“الخيار الأردني” يعود إلى تصدّر جدول التسوية العبثية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
مأمون الحسيني
لم تكن الدعوة إلى عقد مؤتمر دولي في تل أبيب، في الخامس من الشهر المقبل، لمناقشة الوسائل والأساليب الكفيلة بشطب فكرة ldquo;الدولتينrdquo; وتحويل الأردن إلى دولة الفلسطينيين القومية، هي المؤشر الوحيد على عودة الروح إلى ما يسمى ldquo;الخيار الأردنيrdquo; الذي يصر على الحضور عند كل منعطف سياسي ينتصب في وجه مسيرة العبث المسماة ldquo;عملية السلامrdquo;، إذ إن كل الحراك المتسارع الذي يدب على الأرض الفلسطينية وجوارها يفضي، في واقع الأمر، إلى درب ldquo;الوطن البديلrdquo; باعتباره آخر الدواء لمرض التسوية العضال وأعراضه التفاوضية غير القابلة للشفاء تحت وطأة رزمة من الأحداث والتطورات، وفي مقدمها الاجتياح الاستيطاني ldquo;الإسرائيليrdquo; الذي وصل إلى حدود السعي إلى هدم مدينة القدس القائمة وإقامة قدس جديدة تشمل مستوطنات جديدة، وتغير واقع البلدة القديمة بالكامل من خلال إقامة ما سمي ldquo;الحوض الوطنيrdquo; .
الموضوع لم يتصدر بعد جدول الأعمال ldquo;الإسرائيليrdquo; العلني، ولم يفرض نفسه على اللوحة السياسية الأردنية والفلسطينية، كون الجهة التي دعت إلى المؤتمر ليست من الوزن السياسي أو الحكومي الثقيل، وتقتصر، حتى الآن، على عدد من شخصيات اليمين ldquo;الإسرائيليrdquo; المتطرف، وفي مقدمهم عضو الكنيست عن حزب ldquo;هتيكفاهrdquo; اليميني أرييه إلداد الذي سبق وأن بشر، قبل نحو عامين، بأنه ldquo;فقط بعد أن تتلاشى نهائيا إمكانية إقامة دولة إرهاب فلسطينية غربي نهر الأردن ستضطر دول العالم وrdquo;إسرائيلrdquo; للبحث عن بدائل أخرى بشكل جدي، وسيتذكرون حقيقة أن الأردن، الذي يشكل الفلسطينيون نحو 70% من مواطنيه، يوجد على ثلاثة أرباع مساحة البيت اليهودي الموعودrdquo;، غير أن ذلك لا ينفي حقيقة تراكم المؤشرات والدلائل والحيثيات التي تجعل هذا الخطر مرشحا لاحتلال موقع متميز في الأجندة ldquo;الإسرائيليةrdquo; التي يبدو أنها ستصبح صاحبة اليد العليا بعد نتائج انتخابات الكونغرس الأمريكي النصفية التي كبلت أيدي الإدارة الديمقراطية ورئيسها المرجح ارتفاع منسوب استسلامه لقدر وإرادة المجمع الصناعي العسكري وعمالقة المال وشركات التأمين وrdquo;وول ستريتrdquo; وشركات النفط الكبرى .
هذه المؤشرات والدلائل الشاخصة لا تقتصر، هذه الأيام، على ما سبق ترداده مرات عدة، كالتذكير بأن ldquo;إسرائيلrdquo; تنظر إلى الأردن كجزء من فلسطين التاريخية (الأرض الموعودة)، وأن الأحزاب ldquo;الإسرائيليةrdquo; الرئيسية تتفق على أنه ينبغي أن تكون هذه الأرض وطنا ل ldquo;الشعب اليهوديrdquo;، وأن الأردن، في هذه المرحلة التاريخية ووفقا للتكتيك المرحلي، هو المكان المناسب لإقامة الدولة الفلسطينية، وأن سيطرة اليمين المتطرف على الحكم في ldquo;إسرائيلrdquo;، مضافا إليها انسداد أفق التسوية تحت ظلال الصلف ldquo;الإسرائيليrdquo;، وضعف السلطة الفلسطينية التي يبدو أنها، ورغم تهديدها باللجوء إلى خيارات أخرى، ما زالت تتصرف وكأن خيار التفاوض هو الوحيد المعتمد لديها، وتحت سقف تهتك الأوضاع العربية، لا بل وسعي العديد من الأنظمة إلى المساهمة في تصفية القضية الفلسطينية، وتحميل الأردن ثمن ذلك، وفق ما عرف تاريخيا بالخيار الأردني، أو الوطن البديل، وإنما تتعدى هذه المؤشرات ذلك كله إلى معطيات جديدة لها علاقة بصخب المرحلة الانتقالية التي تعيشها المنطقة والعالم، والذي يدفع الدولة العبرية نحو محاولة حسم الملفات الكبرى المتعلقة بأصل وفروع القضية الفلسطينية، وذلك على وقع طبول الحرب التي يقدر المحللون أن لبنان سيكون ساحتها الرئيسية في المدى المنظور .
أبرز هذه المعطيات التي تتسارع وتائرها بشكل غير مسبوق يتمثل في الهرولة نحو الاستيلاء على أكبر مساحة ممكنة من الأرض الفلسطينية، ولا سيما في القدس وجوارها، وذلك بموازاة التوجه، وفق ما أفادت صحيفة ldquo;يديعوت أحرنوتrdquo; نحو قبول عرض أمريكي ldquo;سخيrdquo; يقضي بتوقيع ldquo;اتفاق أمنيrdquo; لمدة عشر سنوات بين تل أبيب وواشنطن ldquo;يوفر ردا على المطالب التي تمثل مصدر قلق لrdquo;إسرائيلrdquo;، فضلا عن زيادة أمريكا من حجم معداتها العسكرية المخزنة في مستودعات الطوارئ في ldquo;إسرائيلrdquo;، والتي يمكن للدولة العبرية استخدامها في حالات معينة، لتصل إلى ما قيمته 2،1 مليار دولار بدلا من 800 مليون دولار حتى العام ،2012 وذلك في مقابل تجميد البناء في المستوطنات الواقعة خارج الكتل الاستيطانية والقدس الشرقية لعدة أشهر أخرى، تجري خلالها مفاوضات مكثفة مع الفلسطينيين بهدف التوصل إلى اتفاق يستغرق تطبيقه عشر سنوات! أما النسخ الأهم، في إطار هذه السرقة المتواصلة للأرض الفلسطينية فتمثلت في طرح مخططات لبناء 1300 وحدة استيطانية جديدة في منطقة القدس، ونحو 800 وحدة أخرى في مستوطنة ldquo;أرييلrdquo;، ناهيك عن إقدام 66 عائلة يهودية على الاستيطان في حي رأس العمود جنوب المسجد الأقصى، واستيلاء نحو 50 مستوطنا على 200 دونم من أراضي الأغوار، والكشف عن مخطط تهويدي جديد لمنطقة النقب عبر إقامة 11 مستوطنة في المنطقة الممتدة بين بئر السبع وعراد، وذلك بالتزامن مع زيارة رئيس الوزراء ldquo;الإسرائيليrdquo; بنيامين نتنياهو لواشنطن ولقائه نائب الرئيس الأمريكي الذي كان قد خضع للامتحان ذاته في بداية آذار/ مارس الماضي عندما صادق وزير الداخلية ldquo;الإسرائيليrdquo; إيلي يشاي على بناء 1600 وحدة في مستوطنة ldquo;رمات شلوموrdquo; شمال القدس أثناء تواجد بايدن في ldquo;إسرائيلrdquo; .
الوجه الآخر لهذا التوسع الاستيطاني المنفلت من عقاله، يكمن في رزمة القوانين العنصرية التي تتخذها ldquo;إسرائيلrdquo; للتضييق على فلسطينيي ،48 ناهيك عن ممارساتها القمعية في الضفة الغربية والقدس التي تتقلص مساحتها باستمرار لمصلحة ldquo;الدولة اليهوديةrdquo;، توطئة لترحيلهم قسريا نحو الشرق في مرحلة لاحقة . كما لا يمكن، وبعكس مزاعم سدنة اتفاقية وادي عربة، إغفال دلالات ما يمكن تسميته ldquo;العدوان الإسرائيليrdquo; المتواصل والمتشعب ضد الأردن على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، والذي يشمل المجالات والقطاعات المختلفة . وتكفي الإشارة إلى أن ldquo;إسرائيلrdquo; تقوم بتسويق الأماكن السياحية في الأردن ضمن برنامجها السياحي وتقول في إعلاناتها العالمية إنها توفر فرصة لزيارة البتراء ليوم واحد، وبذلك تبين للسياح أن هذا المعلم هو ldquo;إسرائيليrdquo; وليس أردنيا، كما أنها تستورد العديد من المنتجات الأردنية وتغلفها جيدا وتصدرها إلى الأسواق العالمية على أنها منتج ldquo;إسرائيليrdquo; .
وبخلاف التطمينات التي مافتئ العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني يرددها في كل مناسبة، ومحاولات تصويره بان أي حديث عن ldquo;الخيار الأردنيrdquo; مجرد ldquo;كلام ساذج لا يستحق الرد عليه، ولا يمكن تنفيذه أبداrdquo;، وبعكس المقولة الشهيرة لمهندس اتفاقية وادي عربه وموقعها عبد السلام المجالي التي أعلن فيها عند التوقيع أن الأردن ldquo;اليوم يدفن الوطن البديلrdquo;، فإن ما يجري على أرض الواقع الصلب يصب في طاحونة هذا الخيار الذي سيعفي ldquo;إسرائيلrdquo;، ووفق ما يدعو الكاتب ldquo;الإسرائيليrdquo; المستشرق جي ياخور في إحدى افتتاحيات ldquo;يديعوت أحرونوتrdquo;، من مواصلة ldquo;تنفيذ العمل الأسود نيابة عن الأردنيين مثلما كفت عن عمله نيابة عن المصريين . . وبالضبط مثلما عادت المسؤولية عن غزة، عمليا، إلى يد مصر، فإن المسؤولية عن الضفة الغربية يجب أن تعود إلى الضفة الشرقية وما يقررون عمله في الضفتين يصبح شأنهم الداخليrdquo; .