"اخوان" مصر ليسوا مثل "اخوان" تركيا ؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
سركيس نعوم
لم ينجح الرئيس المصري حسني مبارك في إقناع "الاسلاميين" و"الديموقراطيين" في مصر وخارجها بأن الانتخابات التشريعية الاخيرة التي اجريت في مصر عكست اتجاهات غالبية الناخبين في بلاده. والسبب الرئيسي لعدم نجاحه هذا يكمن في ان الشعب المصري مسلم ومتديّن وإن لم يكن بغالبيته "اصوليا" على النحو المعروف اليوم اي مؤمناً بالعنف وسيلة لتحقيق الاهداف، ومعتمداً نهج تكفير الآخرين من مسلمين وغير مسلمين. ويكمن ايضاً في ان حركة "الاخوان المسلمين" التي انتشرت عربياً واسلامياً ودولياً تأسست في مصر وعلى يد مصري معروف. ويكمن ثالثاً في ان الحركة المذكورة نجحت، بعد وفاة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر ربه الذي حاربته فحاربها وقمعها، في تثبيت شعبيتها وخصوصاً بعدما تعمّد خليفته الاستعانة بها وبالاسلاميين عموماً لبناء عهده، ويكمن رابعاً في ان الحركة نجحت مع الرئيس حسني مبارك في تعزيز شعبيتها رغم تشدده، حيالها وخصوصاً في السنين العشر الاخيرة، اولاً لأن الادارة الاميركية السابقة رفعت شعار تعميم الديموقراطية في العالم الثالث غير الديموقراطي. وثانياً، لأن مبارك لم يمانع في اعطاء انطباع انه بدأ سلوك النهج الديموقراطي اقتناعاً منه بأن غالبية الشعب ليست مع الحركة، وبأن مؤسسات الدولة كفيلة بمعالجة اي تهديد اخواني سياسي للنظام الحاكم في مصر. فكانت الانتخابات التشريعية قبل الاخيرة، التي شارك فيها "الاخوان" المستقلون بموافقة من مبارك رغم حظر القانون تنظيمهم كونه دينياً والتي حققوا في دورتها الاولى نصراً مهماً تمثل بحصولهم على 88 مقعداً في مجلس الشعب. طبعاً ما حصل بعد ذلك معروف. اذ عادت السلطة الى ممارساتها السابقة، فلم ينجح احد من هؤلاء في الدورة الثانية. اما في الانتخابات الاخيرة فكان قرار النظام واضحاً بضرورة منع "الاخوان" من تحقيق اي نجاح وإن رمزياً. والأسباب كثيرة منها شعور اركانه بنوع من الضعف، والتساهل هو للاقوياء فقط. وبرر هذا الموقف بأن "الاخوان" تنظيم محظور لأن الاحزاب الدينية ممنوعة في مصر، ولأن مرشحيه قدموا ترشيحاتهم باسمه رسمياً وليس كمستقلين كما فعلوا في المرة السابقة. ويكمن عدم النجاح اخيراً في صعوبة اقناع المسلمين العرب وغير العرب بان "الاخوان المسلمين" باتوا عاجزين بسبب تدني شعبيتهم او انعدامها عن ايصال بضعة نواب الى مجلس الشعب.
هل تعترف القيادة المصرية او المسؤولون الكبار فيها بأن "قمعاً انتخابياً" مورس على حركة "الاخوان المسلمين" منعها من النجاح في الدورة الاولى، ودفعها مع آخرين وفي مقدمهم حزب "الوفد" العريق الى الانسحاب من الدورة الثانية؟
طبعاً لم يعترفوا بذلك، ولن يعترفوا به، وهذا امر طبيعي. لكن البعض في الاوساط الاعلامية والسياسية القريبة من النظام المصري يعترف عندما يتساءل امامه محبون لمصر عن الذي يجري وقد يجري فيها، ولماذا لا يستوعب النظام "الاخوان" بحيث يصبحون جزءاً منه، يعترف بوجود نوع من القرار غير الرسمي باضعاف "الاخوان" لاسباب تتعلق بالانتخابات الرئاسية المقبلة، لخوفٍ ولوهن ظاهر في النظام ولابتعاد مصر عن الدور الريادي العربي والافريقي والاسلامي، وكذلك لأن في مصر مسلمين بعشرات الملايين ومسيحيين اقباطاً بالملايين. واي "شرعنة" لحزب ديني مسلم سيؤدي حتما الى "شرعنة" حزب ديني مسيحي، وستدخل البلاد في صراع ديني يهدد ليس استقرارها السياسي والامني واقتصادها فحسب بل ربما وحدتها. وهذا خط احمر.
الا ان رد محبي مصر على ذلك تركز على تفهم الدافع الوطني وعلى ايضاح ان هناك طريقة اخرى لمواجهة هذه المشكلة. وهي تشجيع الاحزاب المصرية غير الدينية ومساعدتها، وممارسة الديموقراطية في حدها الادنى. وبذلك يكون امام الشعب المصري خيارات متنوعة ولا يبقى محصوراً بين خيارين فقط. الاول، حركة "الاخوان" المتعصبة دينياً والقابلة للانتقال من الاعتدال الذي تقول انه سياستها، الى التطرف الذي يهدد العرب والمسلمين. والثاني، النظام الحاكم، غير الديموقراطي، الذي يؤمن الاستقرار الامني وربما الاقتصادي، لكنه لا يمارس الحرية السياسية الا في حدود ضيقة جداً.
طبعاً كل ذلك يبقى كلاماً. فالتغيير الفعلي في مصر اي الديموقراطي بحسب الديموقراطيين او الاسلامي بحسب الاسلاميين ومنهم "الاخوان" يبدو صعباً في المستقبل المنظور. فالنظام القائم باق قوياً رغم وهن سيده لاسباب عدة منها استنزاف الولايات الخمس او الست له، ورغم التآكل في الداخل، لأن الجيش المؤسسة الاقوى او ربما الحزب الاقوى ممسك بكل شيء. ولا يزال وسيبقى على الارجح مدة طويلة ضماناً لاستمرار النظام واستقراره كما "استقرار" مصر. والولايات المتحدة، ورغم استمرار تبني ادارة اوباما فيها نشر الديموقراطية الذي تبنته الادارة السابقة، لا تستطيع ان تغامر في الحض على تغيير غير مضمون النهاية والنتائج، وخصوصاً انها تخوض معركة جدية مع الاسلاميين الاصوليين العنفيين في المنطقة والعالم. وهي ليست متأكدة ان "اخوان" مصر ليسوا مثل "اخوان" تركيا اذا جاز استعمال هذا التعبير. فالاولون لا يزالون على مبدئهم: الاسلام هو الحل. ومحادثاتهم مع اميركيين وغير اميركيين لم توصل هؤلاء الى اقتناع بنهائية اقتناع "اخوان" مصر بالديموقراطية والاعتدال. في حين ان عقوداً من العلمانية في تركيا لم تقضِ على الاسلام، لكنها انتجت اجيالا علمانية واخرى اسلامية متفاعلة مع بعضها مع بعض وقابلة بعضها لبعض وغير الغائية، ومؤمنة بالديموقراطية. على الاقل هذا ما هو ظاهر حتى الآن في تركيا.