ذموا الليبراليين كما تحبون!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
عبد الرحمن الراشد
لا أدري متى بدأ تداول مصطلح "الليبرالية" شعبيا، لكنه بالتأكيد طرأ حديثا في مجتمعنا. أول من أطلقه المتطرفون من قبيل ذم خصومهم، وعلى عادتهم يقذفون الآخرين بمصطلحات، مثل "الحداثة"، لا يفقهون معناها، ولا يدرون أنها جميلة. وهكذا ذاع المصطلح وبقي. اليوم أنت، مهما كنت، إما محافظ وإما ليبرالي. ولا يهم إن كنت تدري أو لا تدري معناها، هي مجرد وصف لحالة، مثل أن تسمي أحدهما سمينا وآخر نحيفا. وهم على حق هذه المرة، فمدلول "الليبرالي" مرن وفضفاض، يصلح أن ينعت به كل من خرج عن المحافظة بوصة واحدة، رغم محاولات البعض تقييده علميا.
والحقيقة أن الهجوم على الليبرالية هذه الأيام، أمر تثقيفي جيد، لأنه يدل الكثيرين عليها، حتى وإن كان هدفه ربما تضليل الجمهور أو تخويفهم، زاعمين أنها إلحادية وتغريبية، وغيرها من الترهات! الحقيقة أن الليبرالية هي الفكرة الوحيدة التي قد لا تحتاج إلى محاضرات شرح طويلة، ولا إلى جلسات كهرباء للقبول بها أو التخلي عنها.
هي مفهوم إنساني بسيط يؤمن بحرية الاختيار فقط، وهذه الحرية تضيق وتتسع وفق رؤية كل فرد.. فإن اختارت الأغلبية أن تكون محافظة، فهذا حقها وخيارها، وإن فضلت العكس، فالأمر لها. لهذا تسمح هولندا بتدخين الحشيش، في حين تسجن الشرطة البريطانية من يتعاطاه. فحرية الفرد مقيدة في النهاية باختيار الجماعة، فإذا كانت أغلبية المجتمع محافظة، فخيارها هو الذي يسود. لهذا فالليبراليون، من الناحية النظرية، أقرب الناس إلى الجميع، حيث يفترض أنهم يؤمنون بحق الإسلاميين والشيوعيين والقوميين والمحافظين الاجتماعيين.
الليبرالية رغم "شعبيتها" لا تصلح حزبا ولا تكتلا أو تيارا، ليست حركة سياسية ولا اجتماعا آيديولوجيا.. فكرتها لا تهدد أحدا، لأنها تقبل بكل الأشياء وكل الناس، إنما تصبح شرسة ضد القمع والاختصار والإلغاء والإقصاء.. وهذا يفسر عدوانية كتابها عند نقد الآخرين في مسألة الحريات. فمفهوم الليبرالية الاجتماعي البسيط يقوم على مسألة حرية الاختيار.
هي ضمير فرد، لكنها ليست حزبا ولا حركة. لا توجد هناك إخوانية في الليبرالية، أي ليس مطالبا الفرد بأن يضرب عن الطعام، لأن ليبراليا آخر منع الكتابة أو لوحق في معاشه، هذا اختياره وضميره. وعندما تتحول إلى حزب أو حركة تناقض نفسها، تصبح خصما لمنافسيها، في حين أن مفهومها يقوم على القبول لا المزاحمة، ضد الرفض والإقصاء. أزمتها اليوم مع الجماعات الإسلامية تحديدا، لأن آيديولوجيا هذه الجماعة اليوم تمثل أقسى أنواع الاحتكار، تصادر كل شيء. مع هذا ألحظ تطورا مدهشا، وهو أن الكثير من الإسلاميين تحولوا إلى ليبراليين، أعني "ليبراليين إسلاميين".
يزدادون يوما بعد يوم للسبب نفسه، لأن الحركة الإسلامية تزداد تضييقا على أتباعها، في حين أن الليبرالية ساحة واسعة للجميع، لا عضوية فيها ولا احتكار.
يمكن أن يكون الإسلامي والقومي والشيوعي ليبراليا، لكن يستحيل أن يجتمع الإسلامي والشيوعي في ثوب واحد.
سعة مصطلح الليبرالية يجعلها محيرة وغامضة، مما سهل على خصومها أن يكتبوا مقالات طويلة لتخويف الناس، وينقلوا استشهادات عادة صحيحة، لأنها كتابات أو ممارسات فردية. لكنهم ينسون أن الليبراليين ليسوا متشابهين إلا فيما ندر، بعكس الشيوعيين والإسلاميين. قد تكون ليبراليا ضد العلمانية، وقد تكون ليبراليا علمانيا، فالعلمانية نظام عمل، أما الليبرالية فمبدأ عام يؤمن بالحرية. لهذا قلت إنها تحير كثيرا من الجاهلين بها الذين يحاولون حصرها في صيغة آيديولوجية محددة.
مفهومها يقوم على حرية الفرد في الاختيار لنفسه فقط. وهناك أوصاف عرف بها الليبراليون، مثل أنهم ضد الأممية والشوفونية، ومع الحقوق المتساوية.
وعندما يشار إلى التناقض عند الليبراليين العرب بخروجهم عن روح الحرية التي يزعمونها، لأنهم مثلا يطالبون بمنع التكفيريين، ويدينون الأفكار العدوانية، فلا تناقض هنا، هم على حق ومنسجمون مع موقفهم، فحرية الفرد لا تعني التعدي على الآخرين، كما يفعل التكفيريون وغلاة الشيوعيين.
التعليقات
Bravo
Real Man -ىشكراً لك على هذا المقال.كلام جميل ومبسط وتمكن من إيصال الفكرة وبدون تعقيد.. ولف ودوران.أتمنى أن يقرأه أكبر عدد ممكن،لكي يزال اللبس واللغط اللذي يتعمده وللأسف الشديد بعض اللذين عندهم حساسية تجاه الأفكار الليبيرالية. أتعجب من بعض البشر اللذين يحاولون السيطرة على حركة مجتمعات بأكملها وللأسف بأسم الدين أو فكرة القومية ويرهبون ويخونون كل من يقول ولوكلمة واحدة لاتتماشى مع رأيه أو فكره.ولكن أتمنى أن يتفكروا بالجملة الشهيرة اللتي نطق بها الخليفة العادل عمر بن الخطاب معبراً عن سخطه الشديد من استعباد الناس وإرهابهم/متى استعبدتم الناس،وقد ولدتهم أمهم أحراراً/طبعاً الاستعباد يشمل الرأي الحر والشخصي وأن يتمكن الإنسان أن يعبر عن رأيه وبدون خوف من سيف مسلط على الرقبة،وهذا مايقوم به وللأسف الشديد هؤلاء اللذين يرهبون كل من يحاول أن يعبر عن فكر حر خال من أي عنف ويدعوا لأن يحترم رأيه،كما يستطيع الآخر بالتعبير عن رأيه وأفكاره.ولكن للأسف الشديد لوتمعن فقهاء المسلمين وقتها في تلك الجملة وتفاعلوا معها ولم يهتموا بالامور الصغيرة كما يحصل في وقتنا هذا من فتاوي غريبة وعجيبة،لما كنا بحاجة لكي نتظر قروناً طويلة مليئة بالعنف والتخلف ولما كنا بحاجة لكي يعيب علينا البعض بأننا نأخذ ببضاعة غربية كافرة ومنافقة،مع العلم أن الفكر ليس له حدود وهويات..فالإنسان أينما كان لايريد أن يكون عبداً..ولا أن يكون هناك سيف مسلط على رقبته!!
Bravo
Real Man -ىشكراً لك على هذا المقال.كلام جميل ومبسط وتمكن من إيصال الفكرة وبدون تعقيد.. ولف ودوران.أتمنى أن يقرأه أكبر عدد ممكن،لكي يزال اللبس واللغط اللذي يتعمده وللأسف الشديد بعض اللذين عندهم حساسية تجاه الأفكار الليبيرالية. أتعجب من بعض البشر اللذين يحاولون السيطرة على حركة مجتمعات بأكملها وللأسف بأسم الدين أو فكرة القومية ويرهبون ويخونون كل من يقول ولوكلمة واحدة لاتتماشى مع رأيه أو فكره.ولكن أتمنى أن يتفكروا بالجملة الشهيرة اللتي نطق بها الخليفة العادل عمر بن الخطاب معبراً عن سخطه الشديد من استعباد الناس وإرهابهم/متى استعبدتم الناس،وقد ولدتهم أمهم أحراراً/طبعاً الاستعباد يشمل الرأي الحر والشخصي وأن يتمكن الإنسان أن يعبر عن رأيه وبدون خوف من سيف مسلط على الرقبة،وهذا مايقوم به وللأسف الشديد هؤلاء اللذين يرهبون كل من يحاول أن يعبر عن فكر حر خال من أي عنف ويدعوا لأن يحترم رأيه،كما يستطيع الآخر بالتعبير عن رأيه وأفكاره.ولكن للأسف الشديد لوتمعن فقهاء المسلمين وقتها في تلك الجملة وتفاعلوا معها ولم يهتموا بالامور الصغيرة كما يحصل في وقتنا هذا من فتاوي غريبة وعجيبة،لما كنا بحاجة لكي نتظر قروناً طويلة مليئة بالعنف والتخلف ولما كنا بحاجة لكي يعيب علينا البعض بأننا نأخذ ببضاعة غربية كافرة ومنافقة،مع العلم أن الفكر ليس له حدود وهويات..فالإنسان أينما كان لايريد أن يكون عبداً..ولا أن يكون هناك سيف مسلط على رقبته!!
شيزوفرانيا الليبرالي
محمد يوسف -ولكن ماذا عن الليبرالي الذي لايرى غير مساوئ التيار الديني ويتعامى بل و يستميت في الدفاع عن انظمه فاسده ومستبده وعلى رأس هؤلاء انت يا استاذ عبدالرحمن فأنا لم اسمعك قط تطالب بالحريه والديقراطيه واحترام حقوق الانسان في بلدك نعم بلدك وكفانا تعميمات فارغه
وماذا فعلوا؟
ميسون المالحي-فلسطين -مع احترامي للجميع ولكن اسمح لي ان اسال ماذا فعل الليبراليون لا نقول للامة او للانسانية بل في اوطانهم.هل يجرؤ اي ليبرالي من انصار الراي الحر ان ينتقد الفساد او قمع الحريات العامة والخاصة او سجن الصحفيين في بلاده انا ساجيب لا .لا يجرؤ.معظم الليبراليين هم من انصار السلام مع اسرائيل هل يمتلك اي منهم الجراة ليقول لنا الان ان لا مجال للسلام ولا امل في التسوية؟وانه بعد لهاث طويل مضني لم نحصد سوى السراب. ماذا فعل الليبراليون لملايين الشباب العربي الضائع المهجر المضيع . الجواب لا شئ . معظم الليبراليون يقيمون في الخارج ويتحدثون في صالوناتهم عن ترف التغيير هنالك بعيدا عن القمع ومصائبنا الملازمة لنا من جهل وفقر وامية وفساد..انا من اشد المعارضين بل والكارهين للتكفيريين والذين يخلطون السياسة بالدين ولكن المشكلة ليست في التكفيري ولا في الليبرالي الماساة هي ان المنظومة العربية فاسدة سياسيا واقتصاديا ودينيا الا قلة عاجزة عن التغيير.انا من القارئين لليبراليين ولم اسمع عن اي مشروع اصلاحي مشترك ولهذا فهم يفتقدون لاي تاثير في مجتمعاتهم. واقبل تحياتي
وماذا فعلوا؟
ميسون المالحي-فلسطين -مع احترامي للجميع ولكن اسمح لي ان اسال ماذا فعل الليبراليون لا نقول للامة او للانسانية بل في اوطانهم.هل يجرؤ اي ليبرالي من انصار الراي الحر ان ينتقد الفساد او قمع الحريات العامة والخاصة او سجن الصحفيين في بلاده انا ساجيب لا .لا يجرؤ.معظم الليبراليين هم من انصار السلام مع اسرائيل هل يمتلك اي منهم الجراة ليقول لنا الان ان لا مجال للسلام ولا امل في التسوية؟وانه بعد لهاث طويل مضني لم نحصد سوى السراب. ماذا فعل الليبراليون لملايين الشباب العربي الضائع المهجر المضيع . الجواب لا شئ . معظم الليبراليون يقيمون في الخارج ويتحدثون في صالوناتهم عن ترف التغيير هنالك بعيدا عن القمع ومصائبنا الملازمة لنا من جهل وفقر وامية وفساد..انا من اشد المعارضين بل والكارهين للتكفيريين والذين يخلطون السياسة بالدين ولكن المشكلة ليست في التكفيري ولا في الليبرالي الماساة هي ان المنظومة العربية فاسدة سياسيا واقتصاديا ودينيا الا قلة عاجزة عن التغيير.انا من القارئين لليبراليين ولم اسمع عن اي مشروع اصلاحي مشترك ولهذا فهم يفتقدون لاي تاثير في مجتمعاتهم. واقبل تحياتي
حالة فريدة
حميدو -الكتاب الليبراليون العرب مجموعة جندت أقلامها وتموقعت على يمين المحافظين الجدد، وكانت معهم بل أمامهم، في حربهم التدميرية للعراق ولغزوه واحتلاله خارج نطاق أي شرعية دولية، والليبراليون العرب ساندوا بأقلامهم الحرب التي شنتها إسرائيل على لبنان سنة 2006 وعلى غزة سنة 2008، والكتاب الليبراليون العرب ينعمون في بحبوحة من الترف والنعمة حراء ما يصلهم من مال حرام وفاسد تنهبه طبقة سياسية تحكم الوطن العربي بالقمع والإرهاب. والليبراليون العرب لا يظهر لهم تزوير نتائج الانتخابات ويستهجنون الرقم 99 فاصلة 99 في المائة إلا عندما تصل أنباء أن من قام بذلك هو أحمدي نجاد في إيران. أما عندما يكون صاحب التزوير حسني مبارك أو بن علي أو مسعود برزاني.. فإنهم يبلعون ألسنتهم ولا ينطقون بأي كلمة. الجموع الحاشدة لا يعطونها أهمية وتبدو لهم جموعا ذات وزن وأهمية، إلا عندما تكون في شوارع طهران محتجة ضد قرار ما لنجاد، أما حين تخرج إلى الشوارع العربية مستنكرة صمت الأنظمة من مذابح ومجازر إسرائيل في غزة أو لبنان، وأمريكا في العراق، فإن هذه الجموع تصبح في نظرهم غوغاء ورعاع.. الفلسطيني بالنسبة لليبرالين العرب لا يصير عزيزا وغاليا إلا عندما يتحدثون عن كون حماس رمته من الطابق الرابع، أما حين تحرقه إسرائيل بالفسفور الأبيض فوقتها، تنعدم محبتهم للفلسطيني، لأنه يكون في رأيهم إرهابي ويستحق ما يقع له.. الليبراليون العرب حالة فريدة ليس لها أي علاقة بالليبرالية المعروفة في العالم، لا من قريب ولا من بعيد..