جريدة الجرائد

هل يُسقط "حزب الله" الحكومة في مجلس النواب ؟

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

سركيس نعوم

لا يستطيع "حزب الله" وفريق 8 آذار الذي يقود ان يرغم رئيس الوزراء سعد الحريري والغالبية المنتمية الى فريق 14 آذار على مطلبيه المتعلقين بإدراج ملف "شهود الزور" بنداً اول في جدول اعمال الجلسة المقبلة لمجلس الوزراء وبالتصويت على إحالته على المجلس العدلي في حال تعذُّر التوافق على ذلك. وأسباب ذلك كثيرة كما يقول قريبون من الغالبية ابرزها اثنان: واحد، يتعلق بصلاحية وضع جدول اعمال جلسات مجلس الوزراء، وقد ناطها الدستور برئيس الحكومة ولكن بعد التشاور مع رئيس الجمهورية الذي اعطاه الدستور الحق في طرح اي موضوع للبحث من خارج هذا الجدول. والآخر، يتعلق بقدرة رئيس الحكومة على تعطيل الجلسة بانسحابه منها مع وزراء الغالبية. هذه الامور كلها يعرفها قادة الحزب ونوابه. لذلك فإن السؤال الذي يطرحه كثيرون هو: لماذا يصر على مطلب التصويت في حال تعذَّر التوافق؟ والجواب عن ذلك يتضمن اكثر من شق في رأي متابعي الاوضاع السياسية في لبنان. الشق الاول، يشير الى ان الاصرار على المطلب المذكور مرفقاً بتصعيد سياسي وبجملة اتهامات لفريق 14 آذار ومجموعة من التهديدات الواضحة والمبطّنة يهدف الى اخافة فريق الغالبية، ودفع العربية السعودية الداخلة ومنذ مدة في تنسيق مع سوريا لحل هذه المشكلة على نحو يرضي الاخيرة وحلفاءها اللبنانيين ايضاً الى مضاعفة الضغوط على الغالبية الحليفة لها وذلك بغية قبولها باحالة "شهود الزور" على القضاء العدلي واتخاذها لاحقا قراراً برفض "المحكمة الخاصة بلبنان" ... اما الشق الثاني من الجواب، فيشير الى ان الإصرار على التصويت قد يكون ناجماً عن امرين. اولهما، الاقتناع بأن فريق 8 آذار صار مالكاً للغالبية في مجلس الوزراء بعد انقلاب الزعيم الدرزي الابرز وليد جنبلاط وتحوله حليفا لـ"حزب الله" وسوريا، وفي ظل احتمال انقسام وزراء رئيس الجمهورية بين الغالبية والمعارضة او تأييد معظمهم للاخيرة. وثانيهما، الرغبة في اختبار نهائية الانقلاب السياسي الجنبلاطي ووجهة الاصطفاف التي اعتمدها رئيس الجمهورية بين 8 و14 آذار. وهي رغبة قد تراود الحزب كما قد تراود رئيس الحكومة وفريقه وخصوصاً اذا كان "واثقاً" نتيجة وشوشة ما محلية او اقليمية انه لن يخسر في التصويت كما لن يربح.
في اختصار يعتقد متابعو الاوضاع في لبنان ان تعثّر السعودية وسوريا في فرض تسوية على حلفائهما في لبنان حول المحكمة انطلاقاً من ملف "شهود الزور"، مع تعذُّر حسم ملف المحكمة بجوانبه المختلفة في مجلس الوزراء، سيدفع "حزب الله" وفريق 8 آذار الذي يقود الى خوض المعركة في مجلس النواب. ويعني ذلك انه سيحاول اسقاط الحكومة فيها وخصوصاً اذا تأكد ومن جراء ضغوطه السياسية وغير السياسية وضغوط حليفيه السوري والايراني وعدم فاعلية الدعم السعودي والاميركي ان الغالبية النيابية "صارت في جيبه". وهذا امر ممكن، ذلك ان طرح الثقة بالحكومة من اي جهة اتى (من رئيسها او من النواب) تكفيه جلسة نصابها نصف عدد النواب زائد واحداً. فضلاً عن ان اسقاط الحكومة يتطلب نصف هذه الاكثرية المطلقة فقط زائد واحدا. الا ان الاسقاط وحده لا يفيد. اذ لا بد ان ترافقه محاولة تأليف حكومة جديدة. وهذا الامر قد لا يكون صعباً من الناحية النظرية، لكنه من الناحية العملية قد لا يكون بالسهولة الكبيرة التي يظنها البعض. والمكمن الاول للصعوبة هو شخصية الرئيس الجديد للحكومة الجديدة فهل يعود "حزب الله" وفريقه اللبناني وحليفاه الاقليميان الى ترشيح سعد الحريري زعيم "المستقبل" و14 آذار لهذا الموقع، وذلك بغية توجيه رسالة الى السنّة في لبنان والعالم العربي والى السعودية تحديداً حرصاً على الابتعاد عن الفتنة المذهبية وعلى استمرار المشاركة في حكومة وحدة وطنية؟ وهل سيكون الحزب مستعداً لاعطاء 14 آذار ثلثاً معطلاً في الحكومة الجديدة ام سيقول ان لبنان دخل مرحلة جديدة لا بد من مراعاتها؟ وهل سيقبل الحريري رئاسة حكومة غالبيتها ضده وضد فريقه 14 آذار الذي يقود؟ وما هي الانعكاسات العملية للتغيير الحكومي على الشارع بل على الاستقرار الامني البالغ الهشاشة وليس السياسي المفقود ومن زمان؟
طبعاً لا يملك احد اجوبة واضحة ومحددة عن كل هذه الاسئلة حتى الآن. الا ان ذلك لا يعني ان فكرة فرط الحكومة مغامرة لن يلجأ اليها "حزب الله" لأن ما يريده لا يستطيع ان يقدمه سوى الحريري. وهذه الفكرة صحيحة نظرياً لكنها ليست كذلك عملياً، لأن ما يهم الحزب وحلفاءه في الداخل والخارج هو التخلص من "المحكمة" بقرار رسمي من دولة لبنان بواسطة مؤسساته الشرعية وهي هنا مجلس الوزراء ومجلس النواب. واهمية الحريري تكمن قانوناً في كونه زعيماً لغالبية نيابية، وعندما يفقدها، وبصرف النظر عن الوسائل التي ستُعتمد لذلك، فانه سيحصل على ما يريد من الغالبية الحكومية والنيابية. طبعاً لا يعني ذلك ان الغالبية الجديدة ستكون ميثاقية، لأن التمثيل الشعبي السنّي فيها سيكون شبه معدوم مع الاحترام الكامل لكل القيادات السنية المنضوية في لواء 8 آذار.
في اختصار لن يفرّط "حزب الله" سواء في الحكومة الحالية او في غيرها بوجوده فيها شريكاً اساسياً وقادراً في الوقت نفسه على تعطيلها وشلها. هذا هدف اساسي له لن يتخلى عنه الا لتحقيق هدف اكبر منه اذا توافرت ظروف ذلك. وعلى الجميع ان يعرفوا هذه الحقيقة.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف