جريدة الجرائد

ماذا يريد الإيرانيون وماذا يريد العرب؟

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

رضوان السيد


ما سُرت كثرة كاثرة من الجمهور العربي بتصريح السيد الخامنئي بحضور أمير دولة قطر ضد المحكمة الدولية، الذي نشرته وسائل الإعلام الإيرانية. واختلفت ردود الفعل على ذاك التصريح؟ أما الذين يحسنون الظن بالسيدين الخامنئي وحسن نصر الله؛ فقالوا إن ذاك التصريح ما كان ملائما لأن في لبنان أزمة، والتصريح المذكور يصعب إمكانيات المعالجات والحلول. وأما الذين يخاصمون حزب الله.. وإيران، فقالوا إن المشكلة لبنانية داخلية، ولا شأن لإيران بها، بل هي تدخل في شأن لبناني وعربي، وبما يؤدي إلى التفاقم والاستفحال، شأن ما فعلته إيران في كثير من المسائل في العقد الأخير من السنين. ويمكن بالطبع الاستدلال لوجهة النظر هذه بأحداث ووقائع شتى في العراق ومصر وفلسطين والسودان والمغرب والأردن والكويت والبحرين واليمن. وفي كل هذه الحالات التي نعرفها والأخرى التي لا نعرف بتفاصيلها، جرى اتهام إيران بالتدخل لإثارة الفتن، أو دعم جماعات بداخل تلك البلدان، من أجل التأثير على الحالتين الأمنية والسياسية.
وقد دفع هذا الأمر بعض الدول العربية إلى محاولة "كف الشر" عنها بذهاب مسؤوليها إلى الجمهورية الإسلامية، وتقصّد إرضائها إما بالتظاهر أنهم مع سياساتها، أو أنهم ضد أعدائها، أو أن العدوان على إيران - إن كان - فلن ينطلق منها. أما البعض الآخر فعالنها العداء، وقطع كل علاقة بها. في حين آثر فريق ثالث استمرار العلاقات على دخن - كما جاء في الأثر القديم - مع اتباع سياسة مزدوجة تعلن إيثار التوحد، وتُسِر المخاصمة، كما ظهر في الوثائق والتقارير التي نشرت في عمليات "ويكيليكس"، والتي تقول بالعداء للسياسات الإيرانية تجاه الدول العربية، وتطلب حماية أميركية منها.
وقد اختلفت ردود الفعل الإيرانية على المواقف العربية أو بالأحرى "اللامواقف" منها ومن سياساتها. ففي حالات التوتر الشديد، كان الإيرانيون يجيبون بأنهم إنما يردون على المخاصمة بالمخاصمة. وفي حالات أخرى كانوا يقولون إنهم ما فعلوا شيئا، وأن الذين يتهمونهم أخطأوا الفهم والتفسير. وفي أكثر الحالات كانوا يقولون إنهم إنما يخاصمون الولايات المتحدة ويخاصمون إسرائيل ويساعدون العرب في مواجهتها ولا شيء أكثر. وفي هذا المنحى تصب تصريحات باقري الأخيرة، وهو عضو مجلس الأمن القومي الإيراني، وقد زار سورية وقال إنهم إنما يدعمون المقاومة، ويدعمون سورية، في مواجهة إسرائيل. أما صالحي وزير الخارجية الإيرانية الجديد فقد ذكر في تقريره أمام مجلس الشورى أن لديه أولويتين: توثيق العلاقات مع تركيا، وتوثيق العلاقات مع السعودية. وعندما كنت أناقش مؤخرا خبيرا سياسيا إيرانيا في: هل تعتبر التصريحات الإيرانية في الأشهر الأخيرة - وهل تشكل - تغييرا في السياسات تجاه العالم العربي؛ قال لي إنه قبل مناقشة التغيير من عدمه علينا أن نأخذ بعين الاعتبار أن هناك ثلاثة أمور تحكم السياسات الخارجية الإيرانية في عهد الرئيس نجاد: الرؤية والمنطق إلى المشكلات في المنطقة، والأوضاع العربية، ومستقبل المنطقة بعد الانسحاب الأميركي من العراق والانحياز المعلن من جانب إدارة أوباما لإسرائيل. ففي جانب الرؤية؛ تعتبر إيران الإسلامية نفسها والمسلمين في حالة مواجهة مع الأميركيين واستطرادا مع الإسرائيليين، ولذلك فإنها تدعم كل جهد رسمي أو شعبي معارض لهما. وفي جانب الأوضاع العربية؛ فإن إيران تعتبر أن العرب الرسميين تخلوا عن قضية المسلمين والعرب الأولى، أي قضية فلسطين، من طريق السير في التفاوض وإن عرفوا منذ زمن أنه لا نتيجة له. وفي الجانب المتعلق بمستقبل المنطقة بعد الانسحاب العسكري من العراق؛ فإن الجمهورية الإسلامية لا تقبل بالفراغ الذي يورث الفتن والانقسامات، ولذلك تتدخل ليس من أجل نشر النفوذ؛ بل من أجل سد الفراغ الاستراتيجي الناجم عن الانكفاء العربي أو الضعف العربي. وقد ناقشته طويلا وبالتفصيل في كل من النقاط الثلاث، وفي البدائل التي اتخذتها أو تتخذها إيران من مشكلات المنطقة (دونما إنكار بالطبع للمشكلات العربية)؛ ومن ذلك أن إيران اختارت الحديث والتفاوض مع الولايات المتحدة والمجتمع الدولي رغم الحصار وقرارات العزل بمجلس الأمن، فلماذا تأخذ ذلك على العرب؛ فكان يجيب تارة بأن إيران تفاوض بأسلوب آخر غير أسلوب أبو مازن، ويجيب تارة أخرى بأن الخلاف بيننا - نحن الأشقاء المسلمين - إنما هو خلاف في المنطق والرؤية، ولا بد من السعي لحديث استراتيجي يغير وجهات النظر العربية لصالح المقاومة والمواجهة، كما حدث ويحدث مع تركيا.
وفهمت من النقاش الطويل أن الرجل لا يعتقد أنه قد حصل تغيير في السياسة الخارجية الإيرانية من علاماته تغيير وزير الخارجية، كما أن ذلك لن يحصل، لأن الجمهورية الإسلامية لها رسالة وهي لن تخون نفسها ورسالتها، لا في الخليج ولا في بقية منطقة الشرق الأوسط.
إن الخلاف بالفعل هو في المنطق والرؤية، لكن ليس بالطريقة التي قصدها السياسي الإيراني، ذلك أن الخلاف في "تأويل" السياسات الإيرانية تجاه العرب، يتجاوز الموقف من الولايات المتحدة، ويصل إلى مستقبل الوحدات الاجتماعية العربية، التي تعاني من مشكلات كثيرة تتصل بسياسات أنظمة الحكم، لكنها تتصل في مستجداتها بسياسات الجمهورية الإسلامية البعيدة المدى، وأعني بذلك الانقسامات العمودية التي حصلت في العقد الأخير بين السنة والشيعة في عدة بلدان عربية، ما كانت معروفة بهذه الحدة، وهذه "الرؤية" الجديدة من قبل. ويصدق ذلك على عدد من بلدان الخليج، لكنه يصدق أيضا على لبنان وسورية والعراق. فهناك تأكيد منقطع النظير على الخصوصيات والمذهبيات، كأن مجتمعاتنا المتنوعة المذاهب والإثنيات من قرون وقرون، استفاقت فجأة على أن هناك شيعة وسنة، وأن هناك تغايرا باتا بين الطائفتين، وعلى الشيعة أن يؤكدوا على أمرين: أنهم مختلفون في العقائد والشعائر والعبادات واللباس والتفكير السياسي، وأنهم جميعا على ولاء شديد في التوجه العام والتبعية السياسية لإيران وقيادتها في كل المسائل، بما في ذلك ما اتصل منها ببلدانهم والتدخلات فيها. وقد ناقشت ذلك مع زملاء في لبنان والعراق وبعض بلدان الخليج، فاعتبر البعض أن ذلك جزء من الصحوة الإسلامية العامة، فكما استيقظ السنة فصار بعض شبانهم سلفيين والبعض الآخر من الإخوان المسلمين؛ فكذلك الأمر مع الشيعة. وهذا الفريق يرى أن بعض "المشهديات" مثل احتفالات عاشوراء فيها مبالغة، لكنها سوف تتضاءل مع ازدياد الثقة بالنفس والاطمئنان إلى وجودهم وحقوقهم ومطامحهم. واعتبر فريق آخر أن وضعي العراق ولبنان استثنائيان، ولهما أبعاد سياسية غالبة. في حين اعتبر فريق ثالث أنها ردة فعل على التعصب السني أو بعض الفرق السنية. وهؤلاء جميعا يرون أنه لا علاقة لإيران بتصاعد الخصوصيات الشيعية أو مشهديتها؛ وإن احتاروا في الرد على "العصبية" لإيران في كل الحالات؛ أو الرد بأنهم يريدون بمساعدة المقاومة تحرير فلسطين وهو الواجب الذي أخل به العرب!
إن لدينا، إذن، فيما يتصل بإيران مشكلتين وليس مشكلة واحدة. الأولى تتعلق بالسياسة الخارجية الإيرانية تجاه العالم العربي ودوله وأنظمته. فهي تدخلت وتتدخل - حتى في الدول التي ليس لديها موقف سلبي منها - بشكل مباشر أو من طريق الجماعات الشيعية وبعض السنية. وهي تعتبر تدخلها جزءا من صراعها مع الولايات المتحدة، والأنظمة الحليفة لها. والثانية أن إيران الإسلامية استنفرت الشيعة في العالم العربي - وبأشكال مباشرة وغير مباشرة، باعتبارها المرجعية المباشرة لهم في سائر الشؤون. وقد أحدث ذلك انشقاقات عميقة في مجتمعاتنا، ومن طريق الاستلهام للنموذج الإيراني أو من طريق التنظيم الإيراني المباشر. وإذا اعتبرنا المشكلة الأولى سياسية وعرضة بالتالي للتغيير، وإن في مدى غير منظور لأن إيران تريد الحلول محل الولايات المتحدة أو مشاركتها أيضا؛ فإن الانشقاقات العمودية والمتفاقمة والمدعومة بالوعي والتحشيد والتنظيم؛ سوف تبقى لأمد طويل. وتحتاج إلى جهود ومبادرات من جانب عقلاء الطرفين؛ وهذا إذا هدأت إيران

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
مؤلم
محمد هادي -

سوقف يكون مؤلما ان يكون اكاديميا بمستوى السيد رضوان طائفيا والدليل انه اعتبر جميع الشيعة عملاء لايران وبعض السنة في قوله:فهي تدخلت(بقصد ايران) وتتدخل - حتى في الدول التي ليس لديها موقف سلبي منها - بشكل مباشر أو من طريق الجماعات الشيعية وبعض السنية.ةالصحيح هو ان يقول بعض الجماعات الشيعية والسنية فليس جميع الشيعة عملاء لايران يا سيد

تشييع العالم العربي
نواف -

إن ما تريده إيران هو نشر التشيع وجعل العالم العربي السني يدين بولاية الفقيه، ولو رجعنا لكتاب الخطة الخمسينية لحكام طهران للشيخ عبدالله الغفاري لوجدنا تطابق الخطة مع ما تقوم به إيران من نشر التشيع والقلاقل والفتن في العالم ، إن ما يحدث في العراق اليوم ولبنان من تدخل إيراني سافر لهو خير دليل على ما تريده هذه الحكومة الصفوية ، وليس ببعيد فضيحة الأسلحة لنيجيريا ..الزميل محمد صدقت ليس كل الشيعة موالون لإيران ويمكنك القول أغلبهم