عنصرية «خليجي 20»!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
سليمان الهتلان
في السنوات الأخيرة، صارت البطولات العربية لكرة القدم مناسبات "عربية" صاخبة مليئة بخطاب العنصرية البغيض والصفاقة والسفاهة وأضف ما شئت... وفي مدن خليجية، تضع الناس أيديها على قلوبها خوفاً من فوز فريقها الرياضي فتغرق مدينتهم في الفوضى والصخب والزحام و"قلة الأدب"! والذين ظنوا أن كرة القدم لا تثير هذه النعرات العنصرية إلا في مباريات منتخبي الجزائر ومصر، عليهم اليوم أن يتأملوا في "الخطاب الرياضي" الخليجي ليعرفوا أن "المرض" عام والظاهرة شاملة.
وليست هذه العاهات في خطابنا الرياضي إلا نتاجاً يسيراً لخطاباتنا الأخرى التي ترتكز - في كثير من جوانبها - على نبذ الآخر ونظرة فوقية لفئة على أخرى وعنصرية مُبيّتة تختفي خلف الابتسامات الكاذبة والمجاملات الوقتية.
انظر للسخرية "العنصرية" في رسائل الجوال والبلاكبيري وتعليقات بعض المواقع الإلكترونية ضد اليمن وأهله منذ انطلقت دورة "خليجي 20" في عدن قبل أيام. وما تلك سوى إفرازات لمواقف "عنصرية" متجذرة قد لا يدركها صاحبها إلا بعد فوات الأوان. وتلك المواقف ليست بالجديدة: إذ ومن قبل "خليجي 20" كان البعض منا - في الخليج - يتندر على لهجة أهلنا في اليمن ولباسهم وفقرهم ومعاناتهم.
يتناسى أهل هذا الخطاب العنصري ضد اليمن أننا في الخليج لولا النفط لكنا - مثلما كنا قبل النفط - لا نختلف - في أحوالنا - عن أهلنا الكرام في اليمن بل لربما ظل اليمن هو "المنارة" التي نحلم بالوصول إليها. لكن من يمارس العنصرية ضد جاره سيمارس العنصرية، وإن بأشكال مختلفة، ضد أهل بيته. فمن تلبسته هذه "البغيضة" لا بد أن يعبر عنها حتى لو ضد نفسه. وهكذا ثارت ثائرة بعض الإعلاميين في السعودية بعد أن وصف "إعلامي" كويتي أحمق فريقهم بـ "بقايا الحجاج". وتناسى الغاضبون أن هذه "المسبة" هي من نتاج سعودي خالص ضد أهل مكة وكثير من أهلنا في الحجاز. وكيف لنا أن نرفض مثل هذه "الإهانة" ضد منتخب السعودية ولا نرفض تلك "العنصرية" البغيضة ضد شعب كامل في اليمن هو الجار والعمق والتاريخ؟
المؤسف أننا، وعلى الرغم من كل هذا الإنفاق الهائل على مشروعات التعليم والبنى التحتية، لم ننفق القليل على تربية أجيالنا لتجاوز كل أشكال العنصرية والنظرة الدونية للآخر. انظر حولك وسترى من "الثنائيات" ذات الرائحة العنصرية الكثير من مثل: قبيلي وغير قبيلي. بدوي وحضري. عربي وعجمي. وأبناء القبائل في بعض مناطق الخليج يشار إليهم بخط "220" فيما غيرهم - ممن لا ينتمي لقبيلة - يبقى خط "110". ومن غير نقاش فإن كهرباء ذات الخط "220" هي الأقوى والأنقى والأبقى!
في أولى سنوات الجامعة في الرياض، وكنت للتو أغادر قريتي الجنوبية بكل نقاء وبراءة، سمعت للمرة الأولى زميل يعيرني - مازحاً - ويقول: "تعال يا صفر سبعة". سألته عن معنى "صفر سبعة" فظن أنني أمثل عليه. أقسمت له أنني لا أعرف معناها. شرح لي أن أهله وجماعته، من أهل السلطة، ينادون أهل الجنوب بـ "صفر سبعة" نسبة لمفتاح الخط الهاتفي لمناطق الجنوب. أذكر أني قلت له ساخراً: كيف تعيرني بما ليس عندي. كيف أكون "صفر سبعة" وقريتنا مثل آلاف القرى المجاورة لا هاتف فيها ولا كهرباء. قلت له: أدخِلوا الهاتف لبيتي أولاً ثم عيروني: يا صفر سبعة!
تمر السنون وإذا بموجة الجوالات تعمّ فتلغي الفوارق "الطبقية" الهاتفية بين أهل "صفر واحد" وما بعدها من "صفر 2" إلى "صفر 7"! تخيل لو أن وزير المياه يزور قرية لم تصلها مياه التحلية ثم ينظر لصديقه من أهل تلك القرية ويناديه ساخراً: يا ابن القرية التي لم تصلها المياه! هكذا نحن نصنع مع أهلنا في اليمن: ألسنا نعيرهم بالفقر والتأخر وقلة الحيلة؟
ألا نستحي على حالنا - نحن أهل النفط - كيف تركنا أهلنا في اليمن غارقين في الفقر والبطالة والحروب؟
ألم نُعِد لليمن ملايين اليمنيين من العاملين في الحقول والمصانع والأسواق الخليجية لذنب سياسي ليس لهم فيه ناقة ولا جمل؟ واليوم نشتمهم لأنهم فقراء أو لأنهم لم يبهرونا في افتتاح "خليجي 20" بإضاءات الليزر والألعاب النارية وإعلانات الملاعب؟ وإني على ثقة لولا وجود أعداد مهمة من "العقلاء" في دوائرنا الإعلامية - على مستوى المنطقة كلها - لكنا شهدنا من المواقف العنصرية السخيفة في "خليجي20" ما قد يفوق "داحس والغبراء" الأخيرة بين الجزائر ومصر!
أن تحترم الناس من حولك، أفراداً وشعوباً، بغض النظر عن أحوالهم المادية أو انتماءاتهم العائلية والقبلية، هو في الأصل مسألة إنسانية وحضارية. وإن لم نعد برامج تعليمية وإعلامية جادة وصارمة لتثقيف وتعليم أطفالنا مفاهيم حضارية في احترام الناس في مجتمعنا ومجتمعات الجوار فإننا سنضرّ بهم وبمستقبلهم. فكيف نتمكن من إعداد أجيالنا القادمة للتعامل الواثق - والمحترم - مع الآخر ونحن لم نعلمهم احترام الناس في بلدانهم ممن يتحدث اللغة نفسها وينتمي لثقافة وتاريخ مشتَرَكين؟
وكيف ننتظر من الآخر - البعيد - أن يحترمنا ونحن لا نحترم بعضنا البعض ونعيش النظرة الفوقية المتعالية بعضنا ضد بعض؟
التعليقات
صحيح 100%
ابو فيصل -لاحياة لمن تنادي استغرب من جيل متعلم يطلق الفاظ عجيبة (اجنبي _ زيدي _ ابو يمن ) والرسول يقول لافرق بين عربي واعجمي وللاسف كثير من يفرق والمشكلة الاكبر اننا مسلمين وديننا لايفرق ابدا وتعال شوف التعليقات عشان تصدق .
كلام في محله
ابو عبدالرب -شكرا; شكرا; شكرا; على الطرح الموضوعي والبنأ وياليت الكثير يعرف أن الفقر ليس عيبا ولو الفقر رجل لحكموا عليه بالموت قبل يولد والتجاره العربيه كانت تاتي من اليمن والشام قبل الرفاهيه التقدميه وال..... التي نعيشها اليوم
كلام في محله
ابو عبدالرب -شكرا; شكرا; شكرا; على الطرح الموضوعي والبنأ وياليت الكثير يعرف أن الفقر ليس عيبا ولو الفقر رجل لحكموا عليه بالموت قبل يولد والتجاره العربيه كانت تاتي من اليمن والشام قبل الرفاهيه التقدميه وال..... التي نعيشها اليوم
أصبت كبد الحقيقة
عبدالرحمن -ماشاء الله تبارك الله عليك، لقد أصبت كبد الحقيقة، وسطرت قلمك الرائع، بما يجول في خاطر كثير من الناس. حيث أني شخض أكره العنصرية كرهاً شديداً، وأكره الاحتقار والانتقاص من الناس والشعوب. فعلاً عندما قرأت فإني أشعر بأنني أنا من كتب هذا المقال، وفعلاً لاأدري مالذي سوف يجنيه البعض من هذه العنصرية أو من هذا الانتقاص من شعب صنع الكثير للتاريخ، ومازال يصنع، خرج الكثير من العلماء في مجالات عدة والأدباءوالفن أيضاً، حيث أن الفن في الخليج أساسه من اليمن وبالتحديد من حضرموت. يمكن القول بأن اليمن بلد فقير واقتصاده ضعيف وهذه حقائق ولا ننكرها بل على العكس نحتاج إلى مناقشة هذه وايجاد الحلول المناسبة لذلك، ولكن ليس كما يفعله الكثيرين الان من قراءة الأمور بشكل سلبي تجاه اليمن وشعبه الكرام. وشكرا
شكرا جزيلا
خالد -لا فض فوك ولا عاش حاسدوكحقيقة هذا واحد من اروع الكتابات التي قراتها عن خليجي عشرينما اروع ان تقرأ لكاتب محترمشكرا لكل الاقلام المنصفة والرزينة والعروبية
شكرا جزيلا
خالد -لا فض فوك ولا عاش حاسدوكحقيقة هذا واحد من اروع الكتابات التي قراتها عن خليجي عشرينما اروع ان تقرأ لكاتب محترمشكرا لكل الاقلام المنصفة والرزينة والعروبية
الشكر الجزيل
علي المسبحي -كم اثلج صدري كلامك رغم ما سمعته عن بلدي اليمن هنا بالرياض ودول الخليج. وعنصرية لماذا البطولة باليمن لانها ليست خليجية. اشكرك من كل قلبي لانها المرة الوحيدة التي اسمع بها بكلام يثلج صدري منذ بداية البطولة. نعم عرض الافتتاح بسيط ولكن هذا مانقدر عليه ولا يكلف الله نفسا الا وسعها .مصر تستضيف بطولات بدون عروض وبدون خسائر ولا احد يهاجمها مثلما عمل الخليجين باليمن من مهاجمة وشتم وتناسوا ان اليما صل العرب لولا انفجار سد اليمن لكانت كل الجزيرة اليمن
كلام من ذهب
نواف -عزيزى الكاتب لقد اصب كبد الحقيقةولكن السؤال ماالذى يغذى تلك العنصرية فى متمعاتنا؟؟؟؟؟.
كلام من ذهب
نواف -عزيزى الكاتب لقد اصب كبد الحقيقةولكن السؤال ماالذى يغذى تلك العنصرية فى متمعاتنا؟؟؟؟؟.