جريدة الجرائد

الانتخابات المصرية الرابحون كثر والخاسرون أكثر

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

القاهرة - محي الدين سعيد


متنوعة هي حصيلة الانتخابات البرلمانية المصرية التي جرت على جولتين لاختيار أعضاء مجلس الشعب الجديد للسنوات الخمس المقبلة، وكبيرة هي الحصيلة أيضاً بتعدد الأطراف المشاركة فيها، ما بين جمهور ونظام سياسي وأحزاب سياسية وجماعات معارضة ووسائل إعلام وقضاة ومنظمات أهلية .

وفي مجمل القول، تتنوع الحصيلة ما بين مكاسب وخسائر، وفي تفصيله فإنه، وبالحسابات المادية البحتة، ربح الخطاطون وشركات الدعاية الذين قاموا بالدور الأكبر في إعداد لافتات ووسائل الدعاية للمرشحين، كما ربحت العشرات من الصحف والمحطات التلفزيونية التي أفردت مساحات واسعة لنشر وإذاعة الدعاية مدفوعة الأجر، وترصد تقارير إعلامية إنفاق الحزب الوطني نحو مليار جنيه مصري على أعمال الدعاية لمرشحيه، فيما أنفق مرشحو حزب الوفد وجماعة الإخوان المسلمين نحو خمسين مليون جنيه على الدعاية لأنفسهم، وقالت تقارير حقوقية إن نسبة ما أنفقه بعض المرشحين على الدعاية لأنفسهم منفردين تتراوح ما بين خمسة وعشرة ملايين جنيه .

بحسابات الأرقام المعلنة للصناديق الانتخابية، يأتي الحزب الوطني الحاكم في مقدمة الرابحين، حيث حصل على الأغلبية المطلقة داخل البرلمان المصري، وبغض النظر عن الطريقة التي حصد بها الحزب تلك الأغلبية، فإن الوطني يصبح بمقتضى نتائج الانتخابات قابضاً على السلطة التشريعية للسنوات الخمس المقبلة، في غياب تام للتيارين القومي والإسلامي، وغياب للمعارضة الوفدية تحت قبة البرلمان، وفي السنوات الخمس المقبلة ما فيها من إجراء انتخابات رئاسية في البلاد يتولى البرلمان إدارة جميع مقدماتها، وصولاً إلى تحديد المرشحين الذين يخوضونها من الأحزاب السياسية والمستقلين، وفيها أيضاً ما فيها من تشريعات مرتقبة تطال مختلف جوانب حياة المصريين، وتتنوع بين ما هو سياسي يخص الأحزاب السياسية والجمعيات الأهلية والنقابات المهنية والتشريعات الانتخابية، وما هو اقتصادي واجتماعي يمتد إلى قوانين تخص التعليم والتأمين الصحي والشؤون الضريبية وتنظيم معاملات اقتصادية . وفي الأخيرة يتوقع مراقبون أن تصب التشريعات الخاصة بها في خدمة الحزب الوطني ورجاله، أغلبيتهم من رجال الأعمال الذين يحتكرون سلعاً وصناعات استراتيجية كالحديد والأسمنت وغيره .

بحسابات الأرقام كما سبق القول ربح الحزب الوطني، لكن ما ينبغي تأكيده هو أن ما ربحه الحزب الحاكم يصب بكامله في مصلحة تكريس جماعة ما تسمى بالفكر الجديد، التي تدير لجنة السياسات بالحزب وتهيمن عليها، وهي اللجنة التي يتولى رئاستها جمال مبارك النجل الأكبر للرئيس مبارك، وتقول قوى المعارضة إن مناصريه من قيادات لجنة السياسات يسعون إلى الدفع به إلى سدة الحكم عبر انتخابات رئاسية يتم فيها الدفع ببعض المرشحين من أحزاب المعارضة الصغيرة، ومنع الشخصيات كافة التي تحظى بقبول شعبي من خوض تلك الانتخابات، وفي زاوية من المشهد تبدو جماعة الجناح القديم في الحزب الوطني مترقبة للخطوات المقبلة للقادة الجدد في الحزب، خصوصاً أن كل التوقعات تذهب في اتجاه إقدام الجدد على التخلص من جناح القيادات التقليدية وتكريس سيطرتهم على الحزب، خصوصاً وقد بدا القادة الجدد منتشين للغاية بما حققوه في الانتخابات من انتصارات أرجعوها في المقام الأول إلى ldquo;حسن اختيار المرشحين الذين يحظون بالشعبيةrdquo; إضافة إلى عبقرية والوصف لقيادي بارز بلجنة السياسات فكرة ldquo;الدوائر المفتوحةrdquo; التي اعتمد عليها الحزب بطرح ما بين ثلاثة وأربعة مرشحين من الحزب الوطني على ذات المقعد في الدائرة الواحدة، ما أدى إلى إرباك المنافسين وخسارتهم المبكرة للانتخابات .

أرباح ldquo;جمعية التغييرrdquo;

اللافت أن جماعة الرابحين من الانتخابات لم تخلُ من طرف معارض، وهو الجمعية الوطنية للتغيير التي أسست على خلفية عودة المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية والمرشح المحتمل في الانتخابات الرئاسية الدكتور محمد البرادعي إلى البلاد، فالجمعية رفعت منذ البداية لواء الدعوة إلى مقاطعة الانتخابات ترشيحاً وتصويتاً ldquo;للحيلولة دون إضفاء مشروعية على نظام الحكمrdquo;، بل وذهبت إلى اتهام المشاركين في الانتخابات من أحزاب وقوى المعارضة بخيانة القضية الوطنية .

الجمعية رأت في ما شهدته الانتخابات من تجاوزات وانتهاكات بحق مرشحي المعارضة، انتصاراً لوجهة النظر التي أكدت عدم جدوى المشاركة في الانتخابات، وزخماً شعبياً جديداً لمطالب التغيير والإصلاح التي ترفعها، ما دفعها إلى تجديد الدعوة إلى المواطنين المصريين للتوقيع على بيان التغيير الذي يتضمن مطالب سبعة للإصلاح في البلاد، وهي الدعوة التي خفتت تحت وطأة الضوضاء الانتخابية، ورأى قادة الجماعة أن في إعلان جماعة الإخوان المسلمين وحزب الوفد الانسحاب من الانتخابات، ما يمكن أن يمثل بداية للتغيير في البلاد، داعين قادة الجماعة والحزب إلى الانخراط في دعم أنشطة الجمعية خلال الفترة المقبلة التي تراها جمعية البرادعي حاسمة في تحديد مصير البلاد .

خسائر

حصول حزب التجمع التقدمي وبعض أحزاب المعارضة الصغيرة على بضعة مقاعد في البرلمان الجديد لا يراه مراقبون دافعاً لحسبانهم ضمن جماعة الرابحين من الانتخابات، فأحزاب وقوى المعارضة جميعها يراها المراقبون خاسرة ويتوقعون أن تكون لتلك الخسارة انعكاسات فادحة على استقرار عدد منها، وربما استمراره في المشهد السياسي .

وبحسابات الأرقام لم تحصل قوى المعارضة وأحزابها سوى على مقاعد معدودة من بين 508 مقاعد، حصل الحزب الوطني على ما يجاوز 98 في المئة منها، وبالحسابات السياسية، فإن خسائر المعارضة تتنوع وتتعدد ما بين مزيد من تدهور شعبيتها في الشارع المصري، وانفجارات داخلية متوقعة في بعضها، وقد لاحت في الأفق بوادر لها في العديد من تلك الأحزاب .

ففي الشارع يحلو للمواطن المصري العادي أن يردد حالياً ما رددته مواقع إلكترونية وتقارير إعلامية في وقت سابق من أن الحزب الوطني ldquo;ضحكrdquo; من المعارضة، واتفق مع قياداتها على حصص من مقاعد البرلمان، حتى يدفعها إلى خوض الانتخابات، لكنها فوجئت بأن تلك الحصص تتآكل حتى وصلت إلى مقعدين للوفد في جولة الانتخابات الأولى، ومقعد واحد لكل من أحزاب التجمع والغد (جبهة موسى مصطفى) والعدالة الاجتماعية، وrdquo;لا شيءrdquo; لكل من جماعة الإخوان المسلمين والحزب الناصري ونحو 12 حزباً معارضاً صغيراً، خاضت الانتخابات وجميعها يطاله حديث ldquo;الصفقة الانتخابيةrdquo; مع الحزب الوطني .

انتقادات للإخوان

التداعيات السلبية لا تتوقف عند الشارع المصري، لكنها تمتد إلى داخل أحزاب المعارضة الرئيسة وجماعة الإخوان المسلمين كلٌ على حدة، فجماعة الإخوان المسلمين التي تعد أكبر قوى المعارضة المصرية وأكثرها تنظيماً، خاضت الانتخابات رغم ما تردد عن معارضة شديدة من قبل قيادات بارزة بها لخوضها ودعوتهم إلى الاستجابة لدعوة المقاطعة التي أطلقتها جمعية البرادعي للتغيير، وعدم التورط في إضفاء مشروعية على النظام الحاكم، عبر انتخابات معروفة نتائجها سلفاً، خصوصاً بالنسبة للجماعة، بعد أن أعلنت قيادات الحزب الوطني صراحة، وفي أكثر من مناسبة، أن ما حققته الجماعة في انتخابات 2005 88 مقعداً برلمانياً لن يتحقق بأي درجة في انتخابات ،2010 وعندما أعلنت الجماعة عن قرارها بالانسحاب من جولة الإعادة في الانتخابات، نشط الجناح المعارض بداخلها في توجيه الانتقادات لقيادة الجماعة واتهامها بتوريط الإخوان في ما وصفوه بrdquo;المسرحية الانتخابيةrdquo; .

الإصلاحيون بالجماعة كما يصفون أنفسهم ضمّنوا انتقاداتهم بياناً طالبوا فيه بعقد مؤتمر موسع لطرح ومناقشة لائحة جديدة تنظم سير العمل داخل الجماعة، بما يقضي بتقليص سلطات المرشد العام وتفعيل الدور الرقابي والحسابي لمجلس شورى الإخوان، إضافة إلى دعوة القيادات البارزة التي خرجت عن الجماعة في وقت سابق إلى العودة لصفوفها، وبينهم المهندس أبو العلا ماضي وكيل مؤسسي حزب الوسط وصاحب الانشقاق الشهير عن صفوف الجماعة في منتصف تسعينات القرن الماضي .

حزب التجمع التقدمي يبدو أقرب أحزاب وجماعات المعارضة لدفع ثمن الانتخابات البرلمانية، فالحزب الذي عُرف بمعالجة ما يدور داخله من اختلافات وخلافات في غرفة مغلقة وبعيداً عن تناول الإعلام، بدا أنه يتعرض لهزة عنيفة وانفجارات، يرى مراقبون أنها قد تطيح بقيادة الحزب الحالي المتمثل في رئيسه رفعت السعيد، حيث يُحمّله أعضاء الحزب الغاضبون من النتائج الهزيلة التي تحققت في الانتخابات لمرشحي التجمع، المسؤولية عن تدهور شعبية الحزب وتراجع دوره على الساحة السياسية، متهمين إياه بانتهاج سياسات ملائمة للحزب الحاكم، حتى إن القيادي البارز بالحزب وأحد مؤسسيه البدري فرغلي وصف الحزب في خطاب استقالة وجهه للسعيد بأنه تحول إلى ldquo;فرع للحزب الوطني الحاكمrdquo; .

وكان إعلان البدري استقالته من التجمع قد فجر ثورة غضب عارمة بين أعضاء الحزب في مختلف المحافظات، وتوافد العشرات منهم على المقر المركزي بالقاهرة للمطالبة بالانسحاب من الانتخابات، فيما أعلن أمناء الحزب في خمس عشرة محافظة اعتزامهم الدعوة إلى سحب الثقة من السعيد .

ووجه أعضاء الحزب بالإسكندرية خطاباً حاد اللهجة إلى المكتب السياسي للحزب، حَمّلوا فيه السعيد المسؤولية عن قرار مشاركة الحزب في الانتخابات رغم غياب ضمانات نزاهتها، واتهموا رئيس الحزب بالالتفاف على رأي الأعضاء بالمحافظات الذين مالوا إلى مقاطعة الانتخابات، فيما حذروا قبيل إجراء جولة الإعادة بالانتخابات من أن استمرار التجمع في الانتخابات وصفوها بالتمثيلية من شأنه أن يزيد على صورة الحزب السيئة لدى الشارع المصري ويؤكد أن الحزب أصبح تابعاً للنظام الحاكم، وأصبح منعزلاً تماماً عن الشارع السياسي وبعيدا عن مواقف كل القوى الوطنية .

كما دعا ldquo;تجمع الإسكندريةrdquo; الدكتور رفعت السعيد، رئيس الحزب، إلى مراجعة مواقفه السابقة ومدى إضرارها بموقف الحزب في الشارع السياسي، وختموا بتوجيه نداء إليه: ldquo;نرجو من رئيس الحزب أن يكتفي بكل ما قدم من مجهودات للحزب في الأربعين سنة الماضيةrdquo;، مشيرين إلى أن المرحلة المقبلة تحتاج إلى وجوه شبابية جديدة تعبر عن الموقف الحقيقي لليسار المصري بعيداً عن مقولة ldquo;الأسقف المنخفضةrdquo; .

انقسام الوفد

حزب الوفد أيضا، ورغم اتخاذه قراراً بالانسحاب من الجولة الثانية بالانتخابات، ينضم إلى قائمة الخاسرين من هذه الانتخابات، ويرى مراقبون أن الفترة القليلة المقبلة ستشهد مزيداً من الخسائر، فيما يتعلق بشعبية الحزب التي اكتسب مزيداً منها مع تجربة الانتخابات التي جرت على موقع الرئاسة به وتسليم الجميع من مناصري الوفد وخصومه بأنها كانت تجربة ديمقراطية، آلت بمقعد رئاسته إلى الدكتور السيد البدوي شحاتة، ومع مقدمه توافد العشرات من الشخصيات العامة والرياضيين والفنانين والإعلاميين مطالبين عضوية الحزب، فيما تلاحق خسائر الانتخابات استقرار الحزب نفسه في ظل تحركات لمناوئين للبدوي داخله للمطالبة بمساءلته عن قرار خوض الانتخابات رغم غياب الضمانات التي رفع الحزب لواء المطالبة بها من أجل إجراء انتخابات نزيهة، وهو ما يعني أن الحزب سيشهد عديداً من الانقسامات الداخلية، خصوصاً أن قرار الانسحاب تبعته قرارات أخرى بفصل المخالفين من عضوية الحزب، وبينهم قيادات وشخصيات بارزة .

ldquo;الحزب العربي الناصريrdquo; الذي دفع ب44 من مرشحيه لخوض الانتخابات خرج من السباق الانتخابي خالي الوفاض حتى من مرشح يخوض جولة الإعادة، مرشح هو الآخر لمزيد من حراك الإصلاحيين بداخله للمطالبة بمساءلة قيادته الحالية ممثلة في أمينه العام أحمد حسن، واستعادة طيور الحزب المهاجرة، والعمل على استعادة مكانته بين الجماهير، وهو ما يجد من الآن مقاومة من حسن الذي حصل على عضوية مجلس الشورى (الغرفة الثانية للبرلمان) قبل شهور بالتعيين، ويرفض تماماً الاستماع إلى مطالب تدعوه إلى الاستقالة من المجلس كإجراء احتجاجي على ما تعرض له الحزب في الانتخابات .

حصيلة الخسائر تمتد إلى معارضة زادت الانتخابات من هزال تأثيرها في جماهيرها، وباتت أقرب إلى مريض ينتظر لحظة مفارقة الحياة، وبرلمان يبدو جلياً أنه سيكون مجرد شكل ديكوري، وقد خلا تماماً من قوى المعارضة المؤثرة، وخلا من تمثيل ولو محدود لتيارين رئيسيين، هما التيار القومي والتيار الإسلامي بإسقاط مرشحي جماعة الإخوان المسلمين ومرشحي الحزب الناصري ومرشحين قوميين آخرين كحمدين صباحي وسعد عبود، إضافة إلى أصوات معارضة لعبت دوراً بارزاً في مجلس الشعب المنقضية مدته مثل محمد العمدة وعلاء عبدالمنعم والدكتور جمال زهران، وهو ما اعتبره محللون إقصاء لكل من تبقى من رموز المعارضة المدنية، مؤكدين أنه سلوك تسبب في إحباط الملايين من المصريين .

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف