لمبارك لا لمصر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
فهمي هويدي
أوافق على انتقاد السياسة الأمريكية الذي تحفل به وسائل الإعلام المصرية هذه الأيام وعندي منه المزيد لمن يريد. وإذ أتمنى لذلك الموقف الثبات والاستمرار، فإنني أتساءل: هل هذا النقد غضب لنظام الرئيس مبارك، أم غيرة على سيادة مصر وكرامتها؟
قد لا يستسيغ البعض السؤال لأن خطابنا السياسي والإعلامي اختزل مصر في شخص الرئيس ونظامه، بحيث اعتبر كل نقد لأي منهما نقدا لمصر وهجوما عليها باعتبارها ــ كما تقول بعض اللافتات ــ مصر مبارك. ونحن لا ننفرد بذلك في حقيقة الأمر. لأن تلك آفة أكثر الدول غير الديمقراطية. علما بأن الاختزال في بعض الدول المحيطة بنا وصل إلى حد تسمية الدولة باسم العائلة. واعتبارها وقفا خاصا على أفرادها يتوارثونه إلى الأبد.
لا أجادل في ضرورة احترام شخص رئيس الدولة خصوصا إذا كان منتخبا من شعبها، لكنني لا أرى في نقد سياسته التي تتبناها حكومته إهانة له أو إهانة لبلده. وطوال عمرنا ونحن نلعن الاستعمار البريطاني والفرنسي ومن بعدهما الأمريكي، لكن أحدا من "الملعونين" لم يدع علينا بأن الإهانة لحقت أيا من الدول الثلاث أو شعوبها. صحيح أن الصحف في بعض الديمقراطيات الغربية لا تتردد في تجريح سياسات الرؤساء (إحدى الصحف البريطانية وصفت توني بلير أثناء غزو العراق بأنه "كلب بوش"، ورأيت صورة كاريكاتورية رسم فيها بوش وهو يجره وراءه من حبل حول رقبته) إلا أننا لا نستطيع أن نجاريها في ذلك. ولا نطمح في أكثر من احتمال نقد السياسات بأدب واحتشام، مع فك الارتباط بين سياسات النظم وكرامة الدولة والمجتمع، وإباحة الأولى وكراهة الثانية إن لم يكن تحريمها.
الهجوم الشديد في الإعلام المصري على الولايات المتحدة كان صدى لأمرين، أولهما وأخفهما صدور تقرير الحريات الدينية الذي صدر في واشنطون وانتقد موقف الحكومة المصرية إزاء الإخوان المسلمين والأقباط. وثانيهما وأهمهما مطالبة فريق "العمل الأمريكي لأجل مصر" بإشراف دولي على الانتخابات التشريعية الراهنة لضمان نزاهتها. وهاتان الرسالتان اعتبرتا تدخلا في الشأن المصري ومساسا بالسيادة وقد رفضا رسميا وشعبيا، وكانت وسائل الإعلام المختلفة هي المنصة التي أطلقت قذائف النقد للسياسة الأمريكية والتشهير بها. وفي ذلك تنافس رؤساء تحرير الصحف القومية الذين يجيدون مثل هذا النوع من السجال والتراشق، وفي ذلك فإنهم ومن لف لفهم لم يكفوا عن غمز الولايات المتحدة والتنديد بخيباتها وفشل سياساتها في الشرق الأوسط وفي العراق وأفغانستان. حتى إن رئيس تحرير الأهرام انفعل بالدور وكتب مقالة عيَّر فيها الأمريكيين بما صادفوه من عجز وفشل حيثما ذهبوا. الأهم من ذلك أن المقالة كانت تحت عنوان "الشيطان يعظ"، الذي اقترب فيه صاحبنا من الهتاف الإيراني الذي دأب على وصف الولايات المتحدة بالشيطان الأكبر.
رغم أن ذلك الموقف النقدي الصريح "للحليف الاستراتيجي" يبدو أمرا إيجابيا، إلا أن المرء لا يستطيع أن يمنع نفسه من طرح السؤال التالي: لماذا تذكر هؤلاء موضوع "السيادة" حين جرى التشكيك في موقف النظام من نزاهة الانتخابات ومن الأقباط والإخوان، في حين تجاهلوا مسألة السيادة وسكتوا عليها في مواقف أخرى كانت جديرة بالغضب والغيرة؟ ــ لا تزال حاضرة في الذاكرة حادثة تفتيش الضباط الإسرائيليين قبل أيام لزميلتنا الصحافية الفلسطينية صابرين دياب على الأرض المصرية، قبل أن تركب الطائرة الإسرائيلية التي ستعيدها إلى موطنها وسط عرب 48. وهو ما مثل اعتداء صارخا على السيادة المصرية تجاهله الإعلام الرسمي، وليست غائبة على الأذهان واقعة اتفاق الأمريكيين والإسرائيليين (كونداليزا رايس وتسيبي ليفني) على إقامة السور العازل فوق الأراضي المصرية (يناير 2009)، التي فاجأت القاهرة في حينها ثم سكتت عليها. ولا تحصى المرات التي اعتدت فيها الطائرات الإسرائيلية على السيادة المصرية بقصفها للشريط الحدودي لسيناء بدعوى هدم الأنفاق ووقف التهريب إلى غزة. والقصص الأخرى المماثلة كثيرة، وهى تشير إلى أن انتفاضة الأبواق الإعلامية دفاعا عن السيادة تمت حين جرى التشكيك في نزاهة النظام واتهامه بتزوير الانتخابات، في حين جرى غض الطرف عن السيادة حين تعلق الأمر بكرامة الوطن وأمنه. وهو تحليل إذا صح فإنه يدعونا إلى القول بأن ما عبرت عنه الأبواق الإعلامية المصرية في انتقادها للولايات المتحدة لم يكن غضبا لمصر ولكنه كان غضبا لنظام الرئيس مبارك. ولست ضد ذلك الغضب الأخير، لكنى أذكر فقط بأن مصر الوطن تستحق بدورها أن تأخذ نصيبها من الغيرة والغضب.
التعليقات
محاكمتهم
salah -ربما يجب إحترامهم كما قلت ولكن يبقى لنا خيار محاكمتهم على ما صابوا بلدنا فالقانون فى القرن ألواحد وألعشرين فوق الكل.
دوام الحال من المحال
هوشنك احسان -يا استاذ فهمي!السياسة ليست فيهاتمنيات واحلام ولا احساس ولا حتى مشاعر الانسانية.انما المصالح والانانية والكذب والخداع اربعة اركان اساسية تؤسس و تبنى عليها السياسة.لناخذ حضرتك مثالا حيا على صدق كلامي حيث في بداية التسعينات قرأت بعض مقالاتك وانت تدافع فيها عن حقوق شعب الكوردي،و انابنفسي شكرتك آنذاك على موقفك الشجاع و ارسلت رسالة لتلك الجريدة امدحك و اشكرك و مدحتها لنشرها هكذا مقالات.كنا نتمنى ان تستمر حضرتك في دفاعك عنا و عن مظلوميتنا و ان تبقى في صفوف المظلوميين لكن هيهات ان تستمر المواقف الجميلةوالانسانية و المشاعر الطيبة على حالها.فحضرتك بدلت مواقفك بسرعة البرق وبدرجة180درجة و تنقلت من خندقك و اصبحت من المدافعين عن المستبديين الطغاةو كان موقفك هذا مفاجئاو محيرا.اكيد نفس الاسباب و نفس العوامل التي اثر عليك و جعلك ان تكتب بأشكال مختلفة و ان تمارس السياسة بوجهين ستكون لهذه الاسباب و العوامل كلمة الفصل على مواقف الاعلام المصري و هكذا لا تتمنى الثبات في المواقف فدوام الحال من المحال.