أوروبا وحال الأقليات المسلمة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
احمد عمرابي
إلى أي مدى يتوافر للمواطنين المسلمين المقيمين في بلدان الغرب، استعداد طوعي للاندماج في المجتمعات الغربية العلمانية؟
هذا هو السؤال الأساسي الذي تحدد الإجابة عنه مصير الأقليات المسلمة في البلدان الأوروبية.. خاصة فرنسا التي تعيش فيها أكبر أقلية من المواطنين المسلمين.
إنه سؤال شائك ظهرت أحدث معالجة له في كتاب بعنوان "فرنسة الإسلام"، لأستاذ جامعي أميركي يدعى جون باون.
والجديد في هذه المعالجة ليس القضية المطروحة نفسها، بقدر ما هو الزاوية التي اختارها المؤلف لمقاربة القضية. فقد اختار الاقتراب الاجتماعي الميداني، وليس الاقتراب السياسي، طارحاً تساؤلات من قبيل الآتي:
* هل ينبغي على المسلم أو المسلمة في بلد علماني كفرنسا، أن يعقد قرانه أو قرانها في مبنى البلدية عوضا عن المسجد؟
* هل ينبغي تدريس الصغار من أبناء المسلمين نظرية داروين التي تنطوي على إنكار صريح لنظرية الخلق والخالق أو حقوق الشواذ جنسيا؟
* هل بوسع امرأة مسلمة أن تتزوج برجل غير مسلم؟
* هل من المشروع للفرد المسلم أن يتحصل على قرض مصرفي لبناء منزل يتضمن الربا؟
يقول البروفسور باون إن مثل هذه القضايا التي تسود الحياة اليومية للأقلية المسلمة في فرنسا، كأمثلة، هي التي تحدد مدى اندماج المسلمين في مجتمع غربي، وليس الأحداث السياسية التي تطغى على الوسائل الإعلامية.
ويمكن القول إن المؤلف قد حالفه التوفيق في تشخيص الظاهرة، لكنه لم يوفق في الاستخلاص النهائي. فقد خلص إلى أن الاندماج الكامل للأقليات الإسلامية في المجتمعات الأوروبية، سوف يتحقق في المستقبل المرئي. وهذا الاستخلاص مبني على توقعه بأن تلك الأقليات سوف تذوب جيلاً بعد جيل في تلك المجتمعات غير المسلمة، مما يؤدي إلى إثارة عدد من الملاحظات.
من أبرز هذه الملاحظات أن المفكرين والمعلقين الغربيين، يتناولون الإسلام كدين عبادة فقط كالمسيحية، متناسين أو متجاهلين أن الإسلام طريقة للحياة في كافة مناحيها، ومنظومة للسلوك اليومي وللقيم تحكم حركة الفرد المسلم من المهد إلى اللحد، وتعامله مع الآخرين، أفراداً وجماعات.
والسؤال الذي يُطرح هو: هل يجب على المسلمين التحلل من هويتهم الدينية لكي يتحقق اندماجهم في المجتمعات الغربية؟
إن على المفكرين الغربيين الذين يتناولون شؤون الإسلام والمسلمين، أن يقروا أولاً بأن هناك تيارا عاما في المجتمعات الغربية متحيزا ضد الإسلام، وأنه تحيز انتقائي لا ينسحب على المسيحية واليهودية.
قبل بضعة شهور أفرز استفتاء عام في سويسرا عن موافقة شعبية على حظر بناء مآذن جديدة في المساجد هناك. هذه الحادثة لا ينبغي أن ينظر إليها كحادثة معزولة.. إذ إن لها مقدمات بقدر ما ستكون لها تداعيات في أرجاء أوروبا.
هل تذكرون "غيرت فيلدرز" زعيم "حزب الحرية" في هولندا، الذي دعا إلى حظر تداول القرآن الكريم، ووصف المصحف بأنه "كتاب فاشيّ"، على غرار كتاب "كفاحي" للزعيم الألماني النازي أدولف هتلر؟ بعد يومين فقط من إعلان نتيجة الاستفتاء السويسري، نهض فيلدرز مطالباً بإجراء استفتاء مماثل في هولندا.
من ناحية المقدمات يبدو الإجراء السويسري وكأنه أحدث حلقة في مسلسل أوروبي متعدد الحلقات.
قبل بضع سنين عمدت الصحافة في الدنمارك إلى نشر رسوم كاريكاتيرية تنطوي على إساءة بالغة لنبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم.
ورغم التهاب المشاعر العامة في أرجاء العالم الإسلامي، رفضت الحكومة الدنماركية التدخل لاتخاذ أي إجراء ضد الصحف، استنادا إلى دعوى "حرية التعبير"! علما أن أي انتقاد للديانة اليهودية في أي دولة أوروبية، يعتبر جريمة باسم "معاداة السامية" وفقاً للقوانين الجنائية السارية.
وفي فرنسا ـ تذكرون ـ حظرت السلطة على فتيات المسلمين ارتداء الحجاب في المدارس والمعاهد العامة، بحجة المحافظة على الطابع العلماني للدولة الفرنسية، مع حظر البرقع في الأماكن العامة.
إنها حرب دينية ثقافية ضد الإسلام والمسلمين، تتقدمها أحزاب اليمين الأوروبية، وتتبناها في الخفاء مؤسسات الدولة بذرائع حرية التعبير وعلمانية المجتمع.
وبينما ظلت المؤسسات الرسمية وشبه الرسمية تعلن وتكرر الإعلان، أنه ليست هناك أجندة للتعريض بالإسلام والأقليات المسلمة في أوروبا، فإن اعتراض دول الاتحاد الأوروبي ـ وفي المقدمة فرنسا وألمانيا ـ على دخول تركيا عضوية الاتحاد، فضح الأمر كله. فالاتحاد نادٍ مسيحي خالص، بينما تركيا لا تتمتع بهذه "الميزة" المسيحية وينيف عدد سكانها على 70 مليون مسلم!
ليس هذا مجرد استنتاج. فقد صدع بهذا القول رئيس فرنسا نيكولا ساركوزي، معلنا في الوقت نفسه أن كافة الزعامات الأوروبية الأخرى تشاطره هذه الرؤية، رغم أنها فضلت عدم الجهر بموقفها.
ويبقى السؤال الأكبر: لماذا كل هذه الكراهية الأوروبية ضد الإسلام والمسلمين في دول تتباهى بقيم الحرية الدينية والتسامح؟
هناك حالة ارتعاب عامة في الشارع الأوروبي، من كل ما يتصل بالإسلام والمسلمين، وهو ارتعاب مصطنع يثيره ويغذيه الإعلام على خلفية الصراع العربي ـ الإسرائيلي، الذي يعكس في إطاره الأكبر الصراع المصيري بين المد الإسلامي واليهودية العالمية.