«الإخوان» والانتخابات المصرية... أهداف متوارية ونتائج محسومة
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
من حيث المنشأ فالإخوان لديهم قرار استراتيجي بالمشاركة في الانتخابات كافة، بدءاً من الاتحادات الطالبية وانتهاء بالبرلمان، ويبقى المنصب الوحيد الذي لا يفكر الإخوان في المزاحمة عليه حالياً هو الرئاسة. لكن الإخوان هذه المرة تلكأوا في حسم موقفهم نظراً إلى اعتبارات عدة، أولها خداع الأجهزة الأمنية، التي تتربص بالإخوان وتراقبهم باستمرار، حتى تعتقل أية عناصر تحسم الجماعة ترشيحها في الانتخابات، وقد حدث هذا طيلة الانتخابات السابقة، إلى درجة أن الجماعة تجد نفسها مضطرة كل مرة إلى وضع مرشحين احتياطيين في كل الدوائر التي تعتزم المنافسة فيها. وثانيها أن الإخوان وبعد اقترابهم من الجمعية الوطنية للتغيير ومشاركتهم في جمع توقيعات على مطالب الإصلاح السياسي السبعة التي أطلقها الدكتور محمد البرادعي أخذوا في الاعتبار عدم المسارعة بإعلان المشاركة في الانتخابات حتى لا يغضبوا حلفاءهم في الجمعية التي قررت مقاطعة الانتخابات ودعت أحزاب المعارضة إلى ذلك. أما السبب الثالث فإن الإخوان ظلوا متعشمين، حتى اللحظة الأخيرة، في أن تمد السلطة يدها للجماعة لإبرام "تفاهم" أو "صفقة" على غرار ما أجري في انتخابات 2005.
ويهدف الإخوان من خوض الانتخابات البرلمانية الى تحقيق أربعة أهداف في وقت واحد، هي:
1 - تعزيز الرسوخ السياسي والاجتماعي، باعتبار أن الانتخابات فرصة سانحة للتواصل مع الجماهير، وعرض تصورات الجماعة وبرامجها عليهم.
2 - مزيد من إثــبات انحـــياز الجــماعة إلى النضال المدني الســـلمي طريقــاً للتغيير، وإظــهار أن الإخوان قد طلقوا العنف المادي والعمل السري إلى غير رجعة.
3 - تعطي الانتخابات للإخوان فرصة جديدة لإثبات التمييز السياسي الذي يمارس ضدهم، نظراً للإجراءات القسرية والقمعية التي تتخذها السلطة بحق الجماعة قبل الانتخابات وأثناءها، وربما بُعَيْدَها، ومثل هذه الوضع يساهم في تسويق الإخوان دولياً، مثلما حدث من قبل حين وضعتهم منظمة "هيومن رايتس ووتش" في تقرير لها عام 2004 كأكثر الفئات اضطهاداً في مصر.
4 - توفر للإخوان حماية نسبية لأنشطتهم السياسية والاجتماعية عبر استخدام الحصانة البرلمانية التي يحوزها نواب الجماعة الفائزون في الانتخابات في تنظيم ندوات ولقاءات وعقد اجتماعات في مقار الكتل البرلمانية، وهي أماكن لا يمكن أجهزة الأمن دهمها على غرار ما يحدث لأية اجتماعات يعقدها أعضاء الإخوان في أي مكان آخر.
ولا يمكن النظر إلى قرار الإخوان بالمشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة في مصر بعيداً من حديث "الصفقات" التي أبرمها الحزب الحاكم مع بعض أحزاب المعارضة، لا سيما أن الإخوان كانوا يتدارسون مع السلطة قبل شهور صفقة تضمن الجماعة من خلالها تأمين نحو عشرين مقعداً برلمانياً، وكذلك الاتفاق على ألا تطول مدد اعتقال أعضاء الإخوان، وتخفيف الملاحقات الأمنية لهم. أما المقابل فهو على النحو الآتي:
1 - يبتعد الإخوان عن البرادعي ومشروع "الجمعية الوطنية للتغيير" ابتعاداً تاماً، ولا يناصرونه مادياً أو معنوياً.
2 - ألا يعتبر الإخوان أنفسهم طرفاً في الانتخابات الرئاسية المقبلة، بحيث لا يزكون أحداً، أو يقفون وراءه، في العلن أو في السر.
3 - أن يقوم الإخوان بتهدئة نشاطهم السياسي في المرحلة المقبلة، بحيث لا يشاركون في أية أعمال احتجاجية تنظمها قوى المعارضة، لا سيما الجمعية الوطنية للتغيير والجمعيات والهيئات المرتبطة بها.
في كل الأحوال فإن الإخوان يريدون أن يحافظوا على شعرة معاوية بينهم وبين النظام، ولن يكلوا أو يملوا من خطب وده، وطرق أبوابه، ومحاولة الحوار معه. لذا، لا ينقطع رجاء الإخوان في عقد صفقة انتخابية مع السلطة، على رغم أن الأخيرة نقضت اتفاقاً معهم قبيل انتخابات مجلس الشورى التي أجريت قبل أربعة أشهر تقريباً، بعد أن رفعت أجهزة سيادية رفيعة المستوى تقريراً إلى الرئيس مبارك يحمل أسباباً وجيهة لعدم احتياج السلطة إلى إبرام اتفاق مع الإخوان في الوقت الحالي، أهمها أن الاتفاق تم وقت أن كانت أجـــهزة الأمن ترى في مشــــروع البرادعي خطراً داهماً على النظام، وأنه مــن الضروري جـــذب الإخوان بعيداً منه، لأنهم إن تحالفوا معه أو التحـــموا به، فإن خــطره على السلطة سيتضاعف.
ونقض السلطة تعهداتها تلك دفع الجماعة إلى الذهاب بعيداً في التعاون مع البرادعي، لتحقيق هدفين في الوقت نفسه، الأول هو تأكد جماعة الإخوان من أن النظام لا عهد له وبالتالي فمن العبث الاطمئنان إليه والترتيب معه، وأن الأفضل للجماعة أن تؤيد البديل الواضح والمستقل حتى الآن وهو "الجمعية الوطنية للتغيير".
أما الثاني فهو أمل الإخوان في أن يشكل انضمامهم إلى البرادعي ضغطاً على النظام الحاكم فيجد نفسه مضطراً من جديد إلى عدم نقض الشق الثاني من الصفقة المتعلق بانتخابات مجلس الشعب المقبلة. لكن هذا لن يتحقق إلا إذا قوي مشروع البرادعي مجدداً، وبات يشكل، سواء بالإخوان أو بقواه الذاتية، تهديداً كبيراً للسلطة التي لا تريد إلا تأبيداً في مواقعها ومنافعها، ولو صار كل شيء إلى خراب.
وظني أن البرادعي ربما لا يعرف شيئاً عن الأسباب التي دفعت الإخوان إلى احتضانه بعد طول تردد، لكن الرجل، الذي يؤمن في كل الأحوال بدولة مدنية لا تقصي الإخوان، قد يصبح مجرد "ورقة تفاوضية" تلوح بها الجماعة في وجه النظام وتغازله من جديد، فإن ناداها انفضت من حول البرادعي، وذهبت إليه مسرعة، غير عاجزة وقتها عن الدفع بتبريرات عدة جاهزة لموقفها، وقد تتم ترجمة جزء مما يترتب على هذه الصفقة الجديدة في العلن فنرى قدحاً إخوانياً في البرادعي، وقد يتدبر الأمر برمته سراً إلى حين، لكن أعتقد أن نتائج الانتخابات المقبلة ستكشف الكثير من الأسرار الدفينة، لا سيما في ظل اعتراض قطاعات من الإخوان على مسألة المشاركة في الانتخابات البرلمانية، التي تبدو نتائجها محددة مسبقاً، لمؤشرات ومعطيات عدة لم تعد خافية على أحد.
إن الحصاد المتوقع للإخوان من الانتخابات البرلمانية المقبلة سيكون، من دون شك، أقل بكثير مما حازوه في البرلمان الأخير، الذي انقضى فصله التشريعي، حيث بلغ عدد نواب الإخوان 88 نائباً وكانوا يشكلون قوة المعارضة الرئيسة فيه، لكن يبدو أن الترتيبات التي أجراها الحزب الحاكم مع أحزاب المعارضة ستؤدي إلى توزيع نصيب الإخوان عليها، لكن الجماعة، المحظورة قانوناً في مصر، ترضى بالقليل، فالمهم لديها أن تظل رقماً صعباً في المعادلة السياسية، سواء داخل البرلمان أو خارجه، وأن تحافظ على تماسك التنظيم الإخواني في وجه الضربات القاسية المتلاحقة التي يتعرض لها، وأن تتحلى بالصبر حتى لو كان مجرد سلبية وتقاعس وتتوسل بالتحايل الذي ألفته من استمراء ثقافة المحنة، حتى تأتي لحظة التمكن التي تتطلع إليها منذ أكثر من ثلاثة أرباع القرن.
التعليقات
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف