جريدة الجرائد

الصحافة الفرنسية: زوبعة "مارين" تقلق اليمين وخطة على المسار الفلسطيني

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

باريس

التصريحات الشوفينية لمارين لوبن والمخاوف من صعودها السياسي، واستمرار الهواجس من تداعيات الأزمة المالية للدول المتعثرة على منطقة "اليورو"، وفرص وعوائق التوجه إلى مجلس الأمن للاعتراف بالدولة الفلسطينية، ثلاثة موضوعات استقطبت اهتمام الصحافة الفرنسية.

شعبوية مارين لوبن

ما زال معظم كُتاب افتتاحيات الصحف الفرنسية يرددون أصداء التصريحات الشوفينية الأخيرة ضد المسلمين التي أطلقتها مارلين لوبن، ابنة والمرشحة لخلافة جان ماري لوبن زعيم حزب "الجبهة الوطنية" اليميني المتطرف، والأهداف الشعبوية التي أرادت السياسية اليمينية الصاعدة تحقيقها، من خلال تشبيهها لصلاة المسلمين في الشوارع الفرنسية بمظاهر الاحتلال النازي! في افتتاحية صحيفة لوفيغارو ركز الكاتب بول- هنري ديلامبرت على كيفية احتواء زوبعة مارين لوبن من قبل حزب اليمين الحاكم، "الاتحاد من أجل حركة شعبية"، الذي يقرع بعض ساسته ومخططيه أجراس الخطر في كل مرة يسجل فيها اليمين المتطرف حضوراً أو استقطاباً لاهتمام وسائل الإعلام، وذلك لمعرفتهم بخطر خطاب "الجبهة الوطنية" الغوغائي القادر على دغدغة مشاعر أكثر الشرائح يمينية وتطرفاً في اليمين الفرنسي، ولأن كل تأييد تحصل عليه"الجبهة" يكون عادة مخصوماً من جمهور ناخبي اليمين التقليدي الحاكم. واليوم دخلت مارين لوبن على خط التذكير بأكثر القضايا إثارة للجدل مثل الهجرة، وانعدام الأمن، والعلمانية، عازفة بذلك على الوتر الحساس بزعمها شعور الفرنسيين وكأنهم ليسوا في بلدهم، بفعل قوة حضور المظاهر غير المألوفة والمختلفة ثقافيّاً ودينيّاً في الشارع العام، وعلى نحو يخشى معه الارتماء فعلاً في أحضان سيناريو صراع الحضارات. وينصح الكاتب الحزب الحاكم بالترفع عن مستوى خطاب اليمين المتطرف بالمحافظة على قيمه ومواقفه، لأن مارين لوبن لا تشكل عمليّاً منافساً سياسيّاً لليمين الحاكم، وحتى لو افترضنا أن سياستها الشعبوية الانعزالية رفعت من أسهمها فإن الفاقد السياسي بسبب ذلك لن يكون خصماً فقط من الحزب الحاكم، بل ستتضرر المعارضة أيضاً وخاصة منها الحزب الاشتراكي تحديداً. وفي افتتاحية ثانية بقلم شانتال ديدييه في "إيست ربيبليكن" نجد قراءة أخرى لدلالة تصريحات الزعيمة اليمينية المتطرفة، مع إشارة خاصة إلى وقوع مختلف أطياف المشهد السياسي الفرنسي في الفخ الشعبوي الذي نصبته حيث صرح ناطق باسم الحزب الاشتراكي بأن صلاة المسلمين في الشارع "قد لا يمتد التسامح معها طويلاً" مطالباً بتوفير أماكن عبادة لهم "لضمان علمانية" الشارع الفرنسي. وتمضي الافتتاحية مؤكدة أن من حق المسلمين أداء شعائر دينهم بحرية كاملة، ولكن في الأماكن المخصصة لذلك فقط. ومع أن زعيمة "الجبهة الوطنية" المنتظرة، أثارت الآن كثيراً من الصخب وسعت لافتعال الشهرة بمعارضتها لصلاة المسلمين في الشارع، إلا أن الواقع يفرض أيضاً الاعتراف بأنها لا تمثل فرنسا بأي شكل، لا الآن ولا في أفق رئاسيات 2012. وعلى ذكر هذه الرئاسيات الأخيرة أثار الكاتب لوران جوفرين في افتتاحية صحيفة ليبراسيون احتمال ترشح "دومينيك ستروس كان"، مدير صندوق النقد الدولي، لهذه الرئاسيات على بطاقة الحزب الاشتراكي الذي يعد أحد أبرز وجوهه السياسية منذ عدة عقود. واعتبر جوفرين أن تقدم "كان" الآن بقوة في استطلاعات الرأي ليس كافيّاً وحده للحكم على فرصه الممكنة في الترشيح، أو في الفوز بالرئاسة، وذلك لأن من عادات الحياة السياسية والإعلام في فرنسا نسبة كل الفضائل والسجايا الحسنة لـ"الغائب" عن المشهد السياسي، عموماً، الذي ينظر إليه بصفته مخلصاً ممكناً، كما هو حال "كان" الآن المنهمك في مهماته الدولية على رأس "صندوق النقد". ولكن يلزمه اليوم إن كان يريد فعلاً ضمان فرص ترشح أو فوز بالرئاسة أن ينزل من أبراجه العاجية في صندوق النقد ويقترب من الشارع الفرنسي، على ألا تتأخر استقالته من مهمته الدولية الحالية عن فصل الربيع المقبل، لكي يتفرغ للإعداد لترشح قوي، بما يحتم الاقتراب من الشعب، وإقناع الناخبين بأنه ما زال اشتراكيّاً ولم يقع بعد في أحابيل عالم المال والأعمال.

أزمة منطقة "اليورو"

وفي سياق متصل نشرت صحيفة لوموند افتتاحية حول القمة الأوروبية، هذا الأسبوع، مع تركيز خاص على إسقاطات التدابير الأوروبية على مستقبل السباق الرئاسي الفرنسي لعام 2012. ذلك أن أحد الملفات التي يتوقع أن تكون الأكثر إثارة للجدل في تلك الرئاسيات قد انفتح السجال حوله منذ الآن، وهو كيفية استعادة التنافسية للاقتصاد الفرنسي، وأقصر الطرق للعودة إلى معدلات نمو قوية وعلى أسس صلبة بعيدة عن المجازفة أو شد الأحزمة بشكل قاسٍ اجتماعيّاً. ومع أن اليسار الفرنسي بدأ منذ الآن يدغدغ مشاعر الجمهور برؤاه المختلفة حول سبل الانطلاقة الاقتصادية إلا أنه ما زال في حاجة إلى الإقناع فيما يتعلق بكيفية التجاوز من مرحلة الخطابة والشعارات والأقوال إلى مرحلة السياسات والأفعال. وفي موازاة أيضاً مع القمة الأوروبية التي تكشفت عن التوافق على آلية تدخل مالي دائمة لمواجهة الأزمات، وصفت افتتاحية لصحيفة "لومانيتيه" سقف المتوقع من القمة الأوروبية بأنه لا شيء. إذ لا شيء عمليّاً يمكن أن يغير من حالة تجد فيها الشعوب الأوروبية نفسها رهينة لتغول الأسواق المالية، وخاصة أن حكوماتها تقف عاجزة عن إيجاد الحلول المناسبة لمواجهة تحديات مالية بهذا الحجم. وحسب دراسة أوروبية حديثة فإن 116 مليون مواطن أوروبي، أي ربع سكان الاتحاد، سيجدون أنفسهم في مواجهة شبح الفقر والإقصاء الاجتماعي، ولا تحمل لهم قمم بروكسل أية أخبار سارة، لأن الحكومات لا تريد أصلاً اتخاذ التدابير المناسبة لتطويق الأزمة بشكل جذري. ولذا، يقول كاتب الافتتاحية "موريس إلريك"، فإن الأمل الوحيد معقود على القوى النقابية والاجتماعية الرافضة لتغول رأس المال المالي، وهي ذات القوى التي تتوافق مع أحزاب اليسار الأوروبي على ضرورة وضع العدالة الاجتماعية على رأس أولويات الاتحاد في مساعيه لتجاوز الكساد وتداعيات الأزمة.

الفلسطينيون والخطة "ب"

الكاتب جورج مالبرينو استعرض في مقال بصحيفة لوفيغارو ما سماه الخطة "ب" التي بدأ الفلسطينيون الاستعداد لتنفيذها في مواجهة حالة الانسداد التي تأدت إليها عملية السلام بسبب عناد نتنياهو ورفضه تجميد أعمال الاستيطان. وفي مواجهة العجز الأميركي عن ليِّ ذراع نتنياهو قرر الفلسطينيون الاستعداد للخطة "ب" القاضية بالتوجه رأساً إلى مجلس الأمن لانتزاع اعتراف دولي بالدولة الفلسطينية على حدود 1967. ويرى الكاتب أن هذه الاستراتيجية الموازية تمثل تحولاً مهماً في المقاربة الفلسطينية لكيفية إدارة الصراع، وإن كان يرى أن ثمة عراقيل وعوائق كثيرة تقف في طريق تنفيذها، حيث ينقل عن دبلوماسي فرنسي قوله إن جهوداً محمومة تبذلها الآن واشنطن لثناء الفلسطينيين عن هذا الخيار في الظرف الراهن. وفي ذات الوقت يقول مالبرينو إن الخطة التي يدعمها محمود عباس تقوم على مراحل: حيث يُطلب أولاً من إدارة أوباما الاعتراف بالدولة الفلسطينية. وذلك لضمان تحييد أي "فيتو" أميركي محتمل في مجلس الأمن. ثم التقدم إلى المجلس بعد ذلك في ظروف أقل تعقيداً وأكثر قابلية لاستصدار القرار المطلوب. وفي حالة عدم الحصول عليه يتم التوجه إلى الجمعية العامة حيث يمكن استصدار قرار غير ملزم. وفي هذا المقام ينقل الكاتب أيضاً عن دبلوماسي من بلد أوروبي آخر قوله "إن لعب ورقة الأمم المتحدة من دون دعم أميركي سيكون من قبيل الخطأ. فواشنطن لن تستطيع الاعتراف بدولة فلسطينية في ظل معارضة حليفتها إسرائيل". ومع ذلك فإن هذا التحول في المقاربة ليس أيضاً محل إجماع من قبل القيادة الفلسطينية حيث يسود اعتقاد بأن رئيس الوزراء سلام فياض يتحفظ عليه، وإن كان دور فياض -عموماً- تنفيذيّاً أكثر من كونه سياسيّاً. وفي حال عدم فاعلية كل الخطوات السابقة يهدد الفلسطينيون أيضاً بالخيار الأخير وهو حل السلطة الوطنية الفلسطينية، وترك إسرائيل تتحمل مسؤولية الاحتلال. وهذا الخيار الأخير يرى الكاتب أنه سيكون إشهاراً لفشل العملية السلمية برمتها، وسيفتح على جميع الأطراف أسوأ الاحتمالات. وفي الختام يدعو مالبرينو الاتحاد الأوروبي تحديداً إلى تفعيل دوره، في عملية السلام، بعدما أثبت الأميركيون انعدام الفاعلية في جهودهم المتواصلة لدفع قطار التسوية.

إعداد: حسن ولد المختار

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف