صغيرة كنت أغني أغاني ليلى مراد، فكان يقول لي: اجلسي ويصرخ علي فتقول له جدتي: هل هناك شيء يا عبد الرحمن؟ اتركها ما زالت صغيرة، فيقول لها: كلا، لا تستبقوا الأحداث، فقال لي لا تقولي غنيت قرآن، قولي قرأت قرآن، وعندما تقرأينه لا تنغميه، بل اقرأيه بالتجويد.
لقاء زكريا احمد
ـ تعلم القرآن الكريم وتجويده من الصغر إذن هو الذي جعل لغتك سليمة؟
ـ نعم، القرآن أفادني كثيرا بلغتي العربية عندما كبرت، عندما انتقلنا من منزل جدي أراد والدي أن تكون المدرسة قريبة، وذلك من منطلق أني فتاة، فكانت مدرستي لا تبعد أكثر من عشر خطوات عن المنزل. والدي يعلم أن صوتي جميل، ولكنه لم يسمعني في المنزل فكان هذا معيبا، فكيف أغني ووالدي في المنزل؟ فكنت أقف صباحا في طابور المدرسة وأقرأ القرآن، هناك شباك غرفة النوم الخاصة بوالدي يوجد سور والمدرسة وراءها فسمع فتاة تقرأ القرآن، فقال لوالدتي واسمها درية قال لها: يا بدر يا بدر، من هذه الفتاة التي تقرأ القرآن؟ والدتي تعلم أن صوتي جميل وهي التي شجعتني وأظن أنها تزوجت والدي عندما علمت أنه يعزف العود، فخافت أن تقول له نجاح، فقالت له: لا أعرف، سبحان الله هذه الفتاة تقرأ القرآن بشكل جميل جدا. وعندما أتيت من المدرسة فقالت لي أريد أن أقول لك شيئا، والدك سمعك وأنت تقرأين القرآن وقد أُعجب بالصوت. أنا رأيت فايزة أحمد عنده وصباح ووداد كان يسمع اصواتهن في المنزل ويقوم بتقييمهن إن كن جيدات. فقالت لي والدتي لا تقولي له أني أخبرتك فقلت لها هل أعجبه صوتي فقالت كثيرا حيث إنه قال: ما شاء الله على هذا الصوت الجميل! ولكن لم أستطع أن أقول له انك أنت من تقرأين، على كل حال اليوم سيأتي لزيارة والدك الشيخ زكريا أحمد الملحن المشهور، وكان طالع له فيلم تغني به أم كلثوم (غنيلي شوي شوي) عندما يأتي الشيخ زكريا أنت تقدمين له القهوة وضعت لي السيناريو رحمها الله لأنها تحب الفن وأنا لا أستطيع أن أقول لوالدي المهم جاء زكريا أحمد وقد أتت معه والدة أسمهان، اسمها علية، وكانت جميلة طويلة وشعرها أحمر فأدخلت القهوة وكان عمري تقريبا اثني عشر عاما، المهم كنت أقوم بضيافته وأنا أنظر إلى هذا هو الرجل الذي لحن الأغاني الجميلة (أهل الهوا يا ليل وأغاني أم كلثوم) كانت والدة أسمهان تغني أغنية غنيلي شوي شوي، وأنا كنت واقفة أحمل صينية القهوة راجفة فلفت نظر زكريا أحمد فقال لوالدي (إيه يا محيي الدين بنتك مدبوحة) فسأله صوتها جميل فقال له: لا. فقال له مش ممكن لأن إحساسها وهي تصغي هو إحساس إنسان يحب الفن فسألني هل تحبين أن تغني يا شاطرة؟ فأجبت: نعم، أنا أحب أن أغني كثيرا. فقال لي: ماذا تعرفين أن تغني؟ فأجبت: أنا أغني أغنية لحضرتك عملتها للسيدة أم كلثوم (أهل الهوا يا ليل) وهي أغنية صعبة فقال لي بس كبيرة عليكِ طبعاً والدي أكل شفاهه من الغضب وهو ينظر لي، ولكن قلت أريد أن آخذ بصمة لأن زكريا أحمد ملحن كبير ويهمني رأيه وأخذت أغني وزكريا أحمد يصدر صوتاً من شفاهه، فظننت أن زكريا أحمد لم يعجبه صوتي فسكت فقال لماذا توقفت فقلت له أنت تصدر صوتاً وظننت أن صوتي لا يعجبك فقال لي (زي الواحد ما يكون آكل أكلة جميلة فبيقول يا سلام يا سلام) يا أُستاذ محيي إنت فنان كبير وعازف عود رائع وطلعت فنانين كبار كيف تمنع بنتك من الغناء؟ فقال له ابنتي صغيرة وعمرها اثنا عشر عاما فقط، يجب أن تكمل تعليمها فقال له: لا بأس، فلتكمل تعليمها، وعلمها أنت العود. المهم ذهب زكريا أحمد ودخلت إلى البيت فصارت تقول لي والدتي (ليلتنا زفت!) من خوفها فأتى والدي وقال لي يا بابا أريد أن أقول لك شيئا: أنا وديع الصافي طلع على يدي وسعاد محمد وفايزة أحمد، أنا ماني قاصر إني علمك، لكن أريدك أن تكملي تعليمك في الأول، وإذا كان هناك نصيب تغنين. ولكن أنت اعرفي أنت ابنة من؟ أنت ابنة سلام، أنت جدك أكبر عالم دين. زمان، لم تكن هناك مغنيات كثر فأغلبهن كن من اليهود، ثلاث أو أربع مغنيات يهود في لبنان وفي سورية وفي العراق. قال أنا لست متفرغاً كي أبقى معك، ووالدتك محجبة، فلذلك اتركي الفن الآن وخذي شهادتك وبعد ذلك نرى، وكان محقا. فقلت له: إن أخذت شهادتي هل تدعني أُغني فقال يفرجها الله في ما بعد. وبدأت أتعلم فأخذت السرتفيكا من مدرستي، ثم وضعني في مدرسة داخلية كي يبعدني ولا أسمع الفنانين الذين يأتون إليه، وقد انتخبوني رئيسة فخرية لمدرسة راهبات ومديرتها كان لها فضل كبير على هذه المدرسة، وصاحبة المدرسة سيدة محسنة كثيرا اسمها ليلي صرصر. عندما أتيت للدخول إلى المدرسة دخلت ولكن كنت أريد أن أغني، وقرآن لا يوجد في هذه المدرسة فهي مدرسة راهبات، فجلست أبكي.
الترتيل في الكنيسة
ـ ولكن ما قصة الكنيسة والترتيل مع الكورال؟
ـ استيقظت يوما ورأيت التلاميذ يرتدون ملابسهم يريدون الدخول للكنيسة فوقفت على باب الكنيسة وسمعتهم يرتلون، فقلت في نفسي ليتني أستطيع الترتيل معهم. بعد أن انتهوا خرجت الماسور ميري وجدتني واقفة على الباب فقالت لي شو يا نجاح فقلت لها ماسور ميري لماذا لم تدعيني أدخل معكم فقالت لي يا ابنتي أنت مسلمة فقلت لها: لماذا؟ هل ستنا مريم لكم وحدكم؟ أنا أدخل وأرتل أيضا، وفي القرآن مذكورة سيدتنا مريم. فنظرت لي مندهشة فقالت لي: تدخلين وترتلين معنا، فأصبحت أدخل وأُرتل معهم، وأصبحت تضعني في الصف الأول في الكورال. أنا لست حافظة جيدا لما يقولون، ولكن مع الاستمرارية حفظت، عندما علموا أن صوتي جميل. رئيسة المدرسة ليلي صرصر كان عمرها في ذاك الوقت خمسا وثمانين عاما، لكنها كانت عظيمة قامت بتقسيم المدرسة لجزئين، قسم للأيتام وقسم للذين يدفعون النقود، هذه النقود تقوم بتربية الأيتام بها فتكبرهن، إما أن تزوجهن أو يصبحن راهبات. سمعت أن صوتي جميل وأخذوا يقولون لها: هذه ابنة سلام صوتها جميل وترتل معنا فأرادت كل يوم أن أذهب إليها الساعة الخامسة وأغني لها: "نامي يا ملاكي" لأم كلثوم، وكانت تفرح.
مرة كان هناك برنامج للأطفال في الإذاعة، واحدة اسمها حبوبة حداد كان فيها مجموعة من الأطفال كان أكبرهم من إحدى عشرة إلى اثنتي عشرة سنة، أتت وأخذتني من المدرسة، وكان يوماً أسود طبعا. في هذا اليوم لا يأتي والدي إلى الإذاعة، كان يوم الأحد، ولكن سبحان الله: لماذا أتى في هذا اليوم لم أعرف، وأشر لي في الأُستوديو وكنت بين مجموعة الأطفال، وكان معنا معلمة اسمها سلوى أسود صوتها جميل وتغني بالإذاعة، فنظر والدي واستغرب: ما الذي تفعله ابنتي في الإذاعة؟ أنا أخذت أرتجف وذهبت إليه، فقال لي: ما الذي تفعلينه هنا؟ فقلت له: أنا أتيت مع الآنسة سلوى، فقال: وماذا جئت تفعلين؟ فقلت جئت لأنك أنت في الإذاعة وكي أُرتل معهم الأناشيد. فقال أنا وضعتك في المدرسة كي تتعلمي أناشيد أم كي تدرسي؟ فقلت له نعم، ولكني أتعلم أناشيد وطنية كرمى للوطن ويأتي شخص اسمه إيليا المر يعلمني، فقال لي: أيضا لن تعودي للمدرسة، ستعودين للبيت فقالت له الآنسة سلوى: ولو أنت مدير الإذاعة ورئيس الدائرة الموسيقية وتلاميذك كبار وعظماء، الأستاذ وديع الصافي وأنت من سميته نسبة لصفاء صوته، سعاد محمد كان اسمها سعاد المصري وغيرهما. فعدت للمنزل ومنعني من العودة للمدرسة، فتدخلوا عندها أصحابنا حتى أقنعوه، فأعادني إلى المدرسة من دون الغناء في الصف.
عبدالوهاب يطلب سفرها لمصر
ـ كيف كان أول لقاء لك بمحمد عبد الوهاب؟
ـ "علمت أن عبد الوهاب قادم إلى الإذاعة فنزلت صباحا وقلبت كل ما في بلاغات وإعلانات وانتهيت عند العاشرة والنصف، كان قد أتى عبد الوهاب كان معه محمد الكحلاوي والأخطل الصغير بشارة الخوري، الشاعر طبعا. كان والدي كلما أتى فنان يصنع له حفلة شاي ويستقبله. وأول أغاني تنزل لعبد الوهاب إذاعيا كان في بيروت، فوقفت على الباب أنتظر. كنت أنا أصغر بنت بين المجموعة فعبد الوهاب انتبه من الفتاة التي تصعد وتنزل، وكانوا جالسين جميعاً فقال لوالدي: يا سي محيي مين البنت الصغنونى دي؟" فطأطأت أنا وسكت. كان هناك واحدة اسمها ليلى الصعيدي في الكورال قصيرة جدا، فقال له السمرة دي؟ فقال له: لا الفتاة التي خلفها. فقال له: هذه ابنتي نجاح. فقال له: قول لها أن تأتي، فجئت إليه. كان يجلس إلى جواره سلام أخو صائب، كان صديق عبد الوهاب، فقال لي: ما هو اسمك فقلت له: نجاح، فقال: جميل، هل تعرفين أن تغني؟ فنظرت نحو والدي، فقال له والدي: لا، فقط كما يغني باقي الأطفال. فقلت له: نعم أنا أعرف الغناء وسأغني: "عمري ماحنسى يوم الاثنين". هذه أغنية كانت لفيلم سينمائي فسمع مقطعا فقال لوالدي (بص ياسي محيي بكرة بتجيب نجاح وبتطلع على بلاس أوتيل بدي اسمعها بنتك مو بس صوتا حلو عندا رأي بالمغنى يعني بتقول الجملة الموسيقية وبتضيف عليها وهذا شيء مهم، فقال له والدي: إن شاء الله. فقال لمصباح: إنتا حتاخد نجوحة وبباها وحتطلعوا على الأوتيل". المهم ذهبنا، فقال لي والدي: "سودتي وشي بهدلتيني، هيك بتعملي؟" فقلت له: "يا بابا ما عملت شي، بس غنيت حلو وأنت بتعزف عود حلو وبتغني حلو". في اليوم الثاني أتى مصباح، فقال له: لن تأتي نجاح معنا، فقال له: عيب يا محيي. المهم ذهبنا له فوجدنا أُناسا كثرا على الباب واقفين من فنانين وصحافيين وكتاب. المهم دخلنا وسمعني لمدة ساعة ونصف الساعة: "إنتا عزيز يا زماني، وحسدوني باين في عنيكوم، وإمتى الزمان يسمح يا جميل؟" فقال له: "نجاح لو مش حتوديها لمصر، أنا حخطفها وأوديها لهناك". هذا كان في أواخر سنة الثماني والأربعين، فقال له: لا. فقال: لماذا؟ نحن ليس لدينا مطربات، نحن لدينا فقط أُم كلثوم وأسمهان وفريد، خليها تشوف حظها، الفن شيء عظيم فوافق. سوف نذهب إلى مصر، انفتح الطريق. فقال لي والدي: خذي الشهادة وأنا أعدك سآخذك إلى مصر. عندما يكون لدينا حصة لغة فرنسية أكون جالسة بالقرب من النافذة أستمع إلى صوت عبد الوهاب صادرا من منزل الجيران.
الى مصر
ـ هذه نقلة مهمة في حياتك، حدثينا عن أول زيارة لمصر، وكيف التقيت محمد سلمان؟
ـ نعم، ذهبنا لمصر في القطار، أول قطار قام اليهود بنسفه في ذاك الوقت هو القطار نفسه الذي ذهبنا به، نسفوه وهو عائد من مصر. والدي أصحابه في مصر كثيرون من الفنانين. أما قصة محمد سلمان، والد أطفالي أبو سمر، عندما كنت في زهرة الإحسان كان هناك وكان شاطرا جداً باللغة العربية وكان يدرس فهو أستاذ كانت لغته الفرنسية جيدة، وكانت لغتي العربية جيدة ولكن مدرستي فيها لغة فرنسية وأنا كنت أرسب دوما، فأتى لتدريسي اللغة الفرنسية في المنزل، وأنا لم أكن أحبها فأقوم بوضع الدبابيس على الكنبة التي سيجلس عليها محمد سلمان. فقال لوالدي: من المستحيل أن تتعلم نجاح الفرنسي، لغتها العربية صحيحة ومخارج حروفها سليمة فاتركها تركز هنا، وبعد ذلك تتعلم الفرنسي عندما تكبر. المهم والدي علم أن صوت محمد جميل فأدخله للإذاعة فصار يغني بالإذاعة وأصبح صديقا لوالدي ويحبه جدا. وسلمان يحمل سمات رائعة، كريما متسامحا خلوقا، لا يرد الإساءة، وهو خل وفي لأصدقائه ولا يتردد في مساعدة أحد حتى لو لم يكن في جيبه سوى عشر ليرات. المهم عندما ذهبنا لمصر، كنت لم أره مذ ثلاث أو أربع سنوات، فعندما وصلنا نزلنا في أوتيل وكانت في أسفله قهوة، وكان يجلس الفنانون فشاهده سلمان فأسرع إليه يلقي التحية، فقال له أنت ومن هنا؟ فأخبره أني برفقته مع والدتي. وأخبره بسبب حضورنا، فقال له: هذا عظيم ونجاح تحب الفن، فيم حزنك إذن؟ فقال له: أنت تعلم العائلة. فقال له: نحن لا نختلف، فالفنان يشرف عائلته إن كان جيدا. ذهبنا إلى الأستوديو، نريد أن نقوم بتجربة وذهبت كي يضعوا لي ماكياجا فجلست على الكرسي، ونظرت فوجدت نجيب الريحاني الممثل الكبير. وذهبنا بعدها إلى شركة النحاس وهم الذين أسسوا السينما، لبنانيو الأصل فأحضروا لي رياض السنباطي كي يستمع لغنائي، دخل وكان يضع الطربوش فعرفه والدي علينا، فطلب منه أن يسمعه عزفه على العود فقال لوالدي: "يا سي محيي إنت محيي الجن، إيه الصوابع العسل دي؟ لازم نجاح بتغني كويس عشان بباها بيعزف عود جميل". فبدأت بالغناء من دون خوف، فأنا واثقة بصوتي، فقال لي رياض السنباطي: "بصي يا نجوحة لو جيتي واحترفتي الفن، إنتي حتكوني تلميذتي". فأخذوني للتمثيل في فيلم "عيش وملح" لأكون بطلة فيه، ولم يكن هدفي السينما، هدفي كان أن أغني على المسرح مثل أم كلثوم، أغني أمام الناس فالمسرح يعلم الكثير. وكان هناك مشهد بالفيلم، أنا بنت ريف أحمل سبت بيض على رأسي وأمشي على الطريق، فيأتي سعد عبد الوهاب يقود دراجة فيدهسني بالدراجة وقال جملته وتبعته جملتي، فقال المخرج ما هذه البنت العفريتة؟ هي تتقن اللهجة المصرية ولهجة الفلاحين، وصفق لي. وكان هناك مشهد آخر يعبر لي فيه عن حبه فاستغربت ورفضت، لأن هذا عيب، فأنا أقول أحبك لوالدي وليس لشخص غريب، فقال لي المخرج: هذا هو السيناريو، فقال لوالدي نجاح ما زالت صغيرة وتجربتها ضئيلة، يجب أن تصعد لخشبة المسرح وترى الناس وتغني، فعدت إلى المنزل وأنا أبكي وأندب حظي وأقول "أبعدوني فقط لأني لم أقل له أحبك! فقالت لي والدتي لمَ أنت حزينة؟ سيأتي يوم حسين فوزي سيقبل يدك كي تمثلي معه، فقلت لها أنا لا أريد التمثيل، في السينما يضحكون على الناس والأستاذ رياض قال إنه سيعلمني. المهم رجعنا لبيروت وأخذت أذهب للإذاعة كل يوم، وكنت قد عرفت في الأوساط الفنية أن صوتي جميل.
اقامة في سورية
ـ وماذا عن زيارتك لسورية وذكرياتك فيها؟
ـ جاء مسؤول من دمشق إلى والدي وقالوا له: يا أستاذ محيي الدين، نحن نريد أن نأخذ نجاح لسورية كي تغني في حفلة تحت رعاية جميل بك مردم. فقال له والدي: لكن نجاح ليس لها أغاني سوى أغنية "حول يا غنام". فقلت له: أغني لأم كلثوم وعبد الوهاب. فقال له: كيف ستذهب؟ فأنا لا أستطيع أن أترك عملي، ووالدتها لوحدها وابنتي صغيرة، كلا هذا غير ممكن. فقالوا له: لا تخف. عندها ذهب معنا أخي نبيل، رحمه الله. كان عمره عشر سنوات، فذهبنا لسورية وكانت الحفلة في حديقة البرلمان، وغنت معي ماري جبران وسلامة الأغواني ورفيق سبيعي وأنا صغيرة صعدت إلى المسرح وكان مكتظا بالناس، فأخذت أسأل نفسي: ماذا سأغني؟ فغنيت أغنية "أهل الهوا يا ليل فاتوا" وهي من أصعب أغاني أم كلثوم، فصفق لي الناس بشدة. وأنا أنزل من على المسرح كنت سأقع من شدة فرحي وخجلي، ففرحت والدتي وقالت لي: هل ترين؟ هذه بداية طريق المجد، وسورية هي بلد العلم والفن والثقافة والموشحات، وسوف نأخذك لحلب فتتعلمين الموشحات فيأتي إلي شخص ويخاطب والدتي بقوله: سيدة أم نجاح، غدا هناك حفلة في نقابة المحامين يقيمها حزب الشعب، سكرتير الحزب كان علي بوظو وكان وزير الزراعة في ذلك الوقت، فقال هل من الممكن أن تأتي وتغني؟ فقالت له والدتي: من الناس القادمين للحفلة؟ فقال لها الوزراء والنواب وزوجاتهم. فسألته: هل هناك مشروب؟ فقال لها: لا، أبدا. فذهبنا للحفل. وهنا أنا أعيدك لكلمة الشيخ عبد الرحمن عندما قال سأخلف لكم اسمي وسيمشي معكم للممات. فغنيت نفس الأغاني فصفقوا لي فقال لوالدتي شخص اسمه عادل كان محاميا، يا ست أم نجاح زوجات الوزراء يرغبون بالسلام عليكم، فذهبنا وجلسنا فكان يجلس رشاد جبري، علي بوظو، عمر أبو ريشة، نصوح المملوك فسألني رشاد جبري: أنت ابنة من فأجبته أنا ابنة سلام. فقال الشيخ عبد الرحمن ما قرابته بك؟ فقلت له: جدي. فقال: هو جدك ومحيي الدين والدك؟ فقلت نعم فأخذ يقول للجالسين هل تعلمون من هي؟ من درسكم، من علمكم أن تضبطوا الحرف، من علمكم الشعر، إنها حفيدة الشيخ عبد الرحمن. وقال لي: أنت ممنوع أن تغني في مكان إلا برعايتنا، جدك له فضل علينا، هو من علمنا. ودعانا للغداء وأراد أن يريني شيئا، ففرحت. وذهبنا فرأيت صورة كبيرة لجدي بلفته التي يعتمرها على رأسه وتلاميذ أطفال حوله ووالدي كان بينهم. فقال لي: هذا جدك، لولاه لا يوجد أحد يفك الحرف في سورية، فعشت في سورية من سنة 47 حتى سنة 51 فغنيت بالإذاعة وفي الحفلات وعملت أغاني. أنا عاصرت كل رؤساء الجمهورية من شكري القوتلي لحسني الزعيم لأديب الشيشكلي، وكانوا جميعاً يستمعون لغنائي. جدي طبعا عندما جاء الملك فيصل الأول وقال لجدي: ماذا تريد؟ فقال له: أريد أن أؤسس النادي العربي. وأول حفلة لي في حياتي أقمتها في دمشق كانت فوق سطح مبنى النادي، وقدمت أغاني أيضاً للجيش وعاصرت أيضاً الرئيس حافظ الأسد عندما كان في الضمير قائد الطيران، وكذلك السيد مصطفى طلاس، كل عائلات سورية المحترمة هم أصدقائي مثل بيت الأيوبي وبيت الجزائري وبيت شيخ الأرض، فأنا نشأت في سورية. في الواقع هو تاريخ رائع لا ينسى، أنا لا أنسى فضل سورية وليس أنا فقط، فأغلبهم اشتهروا من سورية. هنا في لبنان آخر همهم الفن يحبون الفنانات اللواتي يشقرن شعرهن ويرتدين الميني جوب، وكل هذه الأمور التي بلا طعمة. انظري من طلع من لبنان، نحن ذهبنا إلى مصر ووقفنا مع أم كلثوم وعبد الوهاب، فأنا أخذت الجنسية المصرية في أيام عبد الناصر وأعطاني منزلا وسيارة وقال نجاح سلام جزء عظيم من تاريخ الأمة العربية الوطني، لماذا؟ لأني عندما غنيت (بدي عريس أسمر عربي) لا تعرفين ما حدث في الشام جاء الرئيس عبد الناصر وقال لي: "صوتك جميل زي بلدك، أنا ما عرفش لبنان لكن صوتك جميل وأنت بترفعي رأس الأمة العربية". فعملت له أغنية اسمها (اسمك مجيد يا مصر) أفضل عصر جاء على فني هو زمن عبد الناصر بمصر".
امريكا تساهم في انحدارنا
ـ سيدة نجاح بين فنون الغناء والتمثيل في الماضي وفنون هذه الأيام، ما سبب هذا الانحدار الحاصل؟
ـ "سبب هذا الانحدار لأن أمريكا تريد ذلك، تريد أن تقضي على شبابنا، إذا أردت أن تقضي على حضارة شعب اقض على فن نابض، لم يعد لدينا فن. اليوم يسألونك رأيت فلان؟ وإلا يقولون سمعت فلان؟ فأنا عندما أريد أن أتفرج على (كليب) عندها العين تشارك الأذن و70% تأخذ العين من الأذن، لذلك لا يوجد فن اليوم، الفن قضى على شبابنا، والمخدرات كثرت والتدخين والمشروب والنرجيلة وقلة الأخلاق بسبب الفن. الكلمة الجيدة ترتقي بالإنسان، اليوم من ستسمعين؟ حتى الكثير من المطربين الجيدين يعتمدون على العين لا على الأذن والموهبة. أنا أشاهد الأخبار والبرامج الثقافية والدينية، هل هناك أجمل من ان تأتيك المعلومات من العالم كله؟ في رمضان، أنا أستمع للنابلسي يتكلم لماذا سأهتم بمن يغني؟ هؤلاء لا يغنون، هؤلاء "يتظلطون".
ـ ولكن بعض أصوات الشباب من مطربين ومطربات جيدة.
ـ "هناك أصوات جيدة، لكن حتى الأصوات الجيدة تعتمد على الصورة والأزياء. مرة فنانة صوتها جميل، كنا معا في الطيارة مرت من قربي فقالت سيدة نجاح يا حبيبتي قالت لي أنا أحبك جدا، أريد نصحك فقلت لها: لا تتعري، فقالت: أنا لا أتعرى، فقلت لها: لقد رأيتك ترتدين فستانا ظهرك وكتفاك تظهر منه، عندما تريدين أن تظهري على التلفاز دعي صوتك هو الذي يلفت نظر الناس لا فستانك ولا التعرية، عندما ترتدين فستانا أنيقا لائقا وصوتك جميل لست بحاجة للتعرية، الذي يتعرى يكون يريد أن يلفت نظر لأنه لا يملك الصوت، أنا أنصح كما أنصح شخصا قريبا لي. حتى المخرجون اليوم يفرضون عليهم، يجب أن ترتدوا كذا وكذا أنا لم أشاهد أبداً فنانا ينام على السرير أو يجلس في البانيو أو يغني تحت المطر، ما هذا الفن؟ أنا أهتم أكثر بأن أحصل على معلومة جديدة مفيدة. في مرة رأيت الشيخ حسون مفتي حلب له فكر عظيم وكذلك البوطي والأستاذ راتب النابلسي".
زوجان وصديقان
ـ أنت تزوجت الفنان والأستاذ محمد سلمان، هل كان حباً حقيقياً في حياتك وهل شعرت بفرق العمر؟ وما كان نوع الخلافات بينكما؟
ـ "لم يكن هناك فرق كبير وهو أحد عشر عاما، وهو لا شيء بالنسبة لي. نحن كنا فنانين، وشيء طبيعي أن يكون هناك خلاف بين الفنانين المتزوجين. وأحلى الأغاني كتبها لي محمد سلمان ولم نختلف نحن الاثنين على شيء جوهري. كنت أنا بيتوتية، إن جاء لزيارتي ألف شخص أكون سعيدة، لكن قولي لي أن أخرج من المنزل للعشاء مثلا فلا أكون سعيدة، أنا لا أحب قعدة الشوارع. سلمان كان على عكسي، هو فنان يعشق حريته، وهو مثل الطير إن وضعته في قفص يختنق. نحن تزوجنا لمدة ثلاثة عشر عاما، وخمسا وثلاثين سنة كنا أصحابا أكثر مما كنا في فترة زواجنا، لماذا؟ لأني ربيت أولادي بشكل جيد، ولم أُرد أن أُعقدهم. بقينا سنة ونصف يأتي للمنزل بعد طلاقنا وينام في غرفة خاصة به كي لا يشعر الأولاد أننا افترقنا، ولذلك لم يشعر أولادنا أننا مطلقان. كنا نسافر معا ويأتي لزيارتنا، وعندما مرض كان هنا وانتقل إلى رحمته تعالى هنا بيننا. وعندما ذهب إلى المشفى أنا كنت معه، نحن اختلفنا بأسلوب الحياة فقط. أما هو كإنسان، فهو كريم خلوق لا يرد الإساءة فقط ينظر بعينه إليك ويذهب، وهو ليس فقط كريما بل أظن أنه أكرم من حاتم الطائي نفسه. وسأحكي لك قصة حدثت، أنا لم أر شخصا مثل سلمان. كنا متزوجين، ونزلنا في أوتيل في مصر بشارع فؤاد، كان هناك صحافي له صيته وكان مشهورا في مصر أصبح يتعاطى المخدرات وأصبحت حاله يرثى لها. عندما أتينا إلى الأوتيل والدنيا شتاء وجدنا شخصا على الباب فهرع سلمان لأجله فخلع طقمه وأعطاه إياه وصعد إلى غرفته بالملابس الداخلية. فقلت له سيقولون عنك مجنون، فقال لم أستطع أن أتحمل شكل شخص يموت أمامي من البرد وهو يرتجف. وفي مرة أخرى أتى إليه رجل فقير فخلع ساعته وأعطاه إياها، سلمان شخص غريب، لقد قال لي يوم توفي: (إنني أعطيتُ ما استبقيت شيئا). حتى ثيابه قبل أن يتوفى وزعها كلها. من الممكن، لأني تربيت تربية بيتوتية بشكل كبير، فهنا كانت نقطة خلافنا".
الحج والحجاب
ـ بما أنك تلقيت تعليمك في مدرسة للراهبات، هل للراهبات تأثير على التربية فدائماً هن يعلمن النظام والكلاسيكية الزائدة؟
ـ أنا تعلمت كلمة العيب في بيت أهلي وفي منزل جدي، يعني هكذا نحن تربينا يأتي الشيخ عبد الرحمن فنقف صفاً ونقبل له يده جميعاً".
ـ الحجاب متى وضعته؟ وكيف توصلت لقناعة وضع الحجاب؟
ـ "سأقول لك أنا جميع ملابسي محتشمة ومحترمة في الحفلات، وأساسا أنا أبرد إن لبست ملابس "مظلطة" وأنا لا أحبها وأيضا أنا لا أرغب أن يلفت نظر الناس سوى صوتي لا شعري ولا لباسي ولا شكلي. أردت أن أحج فذهبت للحج أول مرة أردت أن أحج مرضت وخضعت لعملية استئصال المرارة فرأيت في منامي أني أطوف بالكعبة، كانت سنة 68 فحزنت لأني لم أذهب للحج. فذهبت أيام وأتت أيام وكان هذا في سنة 95، فأتت ابنتي ريم وقالت لي سنذهب للحج. فقلت لها نعم سنذهب، وأنا كان لدي حفلات، وكان لدي في البرازيل حفلة بمبلغ كبير، فتركت كل شيء وذهبنا. وطول فترة حجي لم أسأل الله سوى "اللهم اختر لي الطريق الصحيح يا رب". وهذه كانت دعوتي الوحيدة، هذا قبل أن تبدأ هذه الموجة الهابطة من الفن. الله يعلم أن هذا ليس جوي ولا أستطيع أن أنسجم به أبداً، المهم سألتني ريم قبل أن نقوم بالطواف قالت لي ماما أتضعين الحجاب؟ فقلت لها أنا لدي عمل وعندي حفلات. فإن كان الله قد قدره لي فليكن في آخر يوم حج. وبعد أن أنهينا مناسك الحج، عدنا للأوتيل فقالوا تفضلوا كي تتعرف الحملة على بعضها البعض، فأخذت أمشط شعري فقالت لي ريم أتمشطين شعرك؟ فقلت لها طبعا فأنا سأقابل النساء الآن، فقالت لي مبروك الحج، فقلت لها وباركي لي على الحجاب فتفاجأت وأخذت تقبلني من السعادة".
ـ بعد أن تحجبت هل قمت بالغناء؟
ـ "لقد قمت بسؤال المشايخ فأنا أحب فني فقالوا لي الغناء ليس محرما، فقط كل ما يثير غرائز الناس وشهواتهم هو محرم بكل الأديان، وأنا لا أغني أغاني تافهة ولا أقدم شيئا يثير غرائز الناس وشهواتهم. قدمت قصيدة للبنان. الحجاب والدين والحج لا يمنع سوى الشيء السيئ، فالناس ليس لها علاقة بشعري أو بشكلي، أنا أطلع أغني وأنا محتشمة. كل سنة أنا أُسجل ثلاثين دعاء وأغاني وطنية ومنها واحدة لمدينة قطر (لكِ السلام يا قطر/ لكِ الحياة والخلود/ وبالفؤاد يا قطر وفي الكيان/ منصورة من الإله/ مرفوعة فيك الجباه/ كريمة فيك الحياة/ تحيا قطر إلى الأبد/ تحيا قطر أغلى بلد/ نصراً وعزاً للعرب/ سابقتِ بالعلم الزمن/ وسموتِ ما فوق السحب/ وعلا بكِ صرح الوطن/ بين الكواكب والشهب/ الدين والخلق الجميل/ والفن والأدب الرفيع/ في دوحة الكرم الأصيل/ تحيى قطر إلى الأبد) اللحن للأستاذ أمجد العطافي".
احب النظام
ـ صوتك الجميل ما زال على طبيعته، ما رأيك بالفنانين الذين أصبحوا يعتمدون على هندسة الصوت؟
ـ "أنا لا أعتمد إلا على صوتي، لقد بقيت عشرة أيام أُسجل أغنية (لكِ السلام يا قطر) أذهب للأستوديو كل يوم فيأتي الموسيقيون وقد يتأخر بعضهم فالموسيقيون لا يبالون وأنا أحب النظام. مثلا، مع رياض السنباطي يكون لدينا بروفات بالمعهد، أكون عند الساعة الرابعة والنصف أراجع معه العمل، فكان هناك احترام للفن، اليوم الموسيقيون يأتون على هواهم".
ـ التواصل بينك وبين الرواد والفنانين الكبار، هل هناك علاقة تجمعكم؟
ـ "أغلب الفنانين اعتزلوا، فمثلاً ليلى فوزي رحمها الله كانت صديقتي سيدة محترمة جدا، وغيرها كالسيدة فيروز والسيد وديع الصافي هو شخص رائع، وليس لي علاقات مع غيرهم من الجيل الجديد".
ـ الثقافة وسلامة اللغة، ماذا تضيف للفنان؟
ـ "الثقافة شيء عظيم تصوري نفسك تجلسين في مجتمع والحاضرون أدباء وكتاب وشعراء وأنت جالسة صامتة؟ وذلك لأنك لا تتمتعين بالثقافة، هذا عيب كبير فالثقافة ضرورية للفنان".
ـ هناك بالساحة الفنية محاولات لتجديد بعض الأغاني القديمة، هل طلب منك تجديد بعض أغانيكِ؟
ـ "أنا لا أجدد أغان فقد نجحت، لماذا سأُشوهها بإدخال إيقاعات غريبة؟ تصوري ألحان السنباطي العظيم تدخل في نطاق التجديد واستخدام الآلات الموسيقية المتسارعة سيتشوه العمل واللحن، هذا التجديد اسمه إفلاس بالفن، لماذا نحن نجدد؟ أوليس لدينا ملحنون ومطربون ومبدعون؟ لماذا نلجأ للتجديد وتشويه أغنية لفنان عظيم وملحن عظيم؟ فليبتعدوا عن الفن الهابط وليقدموا الشيء المحترم، لا يستطيع أحد أن يقلد أحدا، فأم كلثوم أتت مرة واحدة الى هذه الحياة وهي لن تتكرر. إن أراد أحدهم أن يغني لأم كلثوم، فليعمل إضافات وليكن مبدعا وليقدمها بأدائه حيث تكون تعبر عنه، ودوما البقاء للأفضل. أنا غنيت لأم كلثوم، ولكن بطريقة وأسلوب نجاح سلام، فكنت أقول جملة الملحن وأضيف جملة نجاح سلام، لم أقلد أبدا".
ايام بغداد
ـ بالنسبة لأغانيك في بغداد، والعراق اليوم أيامه عصيبة منذ الاحتلال، وأنت من أقام أول الحفلات هناك، كيف تذكرين بغداد الغالية؟ وكيف كان شعورك في لحظة سقوطها؟
ـ "ذهبت لبغداد أواخر الأربعينات وأوائل الخمسينات وغنيت أغنية (حول يا غنام) وقد حظيت بإقبال جماهيري كبير وأنا كنت في بداياتي. عندما وصلنا، كان هناك في وسط الصحراء قهوة تسمى شاي خانة، وكان سقف المقهى مليئا بصور لفنانين وكانت صورتي بينهم. وصلت لبغداد وغنيت بعرس وكان هناك الكثير من الحفلات وقد كرموني. بقيت هناك تقريبا لمدة ستة أشهر. ثم من بغداد أتيت لرام الله وسجلت أغاني للإذاعة وغنيت أمام الملك عبد الله الجد الكبير، ومنها لسورية. عندما سقطت بغداد بكيت كثيرا، لأن العراق مستمد اسمه من العراقة، فيه مكتبة رائعة نُهبت. أنا لم أقابل صدام حسين ففي أيامه كنت في باريس، وكان وزير الإعلام وقال لي نريدك أن تغني في حفل يقام في بغداد وسيكون معك عبد الله رويشد، وهناك فنانون من المغرب وغيرهم، فذهبت لبغداد في عهد صدام وغنيت أغنية أنا كتبت كلماتها. كان هناك فنادق حديثة وشوارع حديثة، ومطار حديث. أنا لا علاقة لي بسياسة صدام حسين، ولكن في عهده كانت بغداد مختلفة جدا عما قبل، وقد أقمنا حفلة فيها أنا ووديع الصافي".
ـ اليوم الدنيا لمن منحت أضواءها في الفن، إن كان في لبنان أو في العالم العربي؟
ـ "أنا لا أعتبر الدنيا اليوم تنير أضواءها، بل هي تظلم يوماً بعد يوم بالنسبة للفن. الفنانون الكبار لا يرغبون بدخول هذه المعركة، أنا لا أسمح لنفسي بأن أشارك في حفلة تظهر فيها الفنانات الأُخريات عاريات، أنا لدي أربع حفلات في الأوبرا أغني فيها".
ـ المردود من أعمالك من ناحية انتشار هذه الأعمال وهل هناك حماية لملكيتك؟
ـ "أقول لك كل شركات التسجيل هي لصوص، أنا لا أًسجل أنا أنتجت كاسيت على حسابي اسمه (يا زمان الوفاء) وسجلت فيديو كليب وحصل على جوائز كثيرة".