جريدة الجرائد

السودان.. قرار التقسيم وأنظار العالم!

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

سعد بن عبد القادر القويعي

مع اقتراب موعد الاستفتاء على مصير جنوب السودان، والذي سيجري في - التاسع من شهر يناير من العام المقبل -، تنفيذا لاتفاقية السلام المبرمة بين الحكومة السودانية، والحركة الشعبية لتحرير جنوب السودان.

...والذي سيخول لسكان الجنوب الاختيار، ما بين: البقاء ضمن دولة السودان، أو الانفصال النهائي، وتكوين دولة مستقلة خاصة بهم. - كل ذلك - تحت شعار: "حق تقرير المصير، أو حماية الأقليات الدينية".

يبدو أن الحالة تتفاقم - يوماً بعد يوم - وكثير من أصحاب القرار السياسي، لم يدركوا أبعاد التقسيم الإستراتيجية في تغيير خارطة المنطقة. فتقسيم السودان بات شبه مؤكد، بعد أن تم تداول القضية السودانية في الكواليس منذ زمن بعيد، في ظل صمت عربي مطبق، ورعاية دولية ماكرة، تنتهج سياسة: " تقسيم المقسم، وتجزئة المجزأ"، والتي تسير وفق مخطط كبير؛ لتفتيت المنطقة العربية، واستبداله بمشروع "الشرق الأوسط الجديد".

سياسة تقسيم الدول العربية، يعتبر هدفاً استعمارياً عبر التاريخ. وهي سياسة قديمة؛ حتى لا تتحول - تلك الدول - مع مرور الزمن، إلى قوة قادرة على قراءة المستقبل، ومواجهة التحديات. والحرص - أيضاً - على إبقاء بؤر التوتر، والقلاقل في محيط تلك الدول، على غرار ما يحدث في العراق وأفغانستان، وجعلها كنتونات متناحرة - عرقياً وطائفياً -.

على أي حال، فإن القرار الدولي الذي اتخذته المحكمة الجنائية الدولية، باعتقال - الرئيس السوداني - عمر البشير، ومطالبته بالمثول أمام المحكمة؛ لارتكابه جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية في إقليم "دار فور"، هو قرار مسيس. فالمحكمة ليست صاحبة اختصاص في ما يتعلق بالشأن السوداني. فلا السودان، ولا أمريكا، صادقتا على اتفاق روما.

ومن هذا المنطلق، فإن تقسيم السودان إلى عدة دويلات صغيرة متناحرة، ضائعة السيادة، منهوبة الثروات، حلم في أجندة الإدارة الأمريكية. وهو هدف رئيس لأجهزة المخابرات الأمريكية، والموساد الإسرائيلي، كما تشير التقارير. حيث تعمل تلك الأجهزة - حالياً -، على إسقاط نظام الخرطوم بواسطة عملائهم، وحركات التمرد السودانية. وبعدها سيتم إقامة ثلاث دول كنفدرالية، دولة السودان الإسلامية الممتدة من مركز السودان حتى شمالها، ودولة دارفور غربي السودان، ودولة في الجنوب، حيث حقول السودان الغنية بالنفط، ومصادر مياه النيل.

وكلما شعرت الولايات المتحدة الأمريكية بالخطر على مصالحها، وأمنها القومي والإستراتيجي، سعت إلى سياسة التقسيم والتفتيت. وهذا ما يؤكده الدكتور - أحمد البرصان، في تقريره حول تقسيم الشرق الأوسط: من أن التقسيم خطة وخارطة، ما زالت تُطرح مع كل أزمة في المنطقة؛ وذلك بهدف تغيير توازن القوى لصالح إسرائيل والدول الكبرى. ونسمع عن شرق أوسط جديد، وأحياناً "سايكس / بيكو جديدة". وكانت أول وثيقة علنية؛ لتقسيم المنطقة العربية، ما نشر في مجلة "المنظمة الصهيونية العالمية" kivunim في - فبراير 1982م -، وكان كاتبها: "عديد فرنون". وجاءت الدراسة تحت عنوان: ASTRATEGY FOR ISRAEL IN THE NINTEEN EIGHTIES، وترجمها فيما بعد "إسرائيل شاحال" - عالم الكيمياء الإسرائيلي - إلى الإنجليزية، تحت عنوان: THE ZIONIST PLAN FOR THE MIDDLE EAST، أي: "المشروع الصهيوني لمنطقة الشرق الأوسط". وجاء في هذه الخطة الإستراتيجية: تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات - كردية وسنية وشيعية -. وتقسيم السودان إلى أربع مناطق، من بينها فصل الجنوب عن الشمال.

كما تشير التقارير، عن مصادر استخباراتية أفريقية أن ال "سي آي أي"، وال "دجسي" الفرنسي، و"الموساد" الإسرائيلي: أقاموا مركزين رئيسيين؛ لانطلاق مخططاتهم. الأول: يعمل في تشاد. والثاني: مركز التنسيق المشترك بين أجهزة المخابرات الثلاثة، ويكون في جيبوتي. وسيعمل الضباط الإسرائيليون والفرنسيون من مركز تشاد. بل هناك من رسم شكل السودان الجديد، المقسم إلى خمس دويلات، بما في ذلك تعديلات في الوسط؛ لضمان دخول "آبياي" الغنية بالنفط، إلى حدود الدويلة الجديدة المزمعة بالجنوب. ويؤكد ذلك، ما قاله "يادلين" - رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية الصهيونية - السابق: "في السودان أنجزنا عملاً عظيمًا للغاية؛ لقد نظمنا خط إيصال السلاح للقوى الانفصالية في جنوبه، ودرّبنا العديد منها، وقمنا أكثر من مرة بأعمال لوجستية؛ لمساعدتهم". ويضيف: "نشرنا هناك في الجنوب ودارفور شبكات رائعة، وقادرة على الاستمرار بالعمل إلى ما لا نهاية، ونشرف حاليًا على تنظيم - الحركة الشعبية - هناك، وشكلنا لهم جهازًا أمنيًّا استخباريًّا".

إن السودان بموارده الاقتصادية، وثرواته الطبيعية، ومساحته الواسعة، وشعبه المترابط - رغم - تنوعه الأثني، كان مطمعاً أمريكياً، وهدفاً إسرائيلياً. ولأن أمريكا تريد تخفيف الاعتماد على الدول المنتجة للنفط - خاصة - دول الخليج العربي، - لاسيما - بعد القلق الذي شاب العلاقات، عقب أحداث - الحادي عشر من سبتمبر 2001 م -، حيث كانت تلك الهجمات علامة فارقة في العلاقة بين أمريكا ودول العالم الإسلامي، - وبالأخص - المنطقة العربية. وعلى سبيل المثال: فإن الإحصائيات تقدر الاحتياطي النفطي في السودان، - بحوالي - "مليار ومائتي مليون" برميل، معظمها من الجنوب والغرب، - وخاصة - بإقليم دارفور، الذي يطفو على بحيرة من البترول، يزيد الاحتياطي عن "خمسة مليارات" متر مكعب. كما اكتشفت الأقمار الصناعية، أن: السودان وتشاد يرقدان على بحيرة هائلة من النفط، مما يبشر بأن مستقبل النفط في أفريقيا كبير، حيث تشير الدراسات الأولية، بأن: نفط أفريقيا سيشكل ما نسبته "72% "، من الاحتياطي من النفط، - خاصة - إقليم دارفور، وتشاد، والمثلث الواقع بين ليبيا والسودان ومصر، حيث التقطت الأقمار الصناعية صوراً، تؤكد أن: إقليم دارفور يقوم على بحيرة من النفط. إضافة إلى ذلك: فقد أثبتت الدراسات، وجود أكبر مخزون يورانيوم في العالم - كله -، بإقليم دارفور بجنوب السودان، ويتميز خام اليورانيوم الموجود في السودان، بأنه من النوع العالي النقاوة. وغني عن القول: الحديث عما تزخر به الأراضي السودانية من ثروة هائلة من المعادن، حيث توجد بها كميات كبيرة من الذهب، والنحاس، والكروم، والرخام، والجرانيت.

ولأننا نقرأ التاريخ المستقبلي للأحداث في المنطقة، فإن بلدا بأكمله سيفتت، بعد أن وضع مستقبل السودان - كله - على المحك؛ لإحداث انقسام داخل الكيان الكبير، ضمن جزء من خطة استعمارية جديدة؛ ليكون السودان عراقا وأفغانستان أخرى. وهذا ما دعا إليه - الرئيس الأمريكي - السابق "جورج بوش"، في مستهل خطابه حول النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، إلى ضرورة أن يتغير "الشرق الأوسط".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف