إيران والمجموعة الدولية... وقضايا أخرى
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
وليد نويهض
انتهت مفاوضات المجموعة 5 + 1 مع إيران في جنيف إلى الإعلان عن الرغبة في استئناف الحوار في اسطنبول في نهاية يناير/ كانون الثاني المقبل. إعلان التأجيل عن التفاهم ترافق مع تراشق إعلامي ادعى فيه الطرف الإيراني "الانتصار" وعدم خضوعه لشروط الغرب مقابل ادعاء منسقة الشئون الخارجية في الاتحاد الأوروبي كاترين أشتون عن نجاح دول المجموعة في جرجرة إيران إلى التفاوض بسبب خوفها من ثقل العقوبات على اقتصادها.
الطرفان ادعيا الانتصار الجزئي. فإيران تقول إنها لم تخضع للابتزاز ورفضت أن يكون مشروع التخصيب النووي البند الوحيد في الحوار. والمجموعة تقول إنها تجاوزت حدود المقاطعة الإيرانية واستدرجت طهران إلى التفاوض بوصفه الخيار الوحيد الذي تمتلكه وإلا ستواجه حزمة جديدة من العقوبات.
ادعاء الانتصار يطرح السؤال بشأن حيثياته. ماذا يعني الانتصار حتى يمكن الاعتماد على معطياته لتأكيد النجاح في جانب والفشل في جانب؟ هناك ثلاثة أدلة تؤشر مجتمعة على صحة التوجه أو عدمه. الأول يتعلق بظرف المكان، والثاني بظرف الزمان، والثالث بجدول الأعمال.
من ناحية المكان كانت المجموعة تفضل أن تعقد جلسات الحوار في فيينا بوصفها عاصمة الوكالة الدولية للطاقة الذرية. فالمكان له دلالاته لكونه يؤكد على بند واحد لا غير وهو إخضاع البرنامج النووي لإيران للنقاش التفصيلي وعدم التطرق إلى قضايا أخرى. إيران رفضت فيينا لاعتبارات معنوية واقترحت أن تكون اسطنبول هي المدينة التي ترعى التفاوض. المكان هنا له دلالته الرمزية لكون اسطنبول محايدة ولا تتدخل ولا تشترك وإنما تستقبل كبلد مضيف على غرار المفاوضات السورية - الإسرائيلية غير المباشرة. كذلك تصبح اسطنبول هي المكان الذي يرجح فتح ملفات أخرى لا صلة لها بمشروع التخصيب ما يمهد الطريق لدخول إيران في نادي دول الكبار وبوصفها الشريك الإقليمي لمختلف القضايا الساخنة النووية وغير النووية. رفضت المجموعة فكرة اسطنبول واقترحت جنيف لتكون هي البديل المكاني عن المدينتين.
جنيف كانت الحل الوسط بين الضدين. فهي يمكن أن تكون مكان التفاوض بشأن التخصيب النووي وأيضاً يمكن أن يتوسع الحوار ليشمل قضايا أخرى لا علاقة لها بالبرنامج الإيراني. وهكذا تم التوافق المبدئي على جنيف حتى لا يقال إن أحد الطرفين هزم أو تراجع مادام الموضوع الرئيس سيكون على رأس جدول أعمال التفاوض، هو الملف النووي.
من ناحية الزمان شكل الاختلاف على التوقيت نقطة جدل بين الطرفين. فالجانب الذي يحدد الموعد يكون رمزياً هو الطرف الأقوى في المعادلة، لذلك تجنبت طهران أن تعطي موافقة مباشرة على موعد صارم تحدده دول المجموعة. ولجأت إلى اعتماد منهج المواعيد المفتوحة على الأشهر والأيام من خلال تحديد اقتراحات متفرقة تكون مناسبة من دون ضرورة للتقيد الحرفي بتعيين الشهر واليوم. وهكذا أدت الاتصالات "الفنية" والترجيحات "التقنية" إلى التوافق على يومي 6 و7 ديسمبر/ كانون الأول في جنيف.
من ناحية جدول الأعمال ظهر الخلاف قوياً بين الطرفين. إيران قالت إنها ستبحث في كل القضايا ماعدا الملف النووي لأنه حق مشروع ولا علاقة للدول الكبرى به. المجموعة الدولية قالت إنها لن تبحث سوى الملف النووي بوصفه البند الوحيد على جدول الأعمال وأنه لا يوجد لديها قضية أخرى قابلة للبحث مع الطرف الإيراني.
ضمن هذه الأطر الثلاثة جرت مفاوضات جنيف بين المجموعة الدولية وإيران التي انتهت على تأجيل الحوار إلى موعد غير محدد باليوم ولكنه مشروط بنهاية الشهر المقبل على أن يتم عقده في اسطنبول. وبناء على هذه النهاية الغامضة أعلنت إيران "الانتصار" لأنها نجحت في نقل مكان التفاوض إلى مدينة أخرى غير فيينا وجنيف، كذلك نجحت في عدم الخضوع لموعد محدد بل فترة زمنية مفتوحة، وأخيراً استطاعت أن تقنع المجموعة الدولية في بحث أمور أخرى غير الملف النووي وأضافتها على جدول الأعمال.
المجموعة الدولية حاولت إخراج المسألة في إطار مسرحي مضاد حين أكدت أنها حققت مكاسب كبيرة وانتزعت تراجعات من الجانب الإيراني الذي وافق على التفاوض في شئون حساسة تتصل مباشرة بالملف النووي وحجم الوقود ومعدل التبادل وأخيراً القبول بالشروط خوفاً من ضغوط حزمة العقوبات واحتمال تأثيرها على الاستثمار والنمو الاقتصادي.
كلام الوزيرة الأوروبية (أشتون) أثار غضب كبير المفاوضين النوويين سعيد جليلي واتهم منسقة شئون الاتحاد الخارجية بالتكبر والتعالي على الحقائق وهدد بكشف المحادثات من خلال نشر أشرطة محاضر الجلسات التي تؤشر إلى أن المجموعة الأوروبية ناقشت وتحاورت في مجموعة قضايا لا علاقة لها بالملف النووي. التهديد الإيراني بنشر الأشرطة أدى إلى تراجع الوزيرة الأوروبية واعترافها بأن المجموعة الدولية تطرقت إلى قضايا أخرى غير مشروع التخصيب النووي. ومجرد الاعتراف يعتبر نقطة لمصلحة الجانب الإيراني إذ نجح في توسيع جدول الأعمال وتنويع بنوده وعدم اختصارها في نقطة واحدة.
اعتراف أشتون بوجود "قضايا أخرى" على جدول أعمال مفاوضات جنيف يعتبر فعلاً فضيحة للمجموعة الدولية (5 + 1) وخطوة تراجعية علنية غير مسبوقة في إطار مفاوضات توقفت قبل أكثر من سنة وظهر خلالها قرار العقوبات وما تلاه من إجراءات منفردة قامت بها الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي. إلى الفضيحة السياسية يعتبر الاعتراف الضمني بوجود "قضايا أخرى" بداية تراجع في الموقف الدولي وهو ما وجدت فيه إيران إشارة إلى الانتصار وعجز الدول الكبرى عن كسر ذراعها.
بغض النظر عن التأويلات والتفسيرات والتبريرات والذرائع والمبالغات فإن الخلاصة الغامضة التي يمكن الخروج بها لتقييم نتائج مفاوضات جنيف الأخيرة أنها جاءت في حدود معينة لمصلحة إيران سواء على مستوى المكان (اسطنبول) أو ظرف الزمان (موعد مفتوح) أو جدول الأعمال (قضايا أخرى غير النووي).
يبقى السؤال ما هي هذه "القضايا الأخرى" التي اعترفت بها الوزيرة أشتون؟ الجواب لا يحتاج إلى موقع "ويكيليكس" حتى يكشف أسراره. المسألة تحتاج إلى فرضيات تتوقع الاحتمالات ومنها ما يكون على الأمد القريب وقد يعرف بعد انتهاء مفاوضات اسطنبول في نهاية يناير، ومنها ما يكون على الأمد البعيد سيعرف لاحقاً في ضوء مضاعفات التموضع الأميركي وإعادة الانتشار. فهل هناك صفقة سياسية يتم بها تبادل الوقود النووي مقابل "قضايا أخرى" أم هناك تقاطعات تبدأ بتجميد ملف التخصيب مقابل رفع العقوبات على أن تكون "قضايا أخرى" محطة حوار تضاف إلى جدول الأعمال في فترة زمنية تأتي بعد الخروج من مفاوضات اسطنبول؟ التوافقات الأخرى غير مرئية في المشهد ولكن يمكن رصدها ميدانياً على الأرض سواء في العراق أو أفغانستان أو الخليج وربما في أمكنة أخرى أبعد من الجغرافيا السياسية لطهران. فهل هذا هو المقصود بقضايا أخرى أم هناك على جدول التفاوض أجندة أخرى غير المعلن عن مضمونها سواء في فيينا أو جنيف أو اسطنبول؟ إنه مجرد سؤال