الشيخ المطلق... والمرأة السعودية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
حسن بن سالم
لم يكد يسدل الستار على ختام جلسات المنتدى الثاني لمركز السيدة خديجة بنت خويلد الذي كان تحت عنوان "واقعية مشاركة المرأة في التنمية الوطنية" حتى شهدنا اعتراضاً ورفضاً وتهويلاً دينيا من قبل عدد من الدعاة والمواقع الالكترونية للنتائج والتوصيات التي توصل إليها المنتدى من خلال وصفها بالاسطوانة المعتادة وهي "الدعوة إلى تغريب المرأة السعودية" وليس ثم جديد في مثل هذه الحملات والاعتراضات التي اعتدنا سماعها مراراً وتكراراً من حين لآخر من قبل أولئك الدعاة تجاه كل الخطوات التحديثية التي تصب في صالح المرأة السعودية، ولكن اللافت في هذه الحملة هو مساهمة ومشاركة عضو هيئة كبار العلماء وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء والمستشار في الديوان الملكي السعودي الشيخ عبدالله المطلق في هذه الحملة وتأييده لرفض ما احتوى عليه المنتدى، وذلك من خلال الإجابة على سؤال أحد المتصلين في برنامج "الجواب الكافي" على قناة المجد الإسلامية الذي تعرض في سؤاله لقضية الاختلاط الحاصل في المنتدى والى آراء رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمكة المكرمة الشيخ الدكتور أحمد الغامدي في جواز كشف وجه المرأة وقيادتها للسيارة، والى التوصيات التي دعا إليها المنتدى مطالبا هيئة كبار العلماء بضرورة التدخل.
وقد كان المتوقع من الشيخ المطلق ومن خلال موقعه ومكانته الرسمية والدينية أن يكتفي بالإجابة على ذلك السائل بالإجابة أو الطريقة التي أجاب بها من قبل عن عندما سئل في إذاعة القرآن الكريم عن الاختلاط في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية وعن دور العلماء ودور الناس تجاه ذلك، فأجاب إجابة مختصرة واضحة بقوله "دورنا نحن نعرفه"، و"دوركم هو السمع والطاعة والدعاء للملك"، ولكنه آثر في هذه المرة وصف المشاركين وعلى وجه العموم في منتدى خديجة بنت خويلد بـ"أنهم لا يمثلون المرأة السعودية وأن الشعب السعودي لا يرضى بأن يمثله هؤلاء".
ومن المعلوم أن هذا المنتدى كان برعاية ومشاركة العديد من الوزراء وكبار المسؤولين في الدولة وعلى رأسهم رئيسة مجلس إدارة مركز السيدة خديجة بنت خويلد الأميرة عادلة بنت عبد الله بن عبد العزيز التي دعت في هذا المنتدى إلى ضرورة مراجعة الأنظمة والتعليمات لضمان مشاركة المرأة في عملية التنمية الوطنية، وكذلك وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبدالعزيز خوجه الذي أشار إلى أن التنمية تعني المشاطرة بين الرجل والمرأة بلا تميز فالنساء شقائق الرجال، ووزير العمل المهندس عادل فقيه الذي أوضح أن المرأة جزء من مكونات الموارد البشرية التي تعتبر الثروة الحقيقة للوطن، ولا يمكن تحقيق تنمية كاملة ومستدامة بدون الاستخدام الأمثل لهذه الموارد، وتحدثت أيضا نيابة عن وزير التربية والتعليم الأمير فيصل بن عبدالله بن محمد آل سعود نائب وزير التربية والتعليم لشؤون تعليم البنات نورة الفايز، التي كشفت أن وزارة التربية والتعليم تعمل على تحقيق كل ما يكفل تكافؤ الفرص بين الرجل والمرأة والتأكيد على مشاركة المرأة في جميع المستويات، إضافة إلى عديد من المشاركات من عدد من الشخصيات ورجال الأعمال والتي أكدت جميعها على أهمية ودور المرأة في مجال التنمية الوطنية، فكيف يسوغ بعد ذلك للشيخ المطلق أن يصف هؤلاء المسؤولين وغيرهم بعدم تمثيلهم للمرأة السعودية وعدم رضا الشعب السعودي بتمثيلهم له وهم الذين تم تعيينهم من قبل ولي الأمر وأوكلت إليهم من قبله العديد من المهام والواجبات تجاه الوطن والمواطنين!
فإذا كان هؤلاء وكذلك بقية الوزراء والمسؤولين وغيرهم ممن شاركوا في المنتدى الذين يحرصون ويبذلون جهداً كبيراً في الرفع من مستوى المرأة السعودية اجتماعيا واقتصادياً وثقافياً لا يمثلون المرأة السعودية، فمن هم الذين يمثلون المرأة في منظور الشيخ المطلق؟ هل هم أمثال الشيخ الدكتور الأحمد الذي وصفه الشيخ المطلق منذ فترة وجيزة على قناة دليل الفضائية بأنه يتمتع بفقه دقيق وعلمية متينة،؟
وهو الذي نقل أخيراً في مقال له نصاً شاذاً من كتب الفقه يدل على كفر وردة من استحل الاختلاط! فأي فقه دقيق في نقل مثل تلك الشذوذات التي تدل على تطرف وتشدد تجاه قضايا المرأة؟
أم غيره من أصحاب الآراء المتطرفة الذين وصفوا القائمين القائمين والمشاركين في المنتدى بأسوأ الأوصاف! وأما ما يتعلق بما أشار إليه الشيخ عبدالله المطلق من أن ما جرى في هذا المنتدى هو مسؤولية العلماء وأنه سيتم مناقشته، فمن الضروري التأكيد هنا بأننا دولة وشعبا نحترم ونقدر لعلمائنا الكرام جهودهم الشرعية ودورهم ومساهمتهم في المجتمع في توضيح وتعليم الناس أحكام الدين ومعالجة الكثير من القضايا، ولكن عندما يقف العالم الشرعي المعتبر برأيه وفتواه على المستوى الرسمي حجر عثرة في مسيرة التنمية والتطور التي تدعو وتسعى إلى تحقيقها الدولة فهنا تكمن المشكلة، إذ بسبب مثل تلك الآراء والفتاوى المتشددة تتعطل كثير من المشاريع التي تعود بالنفع والصالح العام لهذا الوطن ولجميع أفراده، ويتم استغلالها وتوظيفها أيضاً من قبل فئة لا تريد لبلادنا أي تقدم أو تطور بل وتكون كذلك أداة في معاداتهم لمجتمعهم ووطنهم، لذلك وحتى يظل للعلماء ودورهم وتأثيرهم في المجتمع لاسيما في هذه المرحلة فلا بد من إسهامهم ومشاركتهم ومساندتهم في دفع عجلة بناء الإنسان والتنمية والتطور، خصوصاً ما يتعلق بواقع المرأة السعودية، ولا يمكن ذلك إلا بالخروج من الرؤية التقليدية وضرورة إعادة قراءة التراث ونقده نقداً منطقياً والاستفادة من المواقف المشرقة والحضارية والإنسانية في التراث الإسلامي.