العلماء يختلفون حول قطع يد السارق في حالة الفقر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
أحمد شعبان
اختلفت آراء علماء الأزهر حول قضية قطع يد السارق في البلاد الفقيرة، حيث رأى الفريق الأول التخفيف من القطع إلى التعزير كما جاء في رأي مجمع البحوث الإسلامية، مستشهداً بما فعله عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عندما عطل الحد في عام المجاعة. والثاني يرى أن الحدود في الشريعة الإسلامية لا تخفف ولا تستبدل لقوله تعالى: "تلك حدود الله فلا تعتدوها" (سورة البقرة ـ آية 229)، وحتى لا يكون ذلك ذريعة لأهل القانون الوضعي لتغيير ما ثبت بنصوص الشرع.
وقد وردت إلى مجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة قضية فقهية من نيجيريا حول تطبيق قطع يد السارق، والمعلوم أن بعض الولايات بنيجيريا التي تطبق الشريعة الإسلامية تعاني فقراً شديداً، فكان رأي المجمع بالإجماع أن حد السرقة من الحدود الإسلامية الثابتة قطعاً إلا أن تطبيق الحد يتوقف على درء الحدود بالشبهات. وأفتى المجمع بأنه على القاضي أن ينزل بالعقوبة من القطع إلى التعزير، خاصة أن هناك حالة من الفقر وسوء توزيع للثروة لأن الإسلام يقيم العدل قبل الحد ويريد أن يقطع أيدي الفقر.
حماية المجتمع
وأكد الشيخ عادل أبو العباس ـ عضو لجنة الفتوى بالأزهر ـ أن الإسلام اهتم بقضية الحدود وجعل من أهم أهدافها حماية المجتمع من الجريمة وهذا ما دعا العلماء إلى البحث في الهدف من تشريع الحدود، فقال بعضهم إنها زواجر تزجر الإنسان عن فعل الجريمة إذا سمع بعقوبتها التي تطبق على المرتكب فتكون رادعاً عن ارتكابه لهذه الجريمة، ومن العلماء من قال إنها كفارات أي أنها تخفف عقوبة الآخرة.
وأضاف: عقوبة السرقة من العقوبات التي وضع لها القرآن الكريم ضوابط في قوله تعالى: "والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما" سورة المائدة ـ آية 38 لأنهما اعتديا على حقوق المجتمع سلباً ونهباً مما يؤدي إلى وقوع الفساد في هذا الكيان البشري، حيث أباح النبي- صلى الله عليه وسلم- المقاتلة من أجل المال وجعلها شهادة فقال- صلى الله عليه وسلم - عندما سأله الرجل: يا رسول الله أترى الرجل يريد أخذ مالي قال: لا تعطه مالك، قال: أرأيت إن قاتلني، قال: قاتله، قال: أرأيت إن قتلني، قال: فأنت شهيد، قال: أرأيت إن قتلته، قال: هو في النار.
وأوضح أن الكثيرين يخطئون عندما يتوهمون أن الإسلام حدود فقط لأن الإسلام لم يجعل الحدود إلا جزءاً يسيراً من تعاليمه الشاملة بدليل أنه في أكثر الحدود يعلن النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أعظم قاعدة وهي "ادرأوا الحدود بالشبهات" لأنه ليس من أهدافه سفك الدماء أو الاعتداء على الجسد البشري، حيث قال رسول الله: "إن دم المسلم أعظم حرمة من البيت الحرام"، ولكن الإسلام أراد أن يوقف النفوس الشريرة التي تهوى الاعتداء والسلب والنهب.
وبالنسبة لما أثير حول فتوى مجمع البحوث الإسلامية، استشهد بما فعله سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فقد كان حصيفاً عندما عطل الحد في عام الرمادة عندما أصيب المسلمون بالمجاعة فمنع قطع يد السارقين بعد اطمئنانه إلى أن الهدف من السرقة كان لسد الرمق والإبقاء على الحياة.
النص الوارد
وأوضح أن العلماء أجازوا للقاضي أن ينظر إلى الدعوى من جميع جوانبها واتجاهاتها ويستعين بالمختصين في الدراسات النفسية لمعرفة الأسباب التي أدت إلى ارتكاب هذه الجريمة، ومن حق القاضي أن يخفف العقاب وليس هذا إخلالاً بالنص الوارد في الآية والدليل أن ماعزا وهو أحد الصحابة الذين ارتكبوا جريمة الزنا عندما اعترف على نفسه كان النبي- صلى الله عليه وسلم - في كل مرة يراجعه ويقول له: "لعلك قبلت، لعلك، لعلك " إلا أنه أصر فأمر رسول الله أن يرجم فلما أصابه مس الحجارة وشدتها تراجع عن قوله لكن الصحابة طبقوا الحكم فلما عادوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - حدثوه بما جرى فقال - صلى الله عليه وسلم - "فهلا تركتموه" وهذا من باب درء الحد بالشبهة، وبناء عليه فإن الأمر يرجع إلى القضاء وللقاضي بنظرته الذكية أن يفرق بين من سرق كطبيعة ومن سرق من أجل أن يسد الرمق.
سرق ليأكل
وقال الشيخ عبدالحميد الأطرش ـ رئيس لجنة الفتوى بالأزهر سابقاً ـ مجمع البحوث الإسلامية هو المرجعية الأصلية ولا يصدر رأياً إلا بعد موافقة الأغلبية عليه ودراسته دراسة تامة.
وأضاف: بخصوص هذه الفتوى فإن الحياة الاقتصادية والظروف الاجتماعية لها دخل في تخفيف الحكم من درجة إلى أخرى، لأنه يشترط في المفتي أن يعلم نفسية المستفتى، فقد جاء رجل إلى ابن عباس- رضي الله عنه - يسأله: هل للقاتل من توبة؟ فقال: لا، فجاءه آخر فقال: هل للقاتل من توبة؟ قال: نعم، فقال الرجل لابن عباس: السؤال واحد والإجابة مختلفة، فقال - رضي الله عنه - الأول لم يقتل وإنما جاء يستفتي إن كان للقاتل من توبة فأردت أن أسد عليه باب الفتنة، أما الثاني فكان قد قتل حقيقة وجاء تائباً نادماً ولا أحد يقف في وجه تائب راجع إلى الله تعالى. ولذلك فإن الجوعان ليس عليه قطع فلا تقطع يد السارق الذي سرق ليأكل وإنما يعزر ويخفف الحكم وعلى القاضي أن ينزل بالعقوبة.
عقوبات لا تقبل التغيير
وقال الدكتور أحمد محمود كريمة ـ أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر ـ من المقرر شرعاً أن جريمة السرقة من الكبائر التي لها عقوبة دنيوية مقدرة بالنص الشرعي المحكم قال تعالى: "والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالاً من الله والله عزيز حكيم"، وبقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - وبأمره بقطع يد السارق متى توافرت الشروط الشرعية من بلوغ النصاب ومن تكليف السارق أي أن يكون بالغاً عاقلاً مختاراً.
وأضاف أن لحد السرقة كغيره من الحدود عقوبات مقدرة لا تقبل التغيير ولا التبديل وليس فيها ما يسمى تخفيف العقوبة ولا تسقط بالتقادم، ومن المقرر شرعاً أن الحد أمره إلى الحاكم وهو لا يملك إلغاءه أو إسقاطه وإنما يملك تأجيل إقامته لمرض أو حمل في حق المحدود، والأصل في هذا خبر السيدة المخزومية كما قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم - لسيدنا أسامة بن زيد "أتشفع في حد من حدود الله، والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها"، والقول بتبديل الحدود الشرعية قول يتناقض مع ما ثبت بالنصوص الشرعية، لأنها مقدرات شرعية بمثابة المسلمات العقلية فهي في الماضي والحاضر والمستقبل لا تتغير ولا يملك عالم ولا حاكم التغيير ولا التبديل.
الإيقاف وليس التخفيف
أشار الدكتور كريمة إلى أن التعلل والتذرع بأن الفقر والحاجة والفاقة سبب للسرقة يؤدي إلى الإيقاف وليس التخفيف وهو ما فعله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - حينما أوقف حد السرقة لوجود شبهة تدفع الحد، فهو أوقف ولم يخفف وأسقط ولم ينزل فاستبدال القطع بالجلد أو الحبس أو أي عقوبة أخرى لا يجوز شرعاً، كما قال تعالى: "تلك حدود الله فلا تعتدوها"، وأوضح أنه كان الأولى في بحث هذه المسألة دراسة مدى إنفاذ الحد من عدمه، فإما أن يطبق بالكلية وبالشروط المرعية أو يسقط مع المحافظة على صفة الحد في الحاضر والمستقبل، كما أن القول بتخفيف أو بتبديل الحد يعطي الذرائع لأهل القانون الوضعي لتغيير ما ثبت بنصوص الشرع والقاعدة الفقهية الأصيلة تقول: "دفع المفاسد مقدم على جلب المصالح".