نظرة من الداخل على معسكرات «طالبان» و... سجونها
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
مراسل "الغارديان" كان في موقع للمتمردين تعرض لهجوم أميركي
لندن - إلياس نصرالله
كشفت صحيفة "الغارديان" البريطانية، أمس، في مقال لمراسلها الخاص في أفغانستان غيث عبدالأحد، أنه نجح في الوصول إلى أحد معاقل "طالبان" ونقل لقراء الصحيفة وللعالم نظرة من الداخل على الحياة في قواعد "طالبان" وبين رجالها.
ووفقاً للتقرير، كان المراسل موجوداً برفقة مجموعة من مقاتلي طالبان في مقاطعة باغلان عندما تعرّض الموقع الذي كان موجوداً فيه لهجوم قوي من طائرة مروحية عسكرية أميركية. ونجح المراسل في التقاط بعض الصور خلال الهجوم الذي قتل فيه اثنان من رجال "طالبان" وجرح عدد آخر منهم.
وقال عبدالأحد إنه كان نائماً في غرفة ضيافة تابعة لشخص لم يسمه، لكنه قال عنه إنه من شرق لندن وإنه رجل دين (ملا) ومقاتل في الوقت ذاته. وأضاف أن توقيت الهجوم أثار شكوكاً لدى قيادة "طالبان"، حيث أبلغ بلال، أحد القادة الكبار في مقاطعة باغلان، في شكل مؤدب جميع الذين كانوا في الموقع أنه ينبغي عليهم الرد على بعض الأسئلة، ثم جرت مصادرة أجهزة الهواتف النقالة التي كانت بحوزتهم جميعاً وآلات التصوير والحقائب.
لم يذكر عبدالأحد أي تفاصيل عمن كانوا برفقته في الموقع، لكنه قال إنه في البداية جرى توقيفهم في إحدى المدارس الدينية ضمن مجمع يضم مدرسة حكومية ومسجداً. وشوهدت في ساحة المجمع بقع الدم التي تم نَقلُ المصابين في الهجوم إليها في الصباح. فأدخل المحتجزون إلى صف دراسي ليجدوا أنفسهم وسط مجموعة من الطلبة هم خليط من الأطفال في سن سبع سنين فما فوق والشبان الملتحين الذين حضروا ومعهم بنادقهم. أما المدرس واسمه أمان الله فكان في العقد الرابع من العمر. كانت عينا أمان الله محمرتين نظراً لقضائه الليلة السابقة بطولها مع بقية الشبان في القتال تحت قيادة لال محمد، أحد قادة طالبان. في تلك الليلة أصيب أحد المدرسين الآخرين الذي فقد ابنه أيضاً عينه خلال القتال.
وقال أمان الله لعبدالأحد "درستُ اللغة الإنكليزية لمدة 12 سنة في باكستان، لكني لم استخدمها هنا لمدة طويلة". وأضاف أنه جاء إلى هذه المدرسة قبل ثلاث سنوات نظراً لسمعتها الحسنة. وأوضح أن عدداً قليلاً فقط من المدراس في أفغانستان يعتبر جيداً اليوم، فيما كانت هناك مدارس كثيرة جيدة في عهد حكم طالبان، لكنها أغلقت أو أنها أصبحت تابعة للحكومة. وقال إنه عندما جاء إلى هذه المدرسة لم يكن يرغب بالانضمام إلى طالبان، لكنه وجد أن جميع الطلاب والمعلمين منخرطون في العمل المسلح تحت قيادة لال محمد، فطلبوا منه الانضمام، فلم يتأخر.
في الثامنة صباحاً غادر الطلاب الأصغر سناً الصف لكي يُعِدوا وجبة الإفطار وشوهدوا وهم خارجون ويحملون أوعية طبخ لكي يجمعوا ما يمكن أن يتبرع به الناس لهم من المواد الغذائية. ثم عادوا بعد قليل وأعدوا مأدبة الإفطار المتواضعة فوق بساط قماشي. بعد الإفطار تحدث عبدالأحد إلى عدد من الطلاب وسألهم عن سبب وجودهم في المكان، فأجابوا جميعهم أنهم "جاءوا للمشاركة في الحرب المقدسة".
استمر احتجاز عبدالأحد ومن كانوا معه في تلك الغرفة من المدرسة، وجرى استجوابهم في شكل خفيف بين الفينة والأخرى، وأخبروهم أنه سيتم إطلاق سراحهم عندما سينتهي المجلس العسكري لطالبان من التحقيق في الحادث. في وقت متأخر من بعد ظهر ذلك اليوم حضر إلى المدرسة لال محمد ذاته وأبلغهم أنه سيتم الإفراج عنهم بكل تأكيد. لكنه قال ان المنطقة كانت غير آمنة وخضعت في حينه لنشاط طائرات التجسس من دون طيار. وفي وقت لاحق تم نقل المحتجزين إلى أحد السجون. وقبل أن تتم عملية النقل أعطيت لهم ملابس لكي يستبدلوا بها ملابسهم الخاصة وسمح لهم بأخذ الكتب معهم وعلب سجائر وبعض المسابح. ونقلوا وعيونهم معصوبة، لكنهم شعروا أن السيارة التي أقلتهم كانت تسير في طريق وعرة صعوداً نحو منطقة مرتفعة.
عندما فك الغطاء الذي عُصّبت عيناه به شاهد عبدالأحد أمامه شقاً صخرياً كأنه باب كبير، وسمع صوتاً من الخلف يأمره بالتحرك إلى الأمام، فسار وخلفه رجلان بلباس عسكري واتجه ويداه مقيدتان من الخلف نحو ممر بين الصخور وبدأ في الصعود مشياً على الأقدام ولمدة تسع ساعات متواصلة، إلى أن وصلوا إلى اسطبل في قمة جبل، حيث زج بهم فيه طوال الأيام اللاحقة، ليتبين أن السجن موجود في موقع يطلق عليه ظني غوري يقع بين باغلان وقندوز، وكلف به سجان ذو لحية طويلة وعينين غاضبتين، هو المسؤول عن السجناء والتحقيق معهم وحتى تنفيذ أحكام الإعدام بحقهم في حال صدرت أوامر له بهذا الخصوص.
كان مع السجان حوالي سبعة مساعدين أقاموا جميعهم مع السجناء في الاصطبل ذي الجدران والأرضية القذرة. في الليل جرى تعصيب أعين المحتجزين من جديد ووضعت في أقدامهم قيود حديدية ثقيلة وربطت أيضاً بأقدام السجانين الذين كان من الواضح أنهم من خلفيات فقيرة. في الصباح فكت العصبات عن العيون دون القيود الحديدية واقتيد المحتجزون إلى غرفة مجاورة للاسطبل، حيث سمح لهم بغسل وجوههم. طوال فترة اعتقالهم قدمت لهم يومياً ثلاث وجبات متواضعة جداً. وسمع عبدالأحد من السجان أن عدداً كبيراً من السجناء أقاموا في هذا السجن في الماضي، كان أحدهم سائق شاحنة عمل على نقل البضائع لقوات الحلف الأطلسي من الحدود الشمالية لأفغانستان إلى كابل. وتم اعتقاله بعد أن نصب كمين له، فأحرقت الشاحنة وتم توقيفه لمدة عشرة أيام وأفرج عنه بعد دفعه لفدية مالية كبيرة. سجين آخر مر بهذا السجن كان ضابطاً في الجيش الوطني الأفغاني، لكنه قد أفرج عنه بعد تدخل وجهاء قبيلته الذين وعدوا بأنه لن يعود مجدداً إلى الخدمة العسكرية.
لكن الإفراج ليس دائماً من نصيب جميع السجناء، إذ روى السجان أنه في العادة لا يعتدي بالضرب على السجناء، إلا إذا طلب منه أن يقوم بالتحقيق معهم، وأضاف "اننا نضربهم لكي يُبلغونا بالحقيقة". وقال انه قبل القبض على سائق الشاحنة تم القبض على جاسوس مكث في السجن حوالي شهرين، أخضع خلالهما في شكل يومي تقريباً للضرب إلى أن اعترف. وفي نهاية قال السجان "تم إعدامه. فقد علقته بنفسي". وأشار عبدالأحد إلى أن الشنق أصبح العقوبة المفضلة لدى طالبان بعد أن أمر الملا عمر، زعيم حركة طالبان، بوقف استخدام قطع الرؤوس على اعتبار أنه أسلوب غير إنساني ويجلب سمعة سيئة للحركة في وسائل الإعلام.
وروى السجان للمحتجزين أنه نفسه دخل السجن قبل ذلك بعامين وذلك بعد إلقاء القبض عليه أثناء زيارة له إلى باكستان، حيث كان في زيارة لبعض قادة حركة طالبان، ومكث في السجن لمدة ثلاثة أشهر تعرض خلالها للتعذيب. وذكر أن أخاه ما زال مسجوناً في باكستان.
دام اعتقال عبدالأحد وبقية المحتجزين في هذ السجن مدة خمسة أيام، إلى أن تم استيضاح الأمر من جانب قيادة طالبان في كيتا والتعرف على هوية المحتجزين. فأعيد المحتجزون بنفس الطريقة إلى المدرسة التي احتجزوا فيها في اليوم الأول، ليجدوا أن القائد لال محمد كان بانتظارهم ومعه رهط كبير من المقاتلين والأنصار، حيث قدِّم لهم اعتذاراً رسمياً وأعيدت لهم أغراضهم الشخصية. وقبل أن يغادروا الموقع قام لال محمد بتوزيع مبالغ مالية على المحتجزين فأعطى لكل واحد مئة دولار، تعويضاً عمّا لحق بهم. لكن المحتجزين رفضوا قبول الدولارات التي قدمت لهم.
وروى عبدالأحد أن سلطة الحكومة المركزية محدودة جداً في باغلان مثلما هو الحال في أنحاء أفغانستان الأخرى. فطالبان تنتهج أسلوباً مجرباً بمهاجمة نقاط الشرطة والحواجز على الطرق وعلى المباني الحكومية ويدفعون موظفي الحكومة إلى الهرب. وتستخدم طالبان وسائل كزرع الألغام والعمليات الانتحارية، فيما يجري السطو على الشاحنات التي تنقل الإمدادات للحكومة ولقوات حلف الأطلسي وتخطفها وتحرقها. هذا بالإضافة إلى أن طالبان تفرض الشريعة الإسلامية على المواطنين وتجبي منهم الضرائب.
ونقل عبدالأحد عن رجل مسن في ظني غوري أن "الأمن يقع تحت سيطرة طالبان في المنطقة. فمحاكم طالبان لا تعرف الرشوة وليست فاسدة. حتى مسؤولو الحكومة يأتون أنفسهم إلى طلبان لتحل لهم مشاكلهم. فالمشاكل التي يستغرق حلها سنوات في محاكم الحكومة تحل خلال أيام في محاكم طالبان".