منظرو الحرب ومنظرو المفاوضات في المسألة الإيرانية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
عبدالعظيم محمود حنفي
مما لا شك فيه، ان الملف النووي الإيراني ملف دولي واقليمي خطير على عدة اصعدة فهو يتعلق بالهدف الإيراني من التحول الى قوة نووية وبقضية احباط الانتشار النووي وبالانشطة الإيرانية في الشرق الاوسط، واخيرا فان الولايات المتحدة لاتريد أن يتحول الدخان إلى سحابة فطر عيش الغراب" في إشارة إلى التأثير الذي يحدثه تفجير قنبلة نووية. وقررت ادارة اوباما منذ اليوم الاول لمجيئها تغيير تكتيكاتها تجاه إيران، ولكنها لم تغير استراتيجيها، ومعنى ذلك إنها غادرت خط التشدد، نحو خيار المفاوضات، فاذا كانت إدارة بوش ترفض الجلوس مع إيران إلى طاولة مفاوضات بصدد الملف النووي، قبل ان تقوم بوقف التخصيب، فان ادارة اوباما قبلت بذلك، وقدمت عبر مجموعة 5+1 الحوافز الجديدة لطهران مقابل وقف تخصيب اليورانيوم. وهذه الادارة الاوبامية لا تروج للحرب مع طهران بل تحاول منع اشتعال فتيلها مع اثارة اقطابها الشكوك بشأن فعالية أي ضربة عسكرية أميركية أو إسرائيلية في إجهاض البرنامج النووي الإيراني.
الا ان الاستراتيجية الإيرانية في التفاوض لا تساعد ادارة اوباما نحو الاستمرار في نهجها التفاوضي. فالاستراتيجية الإيرانية تواصل النهج نفسه الاسلوب نفسه وحتى بالالفاظ نفسها تقريبا. فهي تقابل الحوافز المقدمة بالتلويح بغصن الزيتون وفي نفس الوقت لا تقدم ردا مباشرا على طلب وقف تخصيب اليورانيوم. والرسالة الإيرانية قبل كل مفاوضات واضحة في مضمونها ومغزاها برغبة طهران في تجنب الوصول الى خيار المواجهة والوصول الى الخيار العسكري وما ان تبدأ المفاوضات حتى يقوم الجانب الإيراني بما يصفه المفاوضون الغربيون الذين التقوهم - بالمراوغة والمداورة والدخول في محاضرات نظرية طويلة عن نظرة طهران للعالم وانها ترفض ان تمتلك القنبلة الذرية لان ايات الله افتوا بحرمتها مع احتياجهم الجارف الى الطاقة النووية السلمية، ثم يقومون بسرد مجهودانهم للتعاون مع المجتمع الدولي وصدمتهم من ردود الافعال الغربية على تعاونهم. ويختتمون تلك المحاضرات باثارة موضوع الازدواجية الدولية في التعامل مع الملف النووي الإيراني مقارنة بتجاهل موضوع الملف النووي الاسرائيلي. اما موضوع وقف التخصيب فلا ياخذ من المفاوضيين الإيرانيين سوى اشارات وكلمات قلائل تعني رفضهم مناقشة ما يعتبرونه حقا مشروعا لهم. ثم يتقدم مجموعة الـ5+1 بمقترحاتهم التي تتضمن حوافز لطهران. فيظهر الوفد الإيراني الاهتمام، وبعد ذلك يقولون ان في المقترح نقاطاً ايجابية واخرى غير مفهومة ولابد من ايضاحات وتأتي الايضاحات الاوروبية في اليوم التالي فيقول الوفد الإيراني انهم يريدون وقتا للدراسة وعرض الامر على القيادة الإيرانية ويتنهي الاجتماع ثم تخرج من إيران تصريحات متناقضة بالرفض والقبول للمقترحات المعروضة ومن مراجع ومن لجان البرلمان ومن اقطاب عديدة متنافرة وبعد مرور شهور ياتي الرد مراوغا يحمل ايضا- رسالة تحمل غصن الزيتون ولا تقبل اللبس او التشكيك برغبة طهران في تجنب التصعيد وفي حقها في التخصيب وهكذا اشهر طويلة بل سنوات يتم السير ما يراه المراقبون الدوران في حلقة مفرغة.
ادارة اوباما ومجموعة الـ5+1 استوعبت الدرس، ومن ثم فهي واصلت استراتيجية ادارة بوش في التصعيد المتدرج المتواصل بدليل قرارات مجلس الامن التي اوقعت عقوبات متدرجة ومتصاعدة ضد طهران واخرها القرار الدولي رقم 1929.
والجديد الذي قامت به ادارة اوباما هو تصميم العملية الدبلوماسية لتهيئة المسرح الدولي، وتحسين الوضع الأميركى من أجل الدفع لفرض مزيد من العقوبات الاقتصادية على إيران، أو اللجوء الى عمل عسكري كحل أخير. هذا الى جانب هدف آخر تسعى الى تحقيقه، وهو التأكيد على أن النتيجة النهائية لحوار مجموعة الخمسة +1"مع إيران، تقع مسئولية الفشل فيه بالدرجة الأولى على إيران وليس على الولايات المتحدة. فواشنطن تحاول إتباع سياسة مشتركة مع مجموعة الأعضاء الدائمين فى مجلس الأمن + ألمانيا لخلط الترهيب مع الترغيب (العصا مع الجزرة)، مما سيجعل الولايات المتحدة نفسها فى موقف دبلوماسي قوى، ولاسيما مع رفض الإيرانيين - كل الجهود المبذولة لحل الأزمة النووية التي أثاروها.
وعلى عكس الأحداث التي أدت الى حرب العراق، فإن هذا النهج السياسي يمتاز بجعل التصرف الإيراني، وليس السياسات الأميركية - هي مراكز اهتمام العمل الدبلوماسي، وبما يسمح ويتيح الاتفاق بين دول ضفتي الأطلنطي وليس الخلاف بينهما. فقد التزمت مجموعة دول الترويكا الأوروبية مع الولايات المتحدة الأميركية، بأنه فى حالة ما إذا استمرت إيران فى مواصلة استكمال دورة الوقود النووي، فسيتم اتخاذ إجراءات مشتركة من شأنها أن تجعل طهران تدفع ثمنا باهظا مقابل أفعالها، وللدرجة التي تجعلها غير قادرة على تحمله. ومع الفوز الذي حققه الجمهوريون في مجلس النواب الأميركي يرى الصقور الجمهوريون ان الملف النووي الإيراني لم يُحلّ حتى الآن، لأن النظام الإيراني يرى فائدة استراتيجية في التلويح بالمحادثات، والعمل في ذات الوقت، وبدون توقف، عن توسيع القدرات النووية. لذا فانهم يدعون الى الضغط على إيران بشكل أكثر شدة ومواجهتها، إذا تطلب الأمر، واعتبار أن الحوار معها بشأن ملفها النووي هو مضيعة للوقت، وانها تشكل تهديداً خطراً للمصالح القومية والأمن القومي الأميركي ينبغي التعامل معه بأسرع وقت ممكن.
وهناك مراكز دراسات استراتيجية أميركية ترى انه قد يكون اعضاء الكونغرس الجمهوريون اكثر تقبلاً لفكرة النظر في خيارات عسكرية في حال عدم نجاح العقوبات. وسيتم تعويم فكرة الهجوم على منشآت إيران النووية أكثر فأكثر ضمن برامج التلفزيون والاذاعة والصحف ويلفتون النظر الى ان السياسة تجاه إيران يقودها البيت الابيض، وليس الكونغرس. ومن الصعب تصور ان اوباما سيتأثر بمجموعة مشرعين جدد في الوقت الذي حذر فيه وزير دفاعه ورئيس هيئة الاركان المشتركة وكبار مسؤولي الاستخبارات من عواقب شن هجوم عسكري على إيران. ويلفتون النظر انه قد يكون لنتائج الانتخابات تأثير اكبر في طهران نفسها ويرون ان الرئيس احمدي نجاد ومتشددين آخرين في طهران قد تشجعوا بتصورهم ان اوباما صار الآن رئيساً اضعف.
ومن المرجح ان هذا التصور سيجعل من الاصعب على واشنطن ان ترغم إيران على الكف عن تخصيب اليورانيوم. وهناك في واشنطن من يرى إن العالم كان باستطاعته تقبل إيران نووية، لو أن نظامها "نجح في كسب ثقة العالم"، وأن هذا المعيار كان السبب الحقيقي لسماح الدول الكبرى لكل من الهند وباكستان وإسرائيل بامتلاك القنبلة النووية، داعين في المقابل طهران، إلى الإجابة على سؤال الهوية الذي طرحه عليها وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر، بتخييرها بين أن تكون "دولة أو قضية."
مع كل تلك المعطيات يطرح العديد من المفكريين الاستراتيجيين قضية جدوى تعديل سياسة إيران في الميدانين النووي والدولي. ويقولون أن إيران حاليا لا تترك للولايات المتحدة إي فرص لتجنب الحرب. وإن المسألة ليست فقط في برنامجها النووي السيئ الصيت وطموحاتها النووية بشكل عام. وتكمن القضية أيضا في السياسة التي تمارسها طهران في المنطقة. وأن عماد هذه السياسة موجه بالدرجة الأولى ضد الولايات المتحدة وضد مصالحها في منطقة الشرق الأوسط. ويعتبر الاستخفاف بإمكانيات إيران التي تطمح بدور "الدولة العظمى" إقليميا بمثابة الموت بالنسبة لواشنطن.
ونصل الى الاستنتاج انه من الواضح ان الغرب يفضل الآن تقديم حزمة من الحوافز الاقتصادية لحل أزمة الملف النووي، في حين يرى منظرو العمل العسكري أنه طالما أن إيران لم تعد النظر في برنامجها النووي، فان أسوأ السيناريوهات يمكن ان يصبح واقعاً في أي لحظة مشددين على أن الخيار العسكري سيظل واردا، وأن تكلفته على واشنطن وحلفائها في المنطقة - بصرف النظر عن حجمها - ستكون أسهل بما لا يقاس من قبول تبدلات استراتيجيه يفرضها تحوّل إيران إلى قوة عظمى في المنطقة مع قنبلة نووية فرغم كثرة الدلائل التي تشير إلى استبعاد العمل العسكري ضد إيران، فإن القيام به يبقى أمراً مطروحاً أمام الولايات المتحدة، ربما ليس بوصفه "خياراً" (option) بذاته لحل الأزمة، ولكن كجزء من أي إستراتيجية تتبعها الولايات المتحدة مع طهران، سواء أكان الحل الدبلوماسي أو الاحتواء.