بين آسانج وآل كابون ودروس من «ويكيليكس»
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
محمد المزعل
قبل بضعة أيام وخلال برنامج إخباري على الهواء في محطة إذاعة عربية، قال متحدث على الهاتف إن وضع جوليان آسانج الحالي مطابق لما عاشه آل كابون.
ربما الإشارة غريبة جدا. لكنها لا تخلو حقيقة من بعض المنطق. آسانج هو مؤسس موقع "ويكيليكس" الذي كشف مئات الآلاف من الوثائق السرية الأمريكية "وفضح عبرها مواقف الآخرين" والتي تنشر على الانترنت عبر وسائل إعلام كبيرة مثل "نيويورك تايمز" و "غارديان". لا تحاول اليوم البحث عن موقع "ويكيليكس" فقد أغلق في معظم دول العالم، وكذلك مئات المواقع الأخرى التي فتحت في ما بعد لتجاوز هذه الإجراءات. أما آلفونس غابرييل كابون "الذي مات في العام 1947" فقد كان زعيم الإجرام الأشهر في تاريخ الولايات المتحدة.
لم يكن المتحدث بالطبع يلمح إلى أن آسانج زعيم عصابة إجرامية. لكنه كان يشير إلى أن آل كابون اقترف كل جريمة وردت في كتب القانون من الرشوة وإدارة شبكات دعارة إلى تهريب الكحول والقتل لكنه لم يحاكم إلا على مخالفة يتيمة هي التهرب من الضرائب. لم يتم إثبات أي جريمة أخرى عليه. وحكم عليه بالسجن 11 عامًا في السجن الشهير "والمخيف" الكاتراز.
من جانبه، آسانج قد اتهم بكل أنواع التهم السياسية والفكرية. من التجسس إلى تعريض حياة الآلاف للخطر إلى انتهاك الخصوصية. وربما الخيانة أيضا. لكنه لم يقبض عليه إلا بتهم "تحرش جنسي" "وليس الاغتصاب". كثيرون يعتبرون أن التهم ملفقة وتحمل دوافع "سياسية". وذكرت بعض التقارير الصحفية "ديلي ميل البريطانية 7 ديسمبر" أن وثائق المحكمة تؤكد أن المرأتين اللتين تقفان وراء الاتهام كانتا "شريكتين بالرضا" لآسانج خلال مغامراته الليلية في ستوكهولم والتي كانت سببًا في متاعبه القانونية اليوم. وتوضح الوثائق أن كلا المرأتين سعتا بشدة إلى لقاء آسانج وحتى بعد اللقاءين "أساس التهم" عبرتا عن سعادتهما بلقائه إلى أصدقائهما أو عبر "تويتر"، ما يشير إلى عزمهما على اتهامه بالتحرش أو إرغامهما على الجنس كان قرارًا اتخذ بعد ذلك بأيام. وهو أمر ينفي على الأقل منطقيًا وقوع ضرر يتوجب الشكوى القانوينة.
ربما هو فعلاً مذنب بما يتهم به. وربما تتم تبرئته. ولكن التطابق الذي تحدث عنه ذلك المحلل على الراديو ليس بالدرس "التاريخي" الوحيد الذي يمكن استخلاصه من ملحمة "ويكيليكس" وتداعياتها. هناك دروس وحقائق كثيرة يمكن استخلاصها، بعضها يخص الدبلوماسيين الأمريكيين وبعضها دول أخرى. وبعض منها شخصي، يخصك أنت وأنا. منها:
1- تعتمد الإدارة الأمريكية في عمل خططها وتشكيل رؤيتها للعالم على تحليل واستنتاجات دبلوماسيين بعضهم يفتقر إلى الخبرة وبعض آخر لا يفقه ما يتحدث عنه. ولا يعرف خصوصيا المحيط الذي يعمل فيه. لذلك حين يكتب دبلوماسي أمريكي أن روبرت موغابي، زعيم زيمبابوي لعقود طويلة، "عجوز مجنون" فإن ذلك لا بد أن يكون صحيحًا. عدد كبير من الدبلوماسيين الأمريكيين يبدو في الوثائق المسربة غير قادر على تحديد أي مشكلة. والبعض الآخر يناقض معلومات بعثها دبلوماسيون آخرون، لا سيما في ما يخص الشرق الأوسط. برقية دبلوماسية تصف مثلاً الرئيس علي عبدالله صالح بالرجل "القوي، المتسلط". وفي برقية أخرى يرى مسؤول استخباراتي أن الرئيس اليمني "فقد القدرة على السيطرة". إن الحكومات الأجنبية يجب أن تشكك في سلامة الحكم الأمريكي على الأمور وربما تطلب أدلة على كل تصريح أمريكي .. كيف؟ لا أعرف.
2- يبدو أن أكثر أفلام هوليوود، التي اعترضنا عليها طويلاً والتي تصور قادة عربًا وأفارقة بشكل كاريكاتوري وكأنهم شخصيات خرجت للتو من كتاب "ألف ليلة وليلة"، كتبت من قبل الدبلوماسيين الأمريكيين المنتشرين في المنطقة. ولكن أشك كثيرًا في أن أيًا منهم سيحصل على الاوسكار.
3- إن واشنطن كثيرًا ما ضغطت على دول، اعتبرتها البرقيات المسربة "دولاً سرية" أو "شمولية"، لتفتح نوافذها للهواء أو لتطبيق مباديء الشفافية. لكن الحملة على "ويكيليكس" أثبتت أن الولايات المتحدة نفسها لا تحب الشفافية في ما يتعلق بمحادثاتها مع الدول الاخرى. هل شربت الإدارة من نفس الكأس؟ ربما. المؤكد أنك لا تستطيع إدانة الضغط الصيني على "غوغل" بينما أنت تغلق آلاف المواقع التي تناصر "ويكيليكس".
4- النقطة السابقة يمكن قراءتها ثانية مع كتابة اسم أي دول أوروبية محل "واشنطن".
5- عودة إلى الولايات المتحدة: من الدروس المهمة للحكومات الأخرى، أنه عندما يقابل مسؤولو هذه الحكومات دبلوماسيين أو مبعوثين أمريكيين فليطلبوا منهم قبل كل شيء أن لا يحملوا إلى المقابلة دفاتر أو أقلاما. وليتركوا بالمناسبة هواتفهم النقالة عند الباب.
6- العدالة الغربية "هل يمكن قول ذلك؟ ربما.. ما دام البعض يجيز يستخدم مصطلح العدالة العربية أو العقل العربي" سريعة جدا وفعالة متى ما أرادت الولايات المتحدة ذلك. فصور وأسماء وسيرة حياة العشرات ممن كانوا وراء اغتيال محمود المبحوح "هل يتذكر أحد قائد حماس الذي وجد مقتولاً في فندق في دبي في يناير الماضي؟" منشورة على موقع الانتربول منذ حوالي سنة. لكن أحدًا في أوروبا أو الولايات المتحدة لم يحرك ساكنًا لمساعدة الشرطة في دبي للقبض على أي منهم. ولكن في خلال يومين من إعلان الانتربول إصدار أمر بالقبض على جوليان آسانج، بات الرجل خلف القضبان في زنزانة انفرادية في أحد سجون بريطانيا الباردة. أكثر من ذلك؟ نعم. فآرييل شارون مطلوب في أكثر من دولة أوروبية منذ سنوات طويلة بتهم ارتكاب جرائم ضد الانسانية بسبب مجازره ضد أطفال العرب في صبرا وشاتيلا وجنين. لكن أوامر القبض تلك تعفنت في أدراج مؤسسات "العدالة" في بلجيكا وفرنسا وحتى بريطانيا.
7- أخيرًا درس أكثر جدية. إذا كانت مجموعة "مجهولون" المناصرة لصاحب موقع "ويكيليكس" استطاعت اختراق مواقع شركات عابرة للقارات مثل "ماستركارد" و"فيزا"، فهل تعتقد أن كمبيوترك أو كمبيوتري أنا في مأمن بينما نتحدث على "سكايب" أو تطالع مواقع "خاصة جدا" آخر الليل؟ فكر ثانية...