هل تصمد حكومة المالكي؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
بغداد - زيدان الربيعي
نجح رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في تمرير تشكيلته الحكومية عبر منافذ البرلمان العراقي، بعد جهد جهيد وأزمة سياسية استمرت لمدة تسعة أشهر متواصلة بسبب الصراع العقيم الذي دار بين المكونات السياسية التي فازت في الانتخابات البرلمانية التي جرت في السابع من مارس/ آذار الماضي على منصب رئاسة الحكومة، الذي وصل في النهاية وعبر مبادرة رئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني إلى المالكي . حيث أدت هذه المبادرة إلى حصول اتفاق بين قادة الكتل السياسية أفضى إلى تقسيم المناصب السيادية بشكل يتماشى مع الطموحات الدنيا لبعض الكتل الفائزة، ومنها على وجه الخصوص الكتلة ldquo;العراقيةrdquo; بزعامة رئيس الوزراء العراقي الأسبق إياد علاوي، حيث أجبرت هذه الكتلة أمام تحالف ائتلاف دولة القانون بزعامة المالكي والائتلاف الوطني بزعامة عمار الحكيم والذي أطلق عليه اسم ldquo;التحالف الوطنيrdquo; على التخلي عن استحقاقها الانتخابي، وكذلك استحقاقها الدستوري في مسألة تشكيل الحكومة الجديدة، بعد أن أيقنت أن استمرار أزمة تشكيل الحكومة العراقية الجديدة سيؤدي إلى حصول مشكلات وتراكمات خطرة على العملية السياسية برمتها وعلى البلد بأسره .
السؤال المطروح الآن هو: هل يوجد هناك طرف رابح ويقابله طرف آخر خاسر في عملية تشكيل الحكومة العراقية الجديدة؟ هذا السؤال يتردد في أذهان الكثير من العراقيين، وكذلك في أذهان الكثير من الذين يتابعون الحدث العراقي في جميع إنحاء المعمورة . لذلك أرى ويرى الكثير من المتابعين للشأن العراقي أن العرف والممارسة هما الخاسران الكبيران في قضية تشكيل الحكومة الجديدة قبل أن تتحول الخسارة لتشمل خسارة كتلة أو زعيم وفوز كتلة أخرى وزعيم آخر . لأن عملية تفسير الكتلة الأكبر من قبل المحكمة الاتحادية العليا، وإن كان هذا الأمر يتعلق بها هي قبل غيرها، قد وضع العملية الانتخابية البرلمانية المقبلة على كفت عفريت كما يقولون، لأن الكتل الحالية ربما تنشطر إلى شطرين أو ثلاثة في الانتخابات المقبلة، وربما تظهر كتل قوية جديدة تنافس الكتل الحالية وبالتالي يمكن لهذه الكتل أن تعد العدة سلفاً لتحصل على مبتغاها في تشكيل الكتلة الأكبر التي سيناط بها تشكيل الحكومة بعد الانتخابات المقبلة . الأمر الذي يجعل أصوات الناخبين الذين يرغبون في حصول تغيير في بلدهم تذهب هدراً أمام التحالفات والصفقات التي تعقد بين الكتل بعد إعلان نتائج الانتخابات، الأمر الذي سيؤدي إلى إدخال البلد في فوضى عارمة . ومن هذا المنطلق أرى أن على البرلمان الحالي أن يقوم بتعديل وتوضيح كل المواد الدستورية التي يوجد خلاف على تفسيرها، وأن يحصل اتفاق بين كل الكتل السياسية على مفهوم تفسير هذه المادة أو تلك، لأن بقاء باب الاجتهاد مفتوحاً في تفسير المواد الدستورية سيدخل البلد في نفق مظلم في المرحلة المقبلة .
وعودة لمضمون السؤال من هو الرابح؟ ومن هو الخاسر؟ في عملية تشكيل المالكي لحكومته الجديدة . حيث يتصور البعض أن المالكي هو الذي ربح معركة تشكيل الحكومة واستطاع تجريد منافسيه بشكل ذكي جداً، لا سيما مرشح الكتلة ldquo;العراقيةrdquo; وزعيمها إياد علاوي، وكذلك مرشح التحالف الوطني عادل عبد المهدي، من طموحاتهما الكبيرة في الظفر بمهمة تشكيل الحكومة الجديدة . حيث إن الوقائع الموجودة على الأرض تشير إلى ربح المالكي لهذه المعركة من دون أدنى شك، لأنه بقوته وجرأته وثقته العالية بنفسه وبكتلته التي بقيت صامدة وداعمة له حتى النهاية كمرشح أوحد لتشكيل الحكومة استطاع أن يفرض أسلوب طريقة اللعب على منافسيه في ميدان المناورات السياسية الرامية لتشكيل الحكومة الجديدة . حيث اقترب من كل الكتل وعرف كيف تفكر، كما عرف نقاط الضعف والقوة فيها وطبخ طبخته على نار هادئة جداً . حيث كان آخر زعيم لكتلة برلمانية فائزة بالانتخابات يتحرك على دول الجوار العراقي، وكذلك بعض الدول الإقليمية مثل مصر وتركيا للترويج لنفسه في الاحتفاظ بمنصبه في الدورة الجديدة .
إن المالكي وعبر كل تحركاته المحلية والعربية والإقليمية كان ذكياً جداً وتمكن من سحب البساط من تحت أقدام الآخرين الذين ظلوا يراهنون على الاستحقاقين الانتخابي والدستوري بالنسبة للكتلة العراقية، بينما بقي عادل عبد المهدي يراهن على مسألة ما اصطلح عليه بrdquo;المقبولية الوطنيةrdquo;، بينما راهن المالكي على ثلاثة أشياء، منها ما هو كان منظوراً في تحركاته لتحقيق مبتغاه في رئاسة الحكومة الجديدة مثل الاعتماد على كتلة صامدة ومتماسكة وغير خاضعة لضغوط الآخرين، ومنها ما كان يجري بالخفاء وتمثل بجانبين، الأول تعلق بإصرار الإدارة الأمريكية على بقاء المالكي في منصبه خلال السنوات المقبلة، لأنها وجدته أفضل من يخدم وجودها في العراق وكذلك وجدت فيه مقومات جيدة في اتخاذ القرارات الصعبة . رغم أن الإدارة الأمريكية في كل مرة كانت تنفي التدخل في مسألة تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، وكانت تؤكد أن هذه القضية هي شأن العراقيين أنفسهم، لكن واقع الحال كان يخالف تبريرات وأعذار الإدارة الأمريكية، حيث إن الولايات المتحدة وبعد أن بدأت تتحرك بجدية للانسحاب من الأراضي العراقية بشكل كامل عند نهاية العام المقبل حسب الاتفاقية الأمنية التي وقعتها مع حكومة المالكي في نهاية عام 2008 وجدت أن واقع المنطقة العربية يحتاج إلى بقاء قسم من قواتها المحتلة على الأراضي العراقية، وأن هذا الأمر لن يحصل إلا بتعديل الاتفاقية الأمنية وأن هذا التعديل لن يحصل ألا بوجود المالكي نفسه . لذلك ساندته كثيراً على الاحتفاظ بمنصبه وهو أمر كان خارج التوقعات تماماً، على اعتبار أن منافسه إياد علاوي كان يحظى بميزة دعم الأمريكيين له لأكثر من سبب، لعل الأبرز فيها أن علاقاته غير جيدة مع الجانب الإيراني، بينما علاقاته جيدة مع الدول العربية وكذلك الدول الإقليمية فضلاً عن علاقاته الدولية، لكن رفض علاوي القاطع للاتفاقية الأمنية هو الذي جعل الإدارة الأمريكية تتخلى عنه . كذلك وجود بعض الكيانات التي لا ترغب فيها الإدارة الأمريكية في كتلته أضعف الإسناد الأمريكي له في الظفر بتشكيل الحكومة . أما الجانب الثاني الذي ساعد المالكي على الظفر بتشكيل الحكومة العراقية الجديدة فيتعلق بسببين، الأول محلي ويتمثل باتجاه المالكي نحو الأكراد والتحالف معهم، حيث إن هذا التحالف قطع كل الطرق على الكتل الأخرى لتشكيل الكتلة الأكبر وفق التفسير الذي قدمته المحكمة الاتحادية العليا، والثاني محلي خارجي، حيث استغل المالكي علاقته بالجانب الإيراني ليجعله يضغط على زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الذي يتواجد في إيران منذ أكثر من ثلاث سنوات لكي يتخلى عن دعم مرشح التحالف الوطني عادل عبد المهدي ويتحول إلى دعم المالكي، وهذا ما حصل فعلاً .
ووفق هذه التحولات يمكن اعتبار المالكي هو الرابح في معركة رئاسة الحكومة العراقية الجديدة، لأن كل خطواته كانت مدروسة بشكل جيد وأهلته في النهاية إلى تحقيق مبتغاه وسط حسرة وندم الآخرين الذين لا يوجد لديهم شيء يقولونه في النهاية ألا تقديم التهاني والتبريكات له بمناسبة تشكيله لحكومته الجديدة التي أصبحت كواقع حال لا مفر منه بكل تأكيد، لكن بالمقابل هل كان تحقيق المالكي لمبتغاه قد جاء من دون خسائر وتنازلات؟ إن الجواب على هذا السؤال يؤكد أن ما حققه المالكي جاء عبر تنازلات كبيرة منحت لمنافسيه، لا سيما الجانب الكردي، الذي اشترط أن يوقع المالكي بخط يده على جميع شروطه التي يريد من حكومة المالكي تنفيذها وألا يكتفي بالوعود فقط مثلما حصل في حكومته السابقة، وتحديداً ما يتعلق بتنفيذ المادة (140) من الدستور العراقي النافذ والتي تتعلق بحل قضية كركوك وبقية المناطق المتنازع عليها .
كذلك فإن استحداث المجلس الوطني للسياسات الاستراتيجية الذي سيتولى زعيم الكتلة ldquo;العراقيةrdquo; إياد علاوي رئاسته والذي جرى تأسيسه من أجل إرضاء علاوي وتكريمه على ما قدمه من تنازلات، يمثل حالة من الضغط الكبير على المالكي وعلى حكومته الجديدة . لأن هذا المجلس سيتميز حسب الاتفاق السياسي بين الكتل السياسية بمميزات عديدة تراقب عمل الحكومة ويخطط لها بعض الأمور المهمة ويرسم لها الكثير من الأمور .
إن كل المعطيات المتوافرة تشير إلى أن حكومة المالكي الجديدة والتي تعب كثيراً حتى نجح في تشكيلها قابلة للانهيار في أية لحظة، خصوصاً بعد أن خضع المالكي لمجموعة من التوافقات والاتفاقات السياسية قبل تشكيله لحكومته . وهناك أسباب موضوعية لمثل هذا الانهيار المرتقب ومن أبرز هذه الأسباب هو أن الحكومة الجديدة قد ولدت ولادة عسيرة جداً وأن أغلب الكتل كانت رافضة رفضاً قاطعاً لتولي المالكي رئاستها بعد أن عملت معه في السنوات الأربع الماضية، وأثرت في عمله الكثير من الملاحظات التي لا تريد تكرارها مرة أخرى في الحكومة الجديدة، إلا أن هذه الكتل تعرضت إلى ضغوط عديدة من قبل قادتها ورموزها من أجل أن تقبل بتولي المالكي لولاية ثانية . وهذا السبب سيجعل هذه الكتل تقف بالضد من المالكي إذا تنصل عن أي اتفاق أبرمه معها، كذلك فإن أية أزمة سياسية أو أمنية تضرب البلد في المستقبل ستؤدي إلى ارتفاع الكثير من الأصوات داخل البرلمان وفي الوسط السياسي، وربما حتى في الوسط الشعبي، تطالب بسحب الثقة عن الحكومة، وأولى المشكلات التي ستواجه حكومة المالكي الجديدة هي كيفية التعامل مع المجلس الوطني للسياسات الاستراتيجية رغم أن الأيام الأخيرة شهدت تقارباً غير مسبوق بين المالكي وعلاوي، حيث أذهل هذا التقارب المراقبين للوضع العراقي . حيث إن كل الدلائل والقرائن تشير إلى أن وجود هذا المجلس الذي سيتزعمه إياد علاوي قد يشل حكومة المالكي ويجعلها تحت سيطرته، وسيستغل هذا المجلس أية مشكلة تظهر في الأفق لضرب حكومة المالكي وجعلها قابلة للانهيار، لأن الصلاحيات التي يتمتع بها هذا المجلس إذا تعرض التحالف الوطني الذي أوصل المالكي لرئاسة الوزراء إلى أية حالة تصدع أو انشقاقات في صفوفه ستكون قادرة على تقويض عمل حكومة المالكي وإضعافها ما يؤدي إلى إسقاطها في المستقبل . يضاف إلى ذلك فإن مشروع المصالحة الوطنية الحقيقية الذي تبنته الكتلة العراقية وبات المالكي ملزماً بتنفيذه في برنامج حكومته الجديدة، وهذا المشروع من المشاريع الشائكة جداً، لأنه سيسمح بعودة الكثير من أتباع النظام العراقي السابق الذين لا يثق المالكي بولائهم للوضع السياسي الجديدفي حال تسلمهم مناصب ومواقع مهمة، لذلك فإن التعامل مع هذا الملف بالنسبة للمالكي سيكون معقداً جداً، لأنه هؤلاء إذا قاموا بالعمل لمصلحة النظام السابق فإنهم سيقوضون عمل الحكومة ويؤخرون الكثير من المشاريع المهمة . أما إذا قام المالكي باكتشاف مخططاتهم وأهدافهم فإنه سيقوم بإقصائهم وهذا الإقصاء سيمثل ضربة كبيرة جداً لمشروع المصالحة الوطنية وبالتالي ستبرز مشكلة صعبة جداً على سطح العملية السياسية ربما تجعل المالكي في نظر الكتل الأخرى خارقاً وناكلاً بكل العهود التي قطعها على نفسه قبل تشكيلته الجديدة .
ومن الملفات المهمة الأخرى التي ستمثل عامل ضغط كبير على المالكي هو ملف الفساد الإداري والمالي، لأن هذا الملف نخر جسد الدولة العراقية برمتها، لذلك فإن المالكي سيحتاج إلى قرارات حاسمة تؤدي إلى أخراج الفاسدين من دوائر الدولة، ومثل هذه القرارات إذا فعلها المالكي من دون دليل ملموس بيده ضد الفاسدين سيستعملها خصومه كورقة ضغط عليه باعتبار أن هذه القرارات تأتي في مجال التصفيات السياسية . يضاف إلى ذلك أن المالكي بحاجة ماسة جداً لإيجاد علاج جذري لملف مهم في البلد وهو ملف العاطلين، لأن أعداد العاطلين تزداد في البلد بعد كل عام دراسي، ذلك أن أغلب الخريجين من المعاهد والكليات لا يجدون فرصاً للتعيين الوظيفي في دوائر الدولة، وترك هؤلاء الشباب الخريجين من دون وظائف سيكون بمثابة قنبلة موقوتة قد تنفجر في أية لحظة، خصوصاً إذا تحركت بعض الجهات التي تعمل ضد المالكي وتحاول إسقاطه مع حكومته . فضلاً عن ذلك فإن الملف الاقتصادي سيكون من الملفات التي تحتاج إلى تفعيل مهم جداً بعد أن وصل التراجع الاقتصادي خصوصاً في مجالات النفط والزئبق والغاز السائل حداً مخيفاً جداً . إلا أن المالكي الذي عرف عنه اتخاذ القرارات الجريئة والتي في بعض الأحيان تزعج حتى حلفاءه قبل خصومه، ربما سيجد نفسه وحيداً في الساحة أمام حراب الآخرين التي ستشهر بوجهه، خصوصاً إذا تعرض ائتلافه ldquo;دولة القانونrdquo; إلى التفتيت أو الانقسام في المستقبل . وعليه فإن المالكي سيحاول أن يحفظ ائتلافه من أي تفتت أو تمزق في المرحلة المقبلة حتى يبقى صامداً أمام التحديات التي ذكرناها والتي قد تظهر له في أي وقت من عمر حكومته الجديدة .
الصفقات البرلمانية
كما أن الصفقات البرلمانية التي ستعقد في العام المقبل بين الكتل السياسية حول العديد من القوانين والتشريعات ومن أهمها قانون النفط والغاز الذي يرغب الأكراد في إقراره بالسرعة الممكنة حتى يستفيدوا من الثروات النفطية الموجودة في إقليم كردستان، بينما يجد الآخرون أن هذا القانون لا يمكن إقراره وفق الرغبات الكردية، هذا التناقض سينعكس سلباً على قوة وتماسك حكومة المالكي على اعتبار أن الاتفاقات السياسية التي عقدها مع الأكراد قبل تشكيله لحكومته الجديدة تتضمن شرط إقرار هذا القانون من قبل البرلمان .
المالكي ووفق هذه المعطيات سيكون معرضاً للسقوط بذات النسبة التي تساعده على تحقيق النجاح . والأمر الأهم الذي سيكون في مصلحته إذا تعاون معه نوابه في الحكومة الجديدة، لأن تعاونهم مع المالكي سيخفف الضغط عنه كثيراً في الكثير من المهام .