جريدة الجرائد

ضغوط أميركية لحل القضية الفلسطينية على الطريقة الأيرلندية

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

هدى الحسيني

مرحلة الثلاثة إلى ستة أشهر المقبلة ستكون حاسمة للسياسة الخارجية الأميركية، الأولوية في الاهتمامات الأميركية ستكون لأفغانستان، ومن ثم إيران، وهناك ربط ما بين إيران والموقف المطلوب من إسرائيل. أما العراق فأكثر ما يخاف منه الرئيس الأميركي باراك أوباما هو الفوضى، لذلك يريد أن تجري الانتخابات في أجواء هادئة. هو يريد الانسحاب، والكثير من المراقبين يتوقعون حربا أهلية طاحنة في العراق بعد الانسحاب الأميركي.

تريد الولايات المتحدة إبلاغ طالبان في أفغانستان أن لا مشكلة لها معهم، المهم ألا يعطوا ملاذا آمنا لـ"القاعدة"، وحول هذا الطلب تجري الاتصالات السرية مع طالبان، ففي نظر واشنطن تستطيع أفغانستان في النهاية التعايش مع طالبان كما يتعايش لبنان مع حزب الله. المطلوب فقط منهم عدم إعطاء حماية لأسامة بن لادن وما بقي من "القاعدة" وهو قليل جدا بعدما قُتل منهم كثيرون.

ويروي لي مصدر أميركي مطلع أن الغارات الجوية التي قامت بها طائرات الدرونز، في السنة الأولى من حكم أوباما لضرب طالبان و"القاعدة"، كانت أكثر عددا من الغارات التي شنتها طوال ثماني سنوات من حكم الرئيس السابق جورج دبليو بوش.

استراتيجية الخروج من أفغانستان عام 2011 لن تكون سهلة، فليس معروفا كيف سيكون الخروج، الجغرافيا هناك صعبة جدا، وطالبان يخترقون القوات الأمنية والجيش، وهناك جماعات من الحكومة ومن طالبان يتاجرون بالمخدرات، ويعتقد الكثيرون في واشنطن أن الاستخبارات الباكستانية لا يزال قسم فيها يدعم "القاعدة" وطالبان، وتضغط واشنطن على إسلام آباد ألا تخاف من الهند (باكستان تنشر قوات كثيرة على طول حدودها مع الهند)، وأن تظهر مواجهة قوية ضد طالبان.

الدور السعودي مهم جدا لإقناع طالبان بالتخلي عن "القاعدة"، ولإعادة الاستقرار إلى أفغانستان قبل الانسحاب الغربي منها.

أما المسألة الإيرانية فإنها ستتبلور في الأشهر الثلاثة المقبلة: أوباما يركز على خيار المقاطعة الاقتصادية. والاعتقاد في واشنطن أن الصين إذا شعرت أنها وحدها صاحبة موقف مختلف فستغيره، لأنه حتى الآن، تقف روسيا مع المقاطعة، وكذلك الدول الأوروبية ودول الخليج.

يقول محدثي الأميركي: إن النظام الدفاعي للخليج رسالة إلى إيران؛ أن تهديدها لدول الخليج لن يجدي. في الأول من الشهر الحالي أرسل البيت الأبيض خطط نظام الصواريخ الدفاعي إلى الكونغرس، وتتضمن مواعيد نشر هذا النظام وإقامته، ومراجعة لتهديد الصواريخ الباليستية الإيرانية للمنطقة. الدول التي سيُنشر فيها هذا النظام هي: البحرين، وقطر، والكويت والإمارات العربية المتحدة. وسيبدأ نشر هذه الأنظمة عام 2012. ويضيف محدثي: تنوي الإدارة المساعدة في تدريب قوة والعمل على توسيعها من عشرة آلاف عنصر إلى 35 ألفا، تابعة لوزارة الداخلية السعودية مهمتها حماية آبار النفط ، وكما يقول: "لا يكتمل أي برنامج دفاعي من دون حماية البنى التحتية وفي مقدمتها قطاع الطاقة".

مع الاستعداد لحماية دول الخليج، من التهديدات الإيرانية (سنغلق مضيق هرمز، سنقصف كل المصالح الأميركية في الخليج، كما يقول المسؤولون الإيرانيون دائما)، تبذل الإدارة الأميركية جهود الإقناع لدفع المجتمع الدولي إلى فرض المقاطعة الاقتصادية على إيران، وجزء من جهودها العمل على وقف الائتمانات من المصارف الأوروبية واليابانية، وإبقاء الحصار على قطع غيار الطائرات وصناعة النفط.

يُذكر أن الإنتاج الإيراني من النفط انخفض كثيرا، وتستورد إيران 500 ألف برميل يوميا من البنزين ومشتقاته، وإذا وقع الحصار الدولي فسيرتفع سعر البنزين ويضاعف المشكلات الاقتصادية الإيرانية.

باختصار فإن الاستراتيجية الحالية فيما يتعلق بإيران هي: مقاطعة عالمية، وإيقاف التسهيلات المالية، ولهذا تريد الولايات المتحدة التوجه إلى مجلس الأمن الدولي لاستصدار قرار لفرض هذه المقاطعة، كما جرى مع عراق صدام حسين، إذا رفض الإيرانيون خلال الأشهر الثلاثة المقبلة المقترحات الأميركية والأوروبية لتخصيب اليورانيوم الإيراني في الخارج.

يضيف محدثي: لا تعتقد واشنطن أن الصين ستستعمل حق النقض. فواشنطن أبلغت بيجينغ الآتي: "إذا لم تدعموا المقاطعة، واندلعت الحرب فإن أسعار النفط سترتفع وهذا يلحق الضرر بكم. هل تريدون حربا أم مقاطعة؟" الصين ثاني أكبر مستهلك للنفط في العالم، وهي تركز على نموها الاقتصادي وتتجنب الركود.

إيران ستكون تجربة حاسمة لإدارة أوباما، وهناك ربط بينها وبين عملية السلام. وقد عادت الأولوية أميركيا إلى العمل على استئناف المفاوضات على المسار الفلسطيني-الإسرائيلي. واشنطن أبلغت الرئيس الفلسطيني محمود عباس أنها غير قادرة على إيقاف المستوطنات في القدس، وطلبت من الجانب الفلسطيني العودة إلى طاولة مفاوضات، ووضع كل القضايا على الطاولة. المبعوث الأميركي جورج ميتشل يريد تكرار الأسلوب الذي اعتمده في أيرلندا الشمالية. أي لا مفاوضات مباشرة بين إسرائيل والفلسطينيين، بل ينقل هو الاقتراحات بينهما، ينطلق في مسعاه من أن الإدارة الأميركية نجحت في إقناع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بقبول قيام دولة فلسطينية، والموافقة على نوع ما من تجميد عملية الاستيطان.

يقول محدثي، المصدر الأميركي: هناك تفكير بعقد مؤتمر دولي لدعم المفاوضات، وقد يُعقد إما في القاهرة وإما في أبو ظبي أو المغرب، أو في دولة أوروبية. واشنطن لديها تصور للحل النهائي، ليست هناك من تحديدات، إنما يشمل القدس ومستقبل المستوطنات، وتعرف أن مساحة الدولة الفلسطينية المقبلة ستكون المساحة نفسها التي كانت عليها حتى حرب 1967، "لكن قد يجري تبادل أراض".

إذا تم التوصل إلى اتفاق، فستدعمه كل الدول العربية وأوروبا والعالم أيضا، يقول محدثي: "سوريا لن تستطيع الاعتراض لأنه عندما تبدأ المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية ستليها مباشرة مفاوضات سورية-إسرائيلية، تليها مفاوضات سلام بين لبنان وإسرائيل. وهكذا يجري إضعاف حماس وتُمنع سوريا من نسف هذه المفاوضات".

سأل مراقب مهتم بالشأن الفلسطيني مسؤولا في البيت الأبيض: لماذا على أوباما أن يتخذ موقفا مقربا من الفلسطينيين أكثر من العرب أنفسهم؟ فكان جوابه: لأنه يهتم بإيجاد حل للقضية الفلسطينية.

إن اسم اللعبة في إسرائيل الآن، نتنياهو الذي يريد أن يبقى في السلطة. يشرح لي محدثي الأميركي أن واشنطن تنسق تنسيقا وثيقا مع إسرائيل تجاه إيران، من ضمن هذا التنسيق: إذا قال نتنياهو إن الخطر الاستراتيجي هو إيران، أبلغته واشنطن أن عليه التعامل معها لعزل إيران. هي تريد طمأنة العرب ودول الخليج، وهؤلاء يكررون على مسامعها: القضية الفلسطينية هي الأساس. إذن الربط قائم بين كل القضايا.

هناك ضغط أميركي على نتنياهو، يؤكد محدثي، واشنطن تريد أن توقف برنامج إيران النووي، في وقتٍ حلفاؤها في المنطقة هم العرب، ويصعب عليها احتواء إيران وإسرائيل تتخذ موقفا معاديا للعرب. هناك جديد طرأ على الموقف الأميركي: أن السلام في الشرق الأوسط بين إسرائيل والفلسطينيين وبين إسرائيل وسوريا صار جزءا من مصلحة الأمن القومي الأميركي، لذلك حسب المصدر الأميركي، تتفق واشنطن مع نتنياهو على أن إيران خطر، لكنها تسأله: ما الدور الذي سيقوم به لعزل إيران؟ تشعر إدارة أوباما بأن امتحان السياسة الأميركية سيكون في المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين، واشنطن تنوي التدخل بقوة وتقديم اقتراحات وإجبار الطرفين على تبادل التنازلات.

وأسأل محدثي: لكن ماذا عن شرط نتنياهو باستئناف المفاوضات مع سوريا من دون شروط مسبقة؟ يقول: كل الأطراف تعرف أين وصلت المفاوضات السابقة بين الطرفين! ويضيف: تعرف سوريا أن إسرائيل لن تعيد الجولان قبل أن تغلق سوريا طرق تهريب السلاح لحزب الله. السلام السوري-الإسرائيلي يعني نهاية الحرب بين الدولتين، وأن توقف سوريا دعم المجموعات المعادية لإسرائيل. تماما كما السلام مع مصر.

وأسأل: وهل توافق سوريا على هذه الشروط المسبقة؟ يؤكد أنها تواقة لفتح خطوط اتصالات مع أميركا، "ودمشق تعرف أن وضعها السياسي والاقتصادي سيتحسن إذا استرجعت الجولان، وتعرف وهذا الأهم، أن النظام سيقوى في الداخل. أما إذا كانت تعتقد أنها ستعيد الجولان وتظل تمد حزب الله بالسلاح فإنها تضحك على نفسها".

أقول له: سمعنا أن واشنطن أوباما تريد التخلص من إرث بوش بأي شكل، ستعطي النفوذ في العراق لإيران وفي لبنان لسوريا، والمشكلات بين الفلسطينيين أصعب من قدرتها أو قدرة القاهرة على حلها، وليس مضمونا أنها ستكسب تعاون نتنياهو لأنها مضطرة لمعالجة الموضوع الإيراني؟ يجيب: إعطاء العراق لإيران ليس صحيحا، وإعادة النفوذ السوري إلى لبنان أرجو ألا ينجح! أما الفلسطينيون فإنهم يدركون أن الوقت يفوتهم، أما نتنياهو فليس من مصلحته المراهنة على شخصية أوباما الفولاذية. ويجب ألا ننسى أنه إذا فقد منصبه الآن فسينتهي مستقبله السياسي.




التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف