إعادة تقييم جورج بوش
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
فيكتور ديفيز هانسون
رحل الرئيس الأميركي السابق جورج بوش عن البيت الأبيض تاركا أدنى معدلات للشعبية منذ ريتشارد نيكسون. وكرد فعل، لمدة تصل إلى عامين تقريبا فاز الرئيس باراك أوباما بتصفيق سهل من خلال القول "فعلها بوش"، تقريبا في كل خطاباته بشأن السياسات الاقتصادية.
ولكن فجأة يبدو أمر بوش لا بأس به. فأخيرا، فعل الرئيس أوباما ما، يمكن تصوره، وامتدح بوش على الجهود التي قام بها في الماضي لمدّ يده إلى المسلمين. وذهب نائب الرئيس الأميركي "جو بايدن" إلى أبعد من ذلك، واندفع بالقول: "السيد بوش يستحق الكثير من التقدير". وأردف "بايدن" ذلك بالقول: "السيد الرئيس، شكرا لكم".
ويدعو النقّاد الليبراليون الآن بوش لمساعدة أوباما في تبديد التوترات المتزايدة حول بناء المسجد "غرواند زيرو"، وقانون الهجرة غير المشروعة في ولاية أريزونا.
فماذا يجري؟
تظهر استطلاعات الرأي الأخيرة انتعاشا مذهلا في تأييد الرئيس الأميركي السابق، إلى درجة أنه في ولاية أوهايو التي تعتبر مقياسا، ما زال الناخبون يفضلون بوش كرئيس عن أوباما، بفارق تراوح ما بين50 - 42 نقطة.
وعلى الصعيد الداخلي، فإن شعبية أوباما مستمرة في الهبوط إلى ما يقارب 40%، وهي النسبة الأدنى التي استغرق بوش سنوات في الوصول إليها . وقد أصبحت سياسة أفضل أن يمدح المرء بوش بالمقارنة بتجاهله.
ويبدو أن العراق على الطريق إلى النجاح، وذلك مع وجود اقتصاد متنام وحكومة مستقرة. لا تأخذ بكلامي في هذا الشأن، واسأل نائب الرئيس الأميركي بايدن. وهو الذي ادعى أخيرا أن ما يجري في العراق يمكن أن يصبح واحدا من أعظم إنجازات إدارة أوباما. وأقرّ أوباما نفسه بذلك، وهو الناقد السابق لفكرة الحرب، عندما وصف جهود أميركا في العراق بأنها تعد "فصلا بارزا" في تاريخ البلدين.
هناك مقارنات متزايدة مع تجاوزات بوش المفترضة في الماضي. ومقارنةً مع أوباما، فقد بدأت هذه التجاوزات تبدو الآن بسيطة. ولنأخذ على سبيل المثال مسألتي الاقتصاد والحرب على الإرهاب. فقد كان الأميركيون غاضبين من عهد بوش الذي اتسم بالعجوزات في الاقتصاد. لكنها بدأت تنحسر بعدما نجح أوباما في غضون عامين في التفوق عليها.
وعلى مدار ست سنوات من إدارة بوش في الحكم، تمتع الأميركيون باقتصاد قوي. وحتى الآن، لم تشهد فترة حكم أوباما شهرا مماثلا. ففي عهد بوش ،انهارت وول ستريت مرة واحدة، ولكن العلاج الدائم الكبير الذي تقدمت به حكومة أوباما يبدو أسوأ من المرض الأصلي.
إذا كان إعصار كاترينا أظهر قصور الحكومة، فإن أزمة تسرب النفط لشركة بريتيش بتروليوم أخيرا أظهرت القصور نفسه. وربما لم تكن المشكلات كتلك التي شهدها خليج المكسيك مشكلة بوش ولا أوباما وحدهما، ولكن من الأفضل أن تنسب إلى قصور البيروقراطية الفيدرالية نفسه، أو إلى الطقس الغريب والتراخي البشري.
وفي الحرب على الإرهاب، تخلى أوباما عن انتقادات الحملة الانتخابية القديمة. معتقل خليج غوانتانامو والمحاكمات والتوقيف والتنصت، والهجمات من دون طيار، ولم تعد السياسات في أفغانستان والعراق توصف بأنها خرق للدستور . فكل ذلك يعتبر الآن يعتبرون أدوات للأمن الوطني يجب أن يتم الحفاظ عليها، إذا لم تتوسع، تحت حكم أوباما.
ومقارنة مع أوباما وأخطائه، يبدو أن بوش لم يعد يبدو الأبله الوحيد الذي لا يكف خصومه عن السخرية منه. وأوباما الذي يفترض أن يكون صاحب الكلام المعسول يعتمد على المُلقّن من بُعد، كما لو كان حبلا سُريا. بوش الآن يبدو جيدا لأنه أدى مهمته بشكل جيد. وكلما حط من شأنه أوباما و"بايدن"، لزم الصمت، وهكذا يبدو أكثر سماحة.
ولم تكن فترة ما بعد رئاسة بوش بنفس ما كانت عليه بعد جيمي كارتر أو بيل كلينتون، فكلاهما انتقد من خلفه في الحكم، وأصاب أثر الحملة الانتخابية، ولكنه انتهج طريقا مشابها لما تم في عهد والده بوش الأب الذي تعاون مع خلفه الرئيس الأميركي السابق بيل كلنتون، دون أن يعزف معه على وتر واحد. وهذه الشهامة التي أبداها جورج بوش لم تساعده فقط في صناديق الاقتراع، ولكنها في النهاية يبدو أنها تخفف حدة سياسة أوباما أيضا.
وانتقاد بوش فاق كل الحدود خلال السنوات القليلة الأخيرة من ولايته. وتأليف الروايات أو انتاج أفلام وثائقية حول مقتل الرئيس، أو قذفه بأنه "نازي"، ليست هي السياسات التي نريد أن تستمر خلال سنوات حكم أوباما. لذا فمن المهم قبل أن تجرى انتخابات عامة أن نوقف لعبة اللوم التي لا تنتهي، قبل أن يأتي اليوم الذي كما تدين تدان.
انتهت حمى كراهية بوش وتقديس أوباما التي بلغت ذروتها في صيف 2008. وعلينا الآن أن نتذكر أن موقف بوش في مكان "غراوند زيرو" عندما كان يمسك بوقا وذراعه ملتفة حول أحد رجال الإطفاء، أكثر من أن نتذكر ذلك الرجل من تكساس الذي ينطق كلمة nuclear على أنها nucular. في الوقت نفسه، فإن فكرة الأمل والتغيير تبدو الآن أنها تقدم أملا محدودا وتغييرا أقل.
لقد استيقظت أميركا من نشوة 2008، وخلصت إلى أن بوش لم يكن سيئا أبدا، كما أن أوباما ليس جيدا، كما تم الترويج له.