هل يتصارع الجمهوريون ام يتعاونون مع الديموقراطيين ؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
سركيس نعوم
باستثناء الضجة والارتباك الكبيرين اللذين تسبب بهما جوليان اسانج وموقعه الالكتروني "ويكيليكس" للادارة الاميركية بل للعالم عموماً، وباستثناء الانشغال العادي لهذه الادارة بالقضايا الداخلية والخارجية المهمة، فان كل شيء يبدو هادئاً في العاصمة الاميركية واشنطن، في رأي متابعين اميركيين للاوضاع في بلادهم ولتحركات ادارتهم. ومرد هذا الهدوء استناداً اليهم، الى امرين. الأول، ان الولايات المتحدة دخلت مع عاصمتها عطلة عيدي الميلاد ورأس السنة. والثاني، ان الاميركيين ينتظرون دخول الكونغرس الجديد دورة انعقاده الاولى مطلع السنة المقبلة. علماً ان من شأن بدء مجلسيه عملهما الرسمي إدخال البلاد في مرحلة من الجدال السياسي الواسع والمناكفات وربما الكيدية، باعتبار ان الاميركيين بشر مثل مواطني دول العالم الثالث رغم اختلاف مستوى التقدم بينهم. وفي انتظار كل ذلك فان هناك اسئلة كثيرة مطروحة في الشارع السياسي الاميركي لا تزال من دون اجوبة، وينتظر اصحابها اجوبة عنها ابرزها ثلاثة. اولها هل يتوصل الحزب الديموقراطي والحزب الجمهوري الى تعاون بعد نجاح الاخير في الحصول على غالبية مقاعد مجلس النواب في الانتخابات النصفية الاخيرة، ونجاح الاول في الاحتفاظ بالغالبية في مجلس الشيوخ رغم خسارته عدداً من المقاعد فيه؟ علماً ان تعاوناً كهذا يسهّل على الادارة التوصل الى حلول لكثير من مشكلات الداخل. وثانيها، هل سينجح الحزب الجمهوري (التقليدي) في احتواء ما سمي "حزب الشاي" الذي وُلد قبل سنة او اكثر بقليل من رحمه والذي ضم غلاة الجمهوريين واكثرهم تطرفاً؟ ام سيفشل ويصبح تالياً اسيراً لهذا الحزب الجديد الذي يتبنى سياسات داخلية متطرفة جداً وأخرى خارجية اكثر تطرفاً وخصوصاً في الموضوع الاسرائيلي؟ اما ثالث الاسئلة فهو: هل تستطيع قيادة الحزب الجمهوري وضع حد للطموحات الرئاسية لسارة بايلن التي ترشحت لنيابة الرئاسة مع جون ماكين في الانتخابات الرئاسية الاخيرة والتي لا تبدو على الاقل حتى الآن، مقبولة من الجمهور التقليدي الجمهوري ولا الديموقراطي او المستقل من الناخبين الاميركيين؟ ام تتخطى كل الضغوط فتترشح وتُمزِّق حزبها، الذي لا يزال يبحث عن قيادة له قادرة على تقديم مرشح رئاسي يستطيع النجاح؟
الى ذلك كله يعتقد المتابعون الاميركيون أنفسهم ان على الرئيس باراك اوباما ان يركّز في المرحلة المقبلة، وفي ضوء التغيير الذي حصل في الرأي العام الاميركي والذي انعكس تغييراً في الكونغرس الجديد، على القضايا الاكثر اهمية والاكثر الحاحاً التي تواجه ادارته بل التي تواجه اميركا وشعبها. والغالبية الساحقة من هذه القضايا داخلية يتعلق اهمها بالبطالة وبحال الاقتصاد الاميركي. وهي حال تُسِرٌّ حاسداً او عدواً خلافاً للقول المأثور. اما في السياسة الخارجية فان القليل قد يحصل على صعيد معالجة الازمات والمشكلات في العالم ولا سيما تلك التي منها يهدد استمرارها المصالح الحيوية والاستراتيجية الاميركية. وستستمر هذه الحال الى ان يتمكن المعنيون في اميركا من ايجاد اجوبة عن الاسئلة الثلاثة المشار اليها. الا أن ذلك لا يعني انه ليس على ادارة اميركا وتحديداً رئيسها اوباما ان تحسم خيارها او بالاحرى ان تقرر في صورة حاسمة ماذا تفعل بالنسبة الى كوريا الشمالية النووية التي تهدد يومياً اميركا وحليفتها كوريا الجنوبية بالتدمير. كما على اوباما ان يقرر سياسته النهائية تجاه روسيا. فضلاً عن ان عليه، ان يكون مستعداً لمواجهة عسكرية مع كوريا الشمالية قد تفتعلها قيادتها الجديدة، وذلك في اثناء انتقال السلطة من رئيسها المريض الى ابنه الشاب.
هل يعني ذلك ان السياسة الخارجية لاميركا ستبقى معطلة فترة طويلة بسبب الوضع الداخلي السياسي والاقتصادي فيها، وبسبب الضعف الذي ظهر على الرئيس اوباما؟
هناك قضايا خارجية لا تستطيع اميركا، واياً تكن صعوبة اوضاعها الداخلية، ان تتجاهلها. ومنها الصراع الفلسطيني - الاسرائيلي. ولا يعني ذلك نجاحاً في وضعه على طريق التفاوض المباشر المؤدي الى حل. وقد تأكد ذلك اخيراً. بل يعني استمراراً في بذل المساعي مع الفريقين الى أن يصبح كل منهما جاهزاً للتسوية السلمية، وذلك في ضوء اقتناع كل الاطراف اي الفلسطينيين واسرائيل والدول العربية بأن السلام هو الخيار الوحيد الموضوع على الطاولة. وهذا امر جيد في رأي المتابعين الاميركيين انفسهم. فرئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو بدأ يدرك ومعه معظم محيطه السياسي والحزبي، ان اللعب على عامل الزمن قد لا يكون في مصلحة بلاده، فايران تزداد قوة وتجرؤاً، وكذلك "حزب الله" ومعه "حماس" وسائر الاصوليين الفلسطينيين في قطاع غزة. فضلاً عن ان القضية قد تسلك طريقاً مغايراً بعدما بدأت عملية الاعتراف بدولة فلسطين على حدود اراضي 1967 في الاوساط الدولية. كما ان الزمن قد لا يكون في مصلحة الفلسطينيين. اذ لا شيء يمنع، رغم التعاطف الدولي الذي بدأ يظهر باعترافات بدولة فلسطين وإن خجولة حتى الآن، اسرائيل من استغلال ظروف اقليمية ودولية مؤاتية للتخلي عن حل الدولتين وللعمل جدياً على اقامة فلسطين في مكان آخر غير فلسطين.