عصا الديمقراطية الكويتية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
سلمان الدوسري
كم أنتِ مظلومة أيتها الديمقراطية. كم من المآسي ترتكب باسمك. كم هو سهل جدا ضربك بسياط موجعة. والحجج جاهزة وحاضرة، أو قل لا داعي لهذه الحجج أصلا. وها هي ديمقراطية الكويت ماثلة أمامنا كشاهد عيان. فخلال ما يقرب من نصف قرن من تاريخ الدستور الكويتي، الذي لا يوجد له نظير عربيا، تقلبت الحياة الدستورية في كل الاتجاهات. خسر فيها الشعب الكويتي الشيء الكثير، أما الخاسر الأكبر بلا شك فهو الديمقراطية، بكل مكوناتها، وتفاصيلها، حتى غدت مكروهة والحديث عنها غير محبب بين أبناء الخليج. تصوروا!
وإذا كانت خسائر الكويتيين من ديمقراطيتهم لا تحتاج إلى تفسيرات إضافية، فإن شعبية الإصلاحات في الشارع الخليجي تراجعت بشكل خطير، ومثير، في السنوات الأخيرة. وأصبح مجرد الحديث عنها أشبه بالبعبع لشعوب المنطقة، فعصا الديمقراطية في الكويت تضرب بقسوة في كل أنحاء الخليج، من الكويت إلى صور العمانية، ومن جدة على البحر الأحمر إلى العاصمة القطرية، مرورا بأبوظبي ودبي، كلها غدت ترتعب من ذكر كلمة الديمقراطية. فما يحدث في الكويت، أو تحديدا ممارسات مجلس الأمة، جعل مجرد الحديث عن إصلاحات سياسية نوعا من مواجهة مَدٍّ لا آخر له، وطريقا مظلما لا رفيق معه.
لاحظوا أن الحديث هنا عن فكرة الديمقراطية التدريجية، ولم يتحدث أحد عن ديمقراطية بالشكل الكامل لها. مع التذكير أنه لا توجد أصلا ديمقراطية بلا حدود، ولعل قضية مؤسس "ويكيليكس" أكبر مثال على أن الحريات لا تكون مطلقة، حتى في المجتمعات المتقدمة. لكن شريحة واسعة من الخليجيين تطرفوا في العداء مع فكرة الحديث عن أية إصلاحات سياسية ممكنة. وهكذا أصبحت النظرة إلى الديمقراطية في الخليج لا تتناسب مع تطور المجتمعات بها، والسبب معروف، إنها التجربة الكويتية.
المحزن المبكي أن هذه البيئة الطاردة للديمقراطية في بعض الشارع الخليجي لا تأتي من المؤسسات الرسمية، شأنها شأن دول العالم أجمع، التي تسعى للتخفيف من سرعة وتيرة الإصلاحات، بل إنها أتت من أبناء الخليج أنفسهم، وهي حاله لن تجد لها مثيلا في العالم، فالمواطنون هنا، اترك عنك النخبة، مَلَكيون أكثر من الملك، لا يقبلون بالحديث، ولا أقول المطالبة، بنوع من الإصلاحات، وصار طبيعيا أن يعتبر رجل الشارع العادي، وفي أحيان حتى المثقف، وبلا وعي، هذه الأحاديث غير ذات جدوى، ولا معنى لها، وهناك من يقبض بقوة على مكابح أي خطوة إلى الأمام. فهل تستحق فكرة الديمقراطية هذا الجحود من أبناء الخليج؟
الكثيرون يرون في التجربة الديمقراطية الكويتية مثلا لا يودّون الاحتذاء به. يعتبرونها لا تستحق أن تتكرر في دولهم. الأعذار والمبررات تأتيك بسرعة البرق: ألا ترى ما يحدث في الكويت؟ هل تريد أن نعود إلى الخلف بدلا من المضي إلى الأمام؟ ماذا استفادت الكويت من تجربتها الديمقراطية؟ ألا يتحسر الكويتيون على سنينهم التي مضت هدرا وبلادهم في دوامة مجلس الأمة لم تستطع الخروج منه؟ أليست الكويت هي التي لم تستطع مسايرة جيرانها الذين لا يتمتعون بعُشر ديمقراطية الكويت؟ ألم تكن الكويت، ومنذ عقود، تسبق كل جيرانها، واليوم أصبحت خلفهم بمسافات شاسعة؟ ويخلص الجميع، أخيرا، إلى أن الديمقراطية لا تتناسب مع منطقتنا، والأسلم لنا أن تواصل سفينة التنمية انطلاقها بلا مرساة ثقيلة تجرها إلى الأسفل، كما في الكويت!
إذن تحولت التجربة الديمقراطية الكويتية إلى عصا يضرب بها أهل الخليج أنفسهم، وأنها فضفاضة لا يمكن أن تفصل على مقاسنا. وكأن ألبانيا وجنوب أفريقيا وبنغلاديش، وغيرها من دول العالم الثالث، تستطيع الولوج إلى عالم الديمقراطية، وشعوبها تستطيع التعامل بطريقة حضارية، مع مكتسباتها السياسية بمسؤولية، ووطنية، أكثر مما يمكن أن يقوم به الخليجيون. عجبا لهذا المنطق الغريب، الذي لم نجده إلا من أهلنا في الخليج.
ربما ليس هذا هو الوقت المناسب للتعليق على أزمة الديمقراطية المستمرة في الكويت، والتي لن يأتي حلها إلا بأيدي أبناء الكويت فقط، فليس مطلوبا منهم إلا تعزيز الحريات والاحتكام إلى الدستور في كل الأزمات. لكني أعرج إلى الحديث عن الدستور الكويتي، الذي يعد أكبر المكتسبات في تاريخ الكويتيين، وهدية قيمة وثمينة تستحق تقديرا أفضل بكثير مما نراه، فهذا الدستور يعتبر متقدما بكل المقاييس، ليس عندما وضع عام 1962، بل هو متقدم حتى ونحن في عام 2010، ويكفي قراءة المادة 66 منه لنعرف كيف أعطى الكويتيين مكانة يحسدهم الكثيرون عليها من الدول العربية، وصلاحيات يتمنى الجميع الوصول إلى جزء منها، ومع هذا فإن العيب لم يكن من الدستور ذاته، أو من مستوى الحريات المرتفع فيه، بل العيب في أولئك الذين تعاملوا مع الدستور بالقطعة، وبحثا عن مصالح آنية، فهل نلوم الديمقراطية ونترك من تعامل معها بخطيئة كبرى، وعلق على مشجبها مصالحه الخاصة؟
ربما سرعة قطار التنمية ونجاحه في ترسيخ فكرة الاحتكام إلى الحكومات وحدها، لا المشاركة الشعبية، هي من عزز من طرد فكرة الإصلاحات عن شريحة واسعة من أبناء الخليج، والاكتفاء بموقف المتفرج في عملية المشاركة الشعبية، وساهم في تعزيز هذا الانطباع السلبي، التجاذبات الحادة بين النواب الكويتيين، التي أساءت إلى سمعة تكرار التجربة، أو شيء منها، في دول الخليج، حتى أصبح القول المأثور "نحونا ولا علينا" هو الأكثر تداولا لشرح الموقف من الديمقراطية، وربطه المستمر بالتجربة الكويتية، التي يراها كثيرون مقياسا لأي تجربة أخرى مقبلة، حاكمين عليها بالفشل المسبق، فقط لأن التجربة لم تنجح في الكويت. آه.. كم من الخطايا ترتكب باسمك أيتها الديمقراطية.
التعليقات
kuwait
abu samra -الاخ سلمان أذا قارنت الانفتاح القليل وبعض من حرية الصخافة هنا وهناك وتحت عباءة الامير المفدى الذي يقول انه حامي الدستور وأسميته بالدميقراطية الكويتية فأنك كما تضرب الفيل بريش ؟ الهم اذا قارنت الديكتاتوريات العربية بالانفتاح المخجل الكويتي ذات البرلمان الاعرج الذي يغلق ويعطل متى ما قرر الامير. عرب ودميقراطية اهانة لا باب المقارنة . الكتابة عن هذا الموضوع هو مضيعة الوقت .
غمامة صيف
عادل -من أساء للديموقراطيه هو مفهوم الحكومه لها وليس طرف اخر اذا فلا خوف عليها من الشعب ولا حتى الحكومه اذا اصبحت منسجمه مع روح الدستور ومع تطلعات الشعب٠ وهذا الوضع الحالي الغير مألوف لن يدوم او يؤخذ كمثال سيئ لحياة واستمرار تجربة الديموقراطيه في الكويت والدول الاخرى٠ ;