"فيتو" أمريكي يحبط "الكونفدرالية السودانية"
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
الخرطوم - عماد حسن
ينضم مصطلح ldquo;الكونفدراليةrdquo;، كمقترح ثان من مصر حلاً للأزمة المستفحلة بين شمال السودان وجنوبه، إلى منظومة الحلول الاقليمية والدولية التي تسارعت مع اقتراب موعد الاستفتاء على مصير الجنوب ومنطقة ابيي بعد شهر ونيف من الآن . وكانت مصر اقترحت تأجيل الاستفتاء كمخرج للأزمة بين شريكي الحكم المؤتمر الوطني (الشمال) والحركة الشعبية (الجنوب) .
ومصطلح الكونفدالية قديم قدم النزاع بين الشمال والجنوب، صال وجال كثيراً في أجندة السياسة السودانية، قبل أن يحتل مكانته في اضابير اتفاقية نيفاشا للسلام، لكنه لم يخرج للعلن إلا خجولاً في بعض المرات، وداوياً خلال خلافات الشريكين حول الاستفتاء ومنطقة ابيي، لكنه عاد أدراجه بعد الرفض القاطع للشريكين حتى لمجرد مناقشته .
مؤخراً تبنت مصر اشهار ldquo;الكونفدراليةrdquo; كمقترح لحل ازمة السودان وحملته إلى واشنطن، قبيل اجتماع مع وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون ونظيرها المصري أحمد أبو الغيط، بحث خلاله الوضع في السودان . وقال متحدث باسم الخارجية الأمريكية إن واشنطن ترفض الاقتراح المصري بتأسيس نظام كونفدرالي بين شمال السودان وجنوبه . ويأتي الموقف الأمريكي مفاجئاً، حيث كان كثيرون يعتقدون أن كل المقترحات المصرية الخاصة بأزمات السودان تحظى بتنسيق مسبق مع الادارة الأمريكية، ويقول فيليب كراولي، ldquo;إن اتفاقية السلام بين الشمال والجنوب تنص على أن من حق شعب جنوب السودان تقرير مستقبله . ونحن ننتظر لنرى ماذا سيقول الجنوبيون يوم 9 يناير/كانون الثاني في الاستفتاء، سنحترم ما سيقولونrdquo; .
ويشير مراقبون إلى أن واشنطن لا ترفض الاقتراح المصري كما يعتقد من حديث كراولي، لكنها ترى أن الوقت غير مناسب للاقتراح، خاصة أن واشنطن تجحظ بأعينها إلى اجراء الاستفتاء من دون الدخول في أي ملفات أخرى قبل ذلك . ويرى المراقبون أن أهم أمر بالنسبة لواشنطن في الوقت القليل المتبقي للاستفتاء هو أن يجري في موعده، ليقرر الجنوبيون ما إذا كانوا يريدون الانفصال أم الوحدة . وترى واشنطن أن الجنوبيين إذا قرروا الانفصال، فإنهم يقدرون على التفاوض مع الشمال حول العلاقات بينهم، وهذا يمكن أن يشمل الكونفدرالية، أو أي نوع آخر من العلاقات .
وقد عبّرت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون عن هذا الموقف في وقت لاحق بعد اجتماعها مع وزير الخارجية المصري أحمد ابو الغيط قائلة جملتها الشهيرة ldquo;اما أن يبقيا متزوجين ويتحسن حالهما أو يحصلا على الطلاق، وفي هذه الحالة يجب أن يكون طلاقاً سلمياً ومدنياًrdquo; .
وفي السياق، رفضت قيادات في الحكومة والمعارضة والحركة المقترح المصري، واجمعت على أنه إما وحدة أو انفصال، ولا مجال لخيار ثالث . وينفي مسؤول في وفد الحكومة إلى مباحثات النمسا مناقشة المقترح المصري في الاجتماعات بين الشريكين هناك، مؤكداً أن النمسا استضافت مؤتمراً للحوار والتفاكر حول التحديات التي تواجه استفتاء جنوب السودان واستفتاء منطقة أبيي الغنية بالنفط، ويؤكد المسؤول بشكل قاطع ان المقترح أصلاً لا يحظى بترحيب بين الشريكين، ويقول ldquo;من الأشياء المتقف عليها، وهي نادرة بين الشريكين رفض الكونفدراليةrdquo; .
خريطة الطريق الأمريكية
ويستغرب المراقبون الطرح المصري لمقترح الكونفدرالية، بعيداً عن أي تنسيق للمواقف قبل اشهاره للعلن من منبر واشنطن . ويشيرون إلى البند الثالث في خريطة الطريق الأمريكية الذي يقول ldquo;تتوصل حكومة السودان وحكومة جنوب السودان لاتفاقية حول ترتيبات ما بعد الاستفتاء لتشمل الموارد الطبيعية والقضايا الاقتصادية تشمل ترتيبات ما بعد الاستفتاء عائدات النفط والمواطنة والأمن والمعاهدات الدولية والقضايا القانونية الأخرى ويتوصلان إلى اتفاقية حول عملية محدودة الأجل لإنهاء ترسيم حدود المناطق المتنازع عليها على طول الحدود الشمالية الجنوبية وترسيم الحدrdquo; .
ويضيف المراقبون أن الصياغة الأمثل لمقترح الكونفدرالية كان يمكن ضمها إلى هذا البند ولو من باب الاحتمالات، لكن الادارة الأمريكية لم تلمح حتى إلى ذلك . بل ذهبت مباشرة إلى البند الرابع الذي يقول ldquo;إذا صوت جنوب السودان للاستقلال فإن القضايا الموضحة أعلاه تحسم بحلول يوليو/تموز 2011 لتساعد على إقرار استقلال سلمي ومكتمل لجنوب السودانrdquo; . بل أضافت إلى ذلك بنداً يقول ldquo;تعمل حكومة السودان على حماية الحقوق وتضمن أمن الجنوبيين الذين يعيشون في الشمالrdquo; .
وعلى الرغم من أن قضية ldquo;المواطنة والجنسيةrdquo; بين الشمال والجنوب تعتبر من أكثر القضايا الخلافية تعقيداً في ملفات ترتيبات ما بعد الاستفتاء، إلا أن مقترح الكونفدارلية لم يحظ بأي بند أو حتى إشارة في خارطة الطريق التي سلمتها واشنطن للخرطوم وجوبا عبر المسؤول الأمريكي جون كيري، وحوت الخارطة جملة شروط متعلقة بإحراز تقدم بشأن قضية دارفور والجنوب؛ لاجراء تطبيع كامل ورفع العقوبات الاقتصادية عن السودان، وأكدت أن أمام السودان خيارين فقط، إما طريق السلام أو المواجهة .
وحددت الوثيقة يوليو/تموز المقبل موعداً لرفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للارهاب في حال التزام الحكومة المركزية بإجراء استفتاء سلمي للجنوب وابيي وابداء تعهدات بإيجاد الحل السلمي لدافور . وحملت الوثيقة سبعة شروط لاجراء تطبيع جزئي للعلاقات الامريكية مع السودان، واشترطت حل قضية دارفور للوصول للتطبيع الكامل، وهو ما رفضته الخرطوم جملة وتفصيلاً .
وفيما يبدو من الوهلة الأولى أن ldquo;خارطة الطريقrdquo; الأمريكية للسودان تحمل كل جينات وملامح الكونفدرالية إلا أن المصطلح انزوى بسرعة، رغم المسوغات التي ساقها وزير الخارجة المصري أحمد أبو الغيط، وتأكيده على أن المقترح لا يعارض إجراء الاستفتاء في موعده، بل هو طريق للتفكير في خيار ثالث، يحقق الاستقرار في حال اختار الجنوبيون الانفصال .
وفي خضم الجدل حول الكونفيدرالية طرح رئيس اللجنة العليا للاتحاد الإفريقي ثامبو أمبيكي على المؤتمر الوطني والحركة الشعبية وثيقة تحمل شكل العلاقة بين الشمال والجنوب في فترة ما بعد الاستفتاء . ورغم تأكيدات مصادر أن الوثيقة تحوي مقترحات للقضايا الأربع على رأسها المواطنة وقسمة الموارد والديون والنفط، والعلاقة بين الشمال والجنوب بعد الاستفتاء إلا أنها لم تشر لا من قريب أو بعيد إلى الكونفدراليةrdquo;.
استفتاء أبيي
ومع اقرار الولايات المتحدة للمرة الأولى، بتعذّر إجراء استفتاء منطقة أبيي في التاسع من يناير/كانون الثاني المقبل، واقترحت على الشمال والجنوب إيجاد ldquo;بديلrdquo; . إلا أن الكونفدالية لم تظهر أيضاً في حديث فيليب كراولي المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، وهو يدعو الشريكين لتحمل المسؤولية وعدم تنظيم استفتاء أبيي إلاّ إذا توصّلا إلى بديل يناسب الطرفين، مضيفاً أن ldquo;تنظيم استفتاء في أبيي في الموعد المحدد لا يزال ممكناً نظرياً، ولكنه يزداد صعوبة وتعتريه مشاكلrdquo; . وللمرة الأولى أيضاً تلمح الحركة الشعبية بإمكانية إرجاء استفتاء منطقة أبيي وعدم تنظيمه بشكل متزامن مع استفتاء جنوب السودان في حالة عدم حسم خلافات الطرفين بحلول شهر ديسمبر/كانون الأول المقبل . وجاء الموقف الجديد للحركة على لسان أمينها العام ووزير السلام بحكومة جنوب السودان باقان أموم في تصريح لراديو ldquo;مرايا إف إمrdquo; والذي أعلن في ذات الوقت رفضهم لمقترح سابق يفضي لتقسيم منطقة أبيي لجزأين شمالي وجنوبي يؤول الأول للشمال والثاني لحكومة الجنوب والاستعاضة عن الاستفتاء في تلك الحالة بصدور قرار رئاسي .
الفدرالية
وفي مقابل الكونفدرالية، يقول مراقب إن جل مشاكل السودان اقتصادية وسياسية ودينية، لا يمكن حلها إلا بتطبيق النظام الفيدرالي بحيث تكون كل الولايات في وضعها الحقوقي مستقلة استقلالاً كاملاً وذاتياً على أساس اللامركزية إذ تسهم هذه الولايات في تأليف الإدارة القومية المشتركة في السلطة الاتحادية المركزية وتمتاز بدستور وتتمتع بالشخصية الحقوقية وبالسلطة العامة . وأن تتم الرابطة بين الولايات التي تؤلف اتحاداً فدرالياً بواسطة دستور اتحادي، على أن تمثل السيادة الخارجية حكومة الاتحاد المركزية ويبقى لكل ولاية اتحادية الحق في ممارسة السيادة الداخلية المطلقة، وذلك في كل النظم السياسية والإدارية والاقتصادية ويتم انتخاب النواب والحكام والوزراء من غير وصاية أو تدخل أو تعديل من حكومة الاتحاد المركزية . ويضيف المراقب أن طبيعة كل ولاية تعطيها الحق في وضع دستور وقوانين محلية تتناسب مع مجتمع الولاية .
ويقترح المراقب مجلسين الأول يمثل الولايات بممثلين دائمين في المركز وبصورة متساوية، لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات إزاء الاتحاد، والمجلس الثاني نيابي ويمثل الشعب عامة فيكون تمثيل جميع الولايات السودانية المتحدة فدرالياً، أو كونفدرالياً فيه .
ويعزز المراقب أفضلية الفيدرالية بقوله إن تكون السلطة القضائية الاتحادية تتجلّى بمحكمة عليا، ذات اختصاص شمولي وداخلي ودستوري كي تفصل في النزاعات التي تنشأ بين الولايات أو بين الولايات وحكومة المركز، ويكون لها الحق المطلق والدستوري في استدعاء الرئيس أو الوزراء أو النواب في حال وجود مظالم خاصة أو عامة أو فساد إداري أو مالي بالنسبة للرئيس والحكام والوزراء وكل من يشغل منصباً حساساً أو رفيعاً في القطاعين المدني والعسكري وما يشمل التلاعب بالمال العام وضياع الحقوق بالرشى واستغلال المنصب، مع رفع كامل الحصانة حتى يكون الحق له أو عليه . إلا أن آخرين يراهنون على الكونفدرالية كحل آجل، لا مكان له آنياً في الأزمة السودانية لكنه يبقى حلاً مستقبلياً، مستصحبين في رهانهم ما ستؤول إليه الأمور عقب الاستفتاء، فهناك من يتوقع عودة شطري السودان إلى الالتحام من جديد ولو بعد سنوات، ومثله من يتوقع هجرة جماعية للجنوبيين إلى الشمال مرة أخرى كلاجئين نتيجة النزاعات القبلية المتوقعة هناك، وقلة ترى امكانية استعادة الجنوب في أي وقت لاحق، وهي كلها احتمالات تخضع لقانون الاحتمالات المفتوحة كما يعلق أحد المراقبين، خاصة ان السودان بابعاده السياسية والدينية والعرقية والاجتماعية يظل مفتوحاً دوماً على كل الاحتمالات، ويترقبون سوداناً كولايات متحدة أو فيدرالية أو كونفدرالية، طالما كانت هناك قنابل موقوتة عرقياً وسياسياً في الشرق والغرب .