السلطة الفلسطينية وسلام الإذعان
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
ياسر سعد
من أطرف ردود الفعل والتي أعقبت نشر وثائق ويكيليكس ما جاء على لسان رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بأن السلطة ليس لديها ما تخشاه من الوثائق المسربة؛ لأنها تتكلم بلغة واحدة في العلن وفي الغرف المغلقة. شخصيا أتفق وبشكل كبير مع الرجل في عدم خشيته مما قد ينشر، ذلك لأن تنازلات السلطة القياسية وكمية الصفعات والإهانات العلنية التي تتلقاها أميركيا وإسرائيليا، أضف إلى ذلك تراجعاتها المهينة عن مواقفها وتصريحاتها لا تترك شيئا يمكن أن يقال أو يصرح به سرا. فالسلام المفترض بين السلطة والدولة العبرية والذي كان يوصف "فلسطينيا" بسلام الشجعان، تحول إلى سلام أو بالأحرى استسلام الإذعان والذي يعطي المحتل اليد العليا ويجعل من السلطة الفلسطينية أحد أدواته الفعالة في قمع المقاومة، وتضييع الحقوق الفلسطينية، وتوسيع النفوذ الصهيوني في المنطقة العربية من خلال تسويق التطبيع وثقافة السلام الزائف.
آخر فضائح السلطة الفلسطينية والتي لا تحتاج إلى تسريبات من أي نوع لكشفها، رضوخها للأوامر الصهيونية-الأميركية من خلال إزالة وزارة إعلامها من موقعها الإلكتروني الرسمي، وثيقة كتبها وكيل الوزارة الدكتور المتوكل طه، حول أحقية المسلمين بحائط البراق في القدس الشرقية والذي يطلق عليه اليهود حائط المبكى. الوثيقة كانت أشبه بدراسة علمية جاء فيها "إن حائط البراق هو جزء لا يتجزأ من المسجد الأقصى ومن الحرم القدسي الشريف، وهو وقف إسلامي لعائلة بومدين المغاربية المسلمة". الدراسة استشهدت بآراء علماء إسرائيليين مثل البروفيسور إسرائيل فنكلشتاين رئيس قسم الآثار في جامعة تل أبيب. وزميله دافيد أوسسيشكين بالإضافة إلى الحاخام يهورام مزور رئيس مجلس الجماعة اليهودية التقدمية. وقد أشار كل من فنكلشتاين وسسيشكين إلى أهمية الاعتراف بأن للعرب حقوقا في القدس الشرقية، وشككا في مصداقية يهودية حائط البراق، بل وذهب كل منهما إلى أن مجرد الحديث عن يهودية الحائط وتاريخه يعد عبثا وسخرية، ليس فقط من العرب ولكن من اليهود أنفسهم. وطالبا بضرورة إعادة النظر في هذه القضية برمتها، خاصة مع ملاصقة الحائط للقدس، وتسببه في الكثير من المواجهات مع المصلين المسلمين، وهي المواجهات التي رأى كل منهما أن اندلاعها سيزيد من حالة الاحتقان والغضب بين العرب واليهود بلا أي داع. أما الحاخام يهورام فقد اعترف في العدد الأول من مجلة "بتلم" اليهودية أنه لا يثق إن كانت الصلاة عند حائط المبكى جائزة شرعا أم لا، وشكك في الكثير من النظريات التاريخية والدينية التي تدعي يهودية هذا الحائط، زاعما أن جميع هذه النظريات محل نقاش، ومن الممكن إثبات عدم مصداقية الكثير منها بسهولة شديدة.
بعد نشر المقال-الدراسة طالب المتحدث الرسمي باسم رئاسة الوزراء الإسرائيلية، مارك ريجيف بإزالة المقال من موقع الوزارة الفلسطينية، معللا طلبه هذا بأن المقالة تحريضية، وأنها تؤكد إسلامية الحائط. وطالب ريجيف عباس وفياض بمحاسبة الكاتب بذريعة تحريضه على العنف!
أكثر من ذلك فقد قال ريجيف: "إن مقالة المتوكل تثير تساؤلات حول التزام الحكومة الفلسطينية بعملية السلام". بُعيد التصريح الإسرائيلي بادر المتحدث الرسمي باسم الخارجية الأميركية، بي جي كراولي، إلى عقد مؤتمر صحافي قال فيه: "نحن ندين بشدة هذه التصريحات، ونرفضها رفضا تاما بوصفها خاطئة من منظور الوقائع، ولا تراعي أحاسيس الآخرين، واستفزازية للغاية". وأضاف كراولي "لقد ناقشنا مرارا مع السلطة الفلسطينية ضرورة مكافحة كافة أشكال نزع الشرعية عن إسرائيل، بما في ذلك الارتباط اليهودي التاريخي بالأرض".
دراسة المتوكل وردود الفعل الإسرائيلية والأميركية عليها، ومن بعد إذعان السلطة وسحبها من الموقع وزارة الإعلام له دلالات كثيرة. من أهمها أن مناعة السلطة السياسية منهارة منعدمة وأنها لا تقوى على رفض الأوامر والإملاءات الإسرائيلية، وهي بالتالي غير قادرة ولا تصلح لإدارة المفاوضات وبأية صيغة، وهذا أمر متوقع من سلطة تستمد أسباب بقائها من خلال التنسيق الأمني مع الاحتلال والدعم الغربي لها، كما أن الحادثة تظهر نظرة الاحتلال الدونية لسلطة رام الله وابتزازها تحت ذريعة التحريض على العنف، فهل يمكن لمثل هذه العلاقة أن تنتج سلاما أو اتفاقا؟ أما الولايات المتحدة فلا تبدو طرفا محايدا بقدر ما هي منحازة وبشكل صارخ للصهاينة، بل إن مواقفها تبدو مستنسخة ومقلدة لمواقف الاحتلال. فالحديث عن إسلامية الحائط -من الوجهة العلمية والتاريخية- تزعج إدارة أوباما والتي تتحدث بصفاقة عن يهودية الدولة العبرية، كما أن تلك الإدارة تغفل تماما أن القدس الشرقية أرض محتلة وبحسب القانون الدولي.
لا نرى للسلطة الفلسطينية حزما ولا عزما إلا في مواجهة المقاومين وفي التصدي للمقاومة، فيما تتعامل بصغار وانكسار مع الاحتلال وحليفه الأميركي. فهل هناك من يحتاج بعد ذلك لوثائق ويكيليكس أو لغيرها للاطلاع على أسرار السلطة، وهل بعد هذه الفضائح من فضائح أو من مهازل؟!