رحلة القاعدة من القتل البشري إلى النزيف الاقتصادي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
احمد المرشد
ماذا تفعل لو اكتشفت فجأة ان ابنك او حتى ابنتك لهما صلة بالقاعدة، سواء بالانتماء الكامل او مجرد المؤازرة عن بعد مثل التبرع بالأموال او تقديم المساعدة والمعلومات عن جهة ما تضعها القاعدة كهدف لها تسعى الى تدميره .. لقد فوجئ الكثيرون بهذا ولن تنتهي المفاجآت، فعائلة مثل عائلة الأردني علاء إبراهيم احمد انهارت بعد علمه بمقتل ابنها في العراق، بعدما كانت تعتقد حتى وقت قريب بأنه غادر الى سوريا في نهاية نيسان "إبريل" الماضي للتحضير لزفافه. ولكن العائلة علمت بمصير ابنها بعدما أعلنت "القاعدة" مقتله في العراق مع ثلاثة أردنيين آخرين الخميس قبل الماضي ، وهو الذي كان يعمل موظفا في أحد المكاتب السياحية، وتؤكد عائلته أنها لم تعرف انتماءه إلى تنظيم "القاعدة" ، حتى أنه لم يترك اثرا وراءه يدل على طبيعة انتمائه.
ويبدو ان التنظيم ومع توالي الضربات الأمنية خاصة التى شنها الأمن السعودي ضد خلاياه ، بدأ يشعر بدنو اجله خاصة مع تراجع التمويل بعدما شددت البنوك العالمية فى تدفق الأموال اليه .. فمثلا توعد تنظيم "قاعدة الجهاد فى جزيرة العرب" ، بشن "حرب استنزاف" ضد الولايات المتحدة، تشمل مواصلة الهجمات الصغيرة ضد الأهداف الأمريكية، لإحداث نزيف قاتل لها، بهدف تركيعها، حسبما ذكر التنظيم فى إطار شرح مفصل قدمه لعملية "الطرود المفخخة"، التى تم اكتشافها فى دبى وبريطانيا الشهر الماضى. فالتنظيم ينوي شن عمليات نزيف صغيرة بتكلفة قليلة " 4200 دولار فقط" فى إطار إستراتيجية لإحداث ألف جرح " معنوي " ، حيث سيقوم التنظيم بشن المزيد من الهجمات الأصغر ضد الأهداف الأمريكية .
فالقاعدة أدركت انها ليست فى حاجة إلى شن هجمات كبيرة لإسقاط أمريكا، ففي مثل هذه البيئة من الفوبيا الأمنية التى تجتاح الولايات المتحدة والعالم ، فإن الهدف هو ترك العدو ينزف حتى تزهق روحه. والقاعدة أدركت أيضا انها ليست بحاجة إلى توجيه ضربة كبيرة، وفى أجواء كهذه من الخوف الأمني الذى يسود كل أمريكا ومعها الدول الغربية ، وانه يمكن تركيع الولايات المتحدة بوسائل أسهل عما ذي قبل ، وذلك عبر تنفيذ هجمات صغيرة تتطلب عددا أقل من المنفذين، ووقتا أقصر للالتفاف على الحواجز الأمنية التى اضطرت أمريكا لإقامتها .. وهدف القاعدة من هذا هو زيادة الأعباء على الاقتصاد الأمريكي والغربي واستنزاف صناعة الطيران بين أوروبا وأمريكا الأساسية جدا لحركة التجارة والنقل بينهما.
وهذا يقودنا الى تحليل مضمون لبيان وزارة الداخلية الأخير والذي كشف ان تنظيم القاعدة لجأ عمليا إلى انتهاج تكتيكات جديدة في العمليات التي كان التنظيم الإرهابي يستعد لتنفيذها، حيث تستهدف العمليات التي كشفها الأمن السعودي، شخصيات لا تحظى بالحراسة الأمنية المشددة، كما هي الحال مع المقار الاقتصادية والأمنية والمجمعات السكنية، ووضع التنظيم على قائمة أهدافه الإعلاميين ورجال الأمن "كأفراد" ورجال دين ومفكرين، ورعايا غربيين "مستأمنين".. فقد اتضح جليا ان تنظيم القاعدة تخلى مرحليا عن الأهداف النوعية وبدأ يفكر في تنفيذ عمليات إرهابية بعدد أقل من الأفراد وبتكلفة مادية أقل، خاصة بعد حادثة الطرود التي كشفت من قبل الأمن السعودي، الذي تمكن من رصد و مكافحة العمليات الإرهابية على المستوى العالمي.
فالبيان السعودي كشف تورط 149 شخصا لهم علاقة بالأنشطة الإرهابية بينهم 124 سعوديا، تتوزع أنشطة هؤلاء المتورطين على 19 خلية في عدد من مناطق المملكة، ولها ارتباطات خارجية وروابط فكرية تكفيرية وتخطط لتنفيذ أعمال إرهابية واغتيالات بحق رجال أمن ومسئولين وإعلاميين ومستأمنين.. والسؤال : "لماذا تجتهد القاعدة لتجنيد هذا العدد الكبير من السعوديين ضمن الخلايا الإرهابية حتى باتوا قاسماً مشتركا ووقودا حاضرا للمخططات الإرهابية؟" .. فالنتيجة الأكيدة لهذا هو ان شبانا سعوديين يشاركون في تنفيذ أعمال إرهابية ويخططون للتفجير في أمريكا وأوروبا وأفغانستان وباكستان والعراق وفي السعودية نفسها؟.. هذا ما حذر منه البيان ، والذي كشف ان الجماعات الإرهابية لا تزال قادرة على التغلغل وسط الشبان السعوديين والتأثير فيهم وتجنيدهم مجددا، خصوصا ان العدد الملقى القبض عليه كبير.
المشكلة هى ان الشباب المغرر بهم والذين خضعوا لبرامج المناصحة واعادة التأهيل، يرفضون بشدة التخلي عن فيروس الإرهاب الذي يسري فى دمائهم بما لا ينفع معه علاج او نصائح، فأمراضهم الإرهابية أصبحت مزمنة وتشبعت عقولهم وأفكارهم بهذا المرض.. والعلاج قد يكون باجتثاث هؤلاء بعدما جندتهم القاعدة ليكون أداتها لنشر الفوضى والدمار وقتل نفس بدون وجه حق.. فمن اجل ضمان مستقبل أفضل لشعوبنا وإسلامنا ، ان يتم التخلص من هؤلاء الإرهابيين القتلى الذين يعملون كأداة فى أيدي تنظيم إرهابي لا هم له سوى بث الرعب والفزع فى قلوب البشر بعكس ما يرددونه بانهم ينشرون الدعوة الإسلامية والإسلام منهم براء.
أما لماذا تستهدف القاعدة بلدا كبيرا مثل السعودية.. فنترك الرد على هذا للأمير تركي الفيصل، رئيس مجلس إدارة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية. فقد أشار في محاضرته التي ألقاها بكلية جون كيندي للشئون الحكومية بجامعة هارفارد الأمريكية .. إلى حرص المملكة العربية السعودية على أن يسود السلام والهدوء دول المنطقة.. والى مركز المملكة الاقتصادي القوي، ونمو قدراتها الأمنية والدفاعية، ومستوى علاقاتها الوثيقة بالمجتمع الدولي.. وجهودها في اتجاه تحقيق الوفاق والاستقرار في العراق واليمن ولبنان.. ودورها الفعال على مستوى المحيطين الإسلامي والعربي في إطار جامعة الدول العربية، ومجلس التعاون الخليجي، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، إلى جانب مساهماتها في مجالات التعاون الدولي، ودورها في منظمة أوبك، وعضويتها المهمة في "قمة العشرين" الاقتصادية.. ثم دورها المهم جدا في مكافحة الإرهاب واستقرار الأوضاع في العراق وأفغانستان.. ودولة تقوم بكل هذه الأدوار الإقليمية والدولية والعربية والإسلامية مجتمعة ، من الطبيعي ان تقع فى مرمى القاعدة لزعزعة استقرارها وإجبارها على الانهيار.
بيد ان الأمن السعودي كان له من عمليات القاعدة موقفا آخر، اذ تطورت عملياته الأمنية ، فبعدما كانت تبدأ بعد الأحداث الإرهابية بالملاحقة الى الملاحقة قبل الحدث الإرهابي، مما جعل إرهابيي القاعدة يعيدون كثيرا من حساباتهم وأولها استهداف مواقع سهلة لتأكيد استمراريته ووجوده فقط.. وهذا التطور الأمني جعل التنظيم هو الاخر يعيد حساباته وتخطيطاته، وهذا ما كشف عنه بيان الداخلية السعودية ، حيث عمد التنظيم الإرهابي الى توزيع المهام على خلايا متعددة يخضع عملها لشبكة عنكبوتية تتفرع الى شبكات . وبهذا يتنوع الحدث الإرهابي وتتعدد أهدافه بتغير المكان والزمان . فتقوم احدى الخلايا بالتخطيط والتنفيذ لعمل إرهابي يستهدف مسئولين ومنشآت أمنية وعسكرية وحكومية ومبان مدنية وتجارية ، في حين تسعى اخرى لتنفيذ عمل إرهابي آخر يستهدف التخطيط لنشر فكر "القاعدة"، وتنسيق سفر المغرر بهم، وجمع الأموال، على ان تتخصص ثالثة في صناعة المتفجرات، وتقديم التدريب المهني على إعداد المواد المتفجرة، والتهيئة لتنفيذ المخطط الإرهابي.. على ان يكون العنصر المشترك بين جميع هذه الخلايا هو الاغتيالات كأقصر الحلول لتنفيذ عمليات تخريبية تحدث كثيرا من الفوضى وتعيد للتنظيم بعض الثقة بالنفس بعد الضربات الاستباقية المتلاحقة والنجاحات الأمنية في الحد من قدراته التخريبية.
ويبقى القول ان السعودية دولة كبيرة وليست انقاض دولة كي يترعرع فيها الإرهاب مثل الصومال ، او دولة محتلة كالعراق لينمو فيها إرهاب القاعدة، او دولة تعاني من زعزعة الاستقرار كاليمن كي تستشري فيها خلايا القاعدة.
إلى الأعلى