جريدة الجرائد

ما هو مستقبل "حلف" جنبلاط - الحريري ؟

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

سركيس نعوم

شعرت المعارضة المسيحية للوصاية السورية على لبنان وللنظام الامني اللبناني - السوري المشترك بالسعادة عندما مد الزعيم الدرزي الابرز وليد جنبلاط يده اليها في العام 2004. ذلك ان نضالها المزمن وغير المنتج عملياً كان ينتظر مشاركة فريق مسلم وازن فيه كي يصبح وطنياً وكي يحقق الاهداف المرجوة منه. وهذه المشاركة هي التي فتحت لاحقاً الطريق امام انضمام الرئيس (الشهيد لاحقاً) رفيق الحريري و"تيار المستقبل" الذي كان في طور التأسس و"الجمهور" السنّي الواسع الذي يؤيده الى المعارضة المذكورة او بالاحرى امام تزعمه اياها نظراً الى قامته الكبيرة كشخص وكمسؤول والى الحجم الكبير "للشعب" الذي يمثّله داخل السلطة وفي الحياة السياسية اللبنانية. وفي الوقت نفسه نظراً الى علاقة الصداقة والتحالف السياسي المتينة والحميمة التي كانت قامت بينه وبين جنبلاط بعد سنوات طويلة من المد والجزر. وبعد اغتيال الرئيس الحريري في 14 شباط 2005 توحّد هؤلاء المعارضون ومعهم جهات وشخصيات عدة في اطار ما عرف بفريق 14 آذار وحققوا انجازات مهمة وملموسة اولاً بسبب وحدتهم وتنوعهم الوطني الى الطائفي واولاً ايضاً بسبب الدعم الدولي الذي حصلوا عليه وبلادهم والذي "عوّض" اهماله اياها عقوداً طويلة بل تلزيم رعايتها وحتى حكمها للذين قام 14 آذار لمواجهتهم. وعمم هذا الامر شعور السعادة على 14 آذار برمته وجعله يعيش في عالم مليء بالطموحات والآمال المشروعة من جهة ولكن المتجاهلة في الوقت نفسه حقائق التاريخ والجغرافيا والأوضاع اللبنانية المشروحة وتعلّق الخارج بشقيه العربي والدولي بمصالحه فقط وتجاهله حين يقتضي تأمينها او المحافظة عليها حقوق الشعوب وحقوق الانسان والحريات والديموقراطية والاستقلال والسيادة وما الى ذلك.
الى متى استمر شعور السعادة المشار اليه اعلاه؟
لا بد من الاعتراف بأن عمره لم يكن طويلاً. اولاً، بسبب عجز "السعداء" عن استكمال التخلص من كل رموز نظامي "الوصاية والامن المشترك". وثانياً، بسبب خروج "التيار الوطني الحر" بزعامة العماد ميشال عون من فريق 14 آذار ولاحقاً بانضمامه الى الفريق الخصم 8 آذار بل الى قائده "حزب الله" عبر "ورقة تفاهم" توصّل اليها معه وتبنّى من خلالها كل الطروحات التي كان يناقضها او يعاديها. وطبعاً اخذ معه شعبيته المسيحية الواسعة جداً في ذلك الحين. وثالثاً، بسبب تماسك 8 آذار المدعوم من سوريا وايران واحتفاظه بشارعه المتنوّع وقدرته على تعطيل الحكومة بل على شل الدولة ونجاحه في الحاق الهزيمة باسرائيل في حرب 2006 بمنعها من تحقيق اهدافها فيها. ورابعاً، بسبب "الاختبار العسكري" الذي اخضع له العاصمة بيروت وجماهير 14 آذار فيها وفي مقدمها جمهور "المستقبل" وجمهور جنبلاط. لكن لا بد من الاعتراف في الوقت نفسه بأن المعنويات في 14 آذار استمرت مرتفعة لأن اطرافه نجحوا في المحافظة على وحدتهم رغم كل المحاولات وفي احباط محاولات اسقاط حكومة السنيورة في الشارع رغم اعتصام دام اكثر من سنة. فقط عندما تصدعت هذه الوحدة بانتهاج الزعيم الدرزي الابرز وليد جنبلاط طريق الافتراق عن 14 آذار بعد "حرب 7 ايار 2008" الذي كانت دوافعه الحرص على الطائفة الدرزية التي كانت وبسبب اقليتها ستدفع ثمن استمرار الصراع المذهبي السنّي - الشيعي، وابعاد شبح المذابح والتهجير عنها والمحافظة على زعامته - فقط عندما تصدّعت هذه الوحدة غاب الشعور بالسعادة عن مكونات 14 آذار الباقية داخله لأن جنبلاط ودروزه كانوا عصبها الاساسي او احد ابرز الاعصاب الاساسية فيها. وحلّ مكانه شعور بوجود خلل وضعف لا بد من البحث عن وسائل عدة للحد منهما او لازالتهما، وزاد حدة هذا الشعور الانقلاب الواضح في ميزان القوى الاقليمي - الدولي اذ صار في مصلحة 8 آذار والادلة كثيرة على ذلك وهي اجتماع الدوحة ثم "اتفاقهما" والمصالحة السعودية - السورية والانفتاح الاميركي والاوروبي على سوريا واستطراداً على ايران رغم عدم انتهاء هذا الانفتاح الى نتائج ايجابية ونهائية. ولم تكن وحدها مواقف جنبلاط المؤشر على طلاقه مع 14 آذار، علماً انه اتخذه او بالاحرى اعلنه في 2 آب الماضي، بل سبقتها "صدامات" وزيره غازي العريضي مع مجلس الانماء والاعمار الذي يعتبره كثيرون، الانجاز الاول للحريري في السلطة واشتباكاته مع رئيس حكومته فؤاد السنيورة تلميذ الحريري الشهيد.
اين جنبلاط اليوم من 14 آذار؟
لم يعد هذا الزعيم الدرزي الابرز جزءاً من 14 آذار او بالأحرى قائداً لها كما اتهم او فيها كما هي الحقيقة. ولم يصبح جزءاً من 8 آذار المناوىء رغم المصالحات التي اجراها مع مكوناته ورغم اقترابه منه ورغم استعادته لغة سياسية او خطاباً سياسياً اقرب اليه كان استعمله في السابق سواء اثناء الحروب الاهلية وغير الاهلية او بعدها. وموقفه من سوريا شعباً ونظاماً تغيّر وهو قريب من زيارة عاصمتها والاجتماع برئيسها وتصويب مواقفه الذي لا يمكن انكار ان فيه شيئاً من "الاعتذارية". لكنه رغم ذلك متمسك بعلاقته بل بحلفه مع زعيم "المستقبل" الرئيس سعد الحريري بل زعيم 14 آذار كونه الأقوى فيها والأكبر حجماً شعبياً وتمثيلاً نيابياً. والاثنان اي العلاقة والحلف متمسك بهما الحريري. لكن السؤال الذي يُطرح في هذا المجال هو: هل يمكن الحفاظ على هذه العلاقة في حال توتر علاقة جنبلاط بحلفاء الحريري في 14 آذار؟ او في حال انجرار جنبلاط و"المستقبل" الى نوع من التوتر؟
والجواب المنطقي والموضوعي على ذلك هو انه ليس سهلاً الحفاظ على علاقة كالمذكورة رغم "المصالحة" بين "رئيس الحكومة" سعد الحريري وسوريا في ظل انفصال جنبلاط عن 14 آذار وخصوصاً اذا تحوّل هذا الانفصال الودي مع الوقت غير ودي واذا قامت الخلافات بين الفريقين. وذلك قد يكون محتملاً لأسباب عدة. وهذا امر يعرفه جنبلاط بل يقرأه من خلال تطورات عدة ميدانية ابرزها اثنان. الاول، مشكلة "جل البحر" بعدما صارت مرافىء الصيادين طائفية بل مذهبية بامتياز بين وزير الاشغال غازي العريضي ونواب "المستقبل" في بيروت. وهي تتطور سلباً، وسترخي بظلالها على العلاقة وان قيل انتهت. والثاني تخلّي الحريري او "المستقبل" عن الخصوصية الدرزية في اقليم الخروب السنّي التي كانت دائماً موجودة والتي دعمها الشهيد رفيق الحريري. وبذلك يمكن في حال الاختلاف توحّد كتلتين مسيحية وسنية ضد جنبلاط سياسياً اي في الانتخابات.
لماذا تتفاقم القضايا الخلافية بين جنبلاط و"المستقبل"؟ يعتقد جنبلاط استناداً الى قريبين منه ان هناك من يؤجج نار الخلاف مع الحريري وتياره وخصوصاً من داخل هذا التيار. وقد يكون الرئيس السنيورة غير بعيد من ذلك. لكنه رغم ذلك وبسبب الوضع الديموغرافي لطائفته لن يدخل اي مغامرة وخصوصاً بعدما صارت مناطقها شبه محاصرة ديموغرافياً طبعاً بأكثريتين واحدة سنية وأخرى شيعية وسيحاول جاهداً الابتعاد عن "المشاكل" كي لا يدفع وشعبه ثمنها.


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف