متورطون بـالإرهاب يلجأون إلى المصاهرة لكسب دعم معنوي لاستعادة نشاطهم
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
الرياض - ناصر الحقباني
تولد الصداقات بين المتورطين في القضايا الأمنية في داخل السعودية وخارجها، وتنشأ في بؤر مناطق الفتن والصراعات أو غياهب السجون، ما يجعل العرى وثيقة في ما بينهم. ويسعى تنظيم "القاعدة" من خلال الصداقات إلى إقامة استراتيجية "المصاهرة" التي تخلق بيئة داعمة معنوياً ومادياً للتنظيم. وقال أكاديمي سعودي لـ "الحياة": "هذا إنذار مبكر، علينا مد يد العون للأسر، خصوصاً النساء، للتبصير بمخاطر التحالفات التي تقام على حساب مستقبلهن وحريتهن في الاختيار التي كفلها لهن الإسلام".
وأوضحت مصادر لـ "الحياة" أن هناك عدداً من الأسر، تورط أبناؤها في قضايا أمنية، بعضهم في الخارج. وبعد مناصحة عدد منهم تزوجوا من شقيقات زملائهم، الذين كانوا معهم في مناطق الفتن والصراعات أو في السجون، مشيرة من جهة أخرى إلى أن عدداً من الأسر استعادوا بناتهم بعد انضمام أزواجهن إلى "القاعدة"، أو القبض عليهم متورطين في قضايا ذات صلة بالإرهاب.
إحدى الأسر (تحتفظ "الحياة" باسمها) استقبلت ثلاثاً من بناتها بسبب تورط أزواجهن في الخروج عن طاعة ولي الأمر، إذ قتل اثنان منهم بعد انضمامهما الى تنظيم "القاعدة" في اليمن، فيما لا يزال الآخر وراء قضبان السجن في السعودية.
وأشارت المصادر إلى أن أحد المتورطين في الخارج (تحتفظ "الحياة" باسمه) ممن تمت مناصحتهم انفصل عن قريبته بعد زواجهما، واقترن بشقيقة أحد الذين شاركوه في عضوية خلية إرهابية (غرب السعودية)، فيما اقترن آخر بشقيقة عنصر من التنظيم لا يزال يقبع في السجن بعد ضبطه متلبساً بمحاولة إدخال صواريخ إلى السعودية.
وأكدت المصادر أن اثنين من المطلوبين على قائمة الـ85 (تحتفظ "الحياة" باسميهما) تزوج كل منهما شقيقة الآخر، لكنهما تسللا إلى اليمن قبل انقضاء سنة على زواجهما، وانضما هناك إلى تنظيم "القاعدة في جزيرة العرب".
وذكرت أن المطلوب الرقم 85 في القائمة المذكورة يوسف الشهري، الذي قتل في نقطة أمنية في جازان (جنوب السعودية) في تشرين الأول (أكتوبر) 2009 سهّل اقتران نائب زعيم تنظيم "القاعدة" في اليمن المطلوب الرقم 36 سعيد الشهري بشقيقته وفاء الشهري التي هربت إلى اليمن برفقة أبنائها من أبوين مختلفين. ورأى المشرف على كرسي الأمير نايف لدراسات الأمن الفكري الدكتور خالد الدريس، في حديث إلى "الحياة"، أن "التعميم لا يقودنا إلى سبر أغوار هذه الإشكالية، بل يكون سبباً للوقوع في شراك عدد من الأخطاء في الفهم والتصور". وذكّر بوجود بعض العلاقات الأسرية الطبيعية قبل انتماء عدد من أفرادها إلى التنظيمات الإرهابية. وأضاف: "يهمنا حلف الأصهار الذي تسعى الجماعات الإرهابية إلى إقامته بين أتباعها، لتستحدث خريطة من العلاقات التزاوجية بين أفراد التنظيم، بعد تأمل المعلومات الشخصية لعدد من المتورطين في قضايا الإرهاب".
وقال الدريس إن "استراتيجية المصاهرة" التي كشفتها القصص والمراسلات الخاصة بين أفراد التنظيم تتضمن خلق بيئة داعمة معنوياً ومادياً للعضو، بحيث إن الأخت المتأثرة بأخيها الباحث عن "الجهاد والشهادة" ستتلقن ثقافة مؤيدة وقيماً راسخة في هذا المجال، ما يهيئها لتكون، وفقاً لمنظورهم، زوجة صالحة لصديق أخيها، وقادرة على تربية أبنائها تربية "جهادية" بحسب فهمهم، صابرة على حياة المطاردة والسجون والهروب الدائم، مؤمنة بالقضية ومتعاطفة معها، ومتفهّمة مخاطرها ونتائجها، مقدمة التحفيز والتأييد والدعم بشتى أشكاله.
غير أن أستاذ علم الاجتماع الدكتور عبدالله الفوزان قال لـ "الحياة" إن توجه المتورطين في قضايا أمنية إلى الزواج من أخوات بعضهم، "مدعاة للريبة والشك، ويثير المخاوف من توسيع دائرة الشبكات الإرهابية، والالتفاف على الإجراءات الأمنية الاحترازية، وتوظيف المرأة في النشاطات الإرهابية، بحيث تلعب المرأة دوراً لوجيستياً في الدعم والمساندة والتستر على نشاطات زوجها".
ولفت إلى أن هذه المخاوف لا تلغي حقهم في حرية اختيار الزوجة كأحد حقوق الإنسان، ويجب عدم حرمانهم وتجريدهم من حقوقهم المشروعة لدواعٍ أمنية، "لأن هذا يتعارض مع بنود معاهدة حقوق الإنسان، كونهم انخرطوا في جماعات إرهابية، وتمت مناصحتهم، ومن بين تلك الحقوق حقهم في اختيار الزوجة التي يرغبون في الارتباط بها".
وأضاف: "لكن، يجب أن يخضعوا لدورات تأهيلية، خاصة بالنسبة الى الزواج، هم وزوجاتهم، إضافة إلى المتابعة الأمنية المطلوبة حتى لا نؤتى من مأمننا".
وتساءل الدكتور الدريس عن دور الوالدين، والسر في لا مبالاتهم تجاه مصير بناتهم اللاتي يزفونهن بثوب الحداد لتحيا الواحدة منهن كالأرملة. وقال: "تنشأ الصداقات في الغالب في بؤر الصراع، وتتسم بالعمق الوجداني كما يزعمون، ما يجعل عراها وثيقة. والمعروف لديهم أن الشاب منهم يريد زوجة متفهّمة للثقافة "الجهادية" كما يحلم بها، تكون قادرة على تفهم الأدوار المناطة بها، والعيش وفق متطلبات مجتمع زوجها الصغير المغلق، بكل ما في ذلك من مصاعب ومخاطر، وتحيطه بأسوار من السرية، وتسهم في بناء شبكات اجتماعية متماسكة للتنظيم".
وعن الأسباب التي تؤدي إلى اقتران الكثير من المطلوبين بأخوات بعضهم، قال الفوزان: "هناك احتمالات عدة، منها أن بعض أسر الفتيات يطمع في عدول المتورطين عن نهج الإرهاب والتدمير، وأن يصبحوا صالحين، خصوصاً من تمت مناصحتهم، أو جهل بعض الأسر بالأخطار المترتبة على تزويج هؤلاء، وأنهم قد يعودون إلى ما كانوا عليه من أفكار إرهابية، وتوظيف بناتهم في العمليات الإرهابية ونشر الفكر الضال بينهن، أو تعاطف بعض الأسر مع أصحاب الفكر الضال ودعمهم من خلال القبول بهم أزواجاً لبناتهم".
وحذّر الدريس من زواج أخوات المتورطين بعضهم ببعض، "إذ من الممكن أن يؤدي ذلك إلى ازدياد التعاطف مع الفكر المتطرف". ووصف ذلك بأنه "الإنذار المبكر". وقال: "لا بد من دراسة معمّقة للحالات، لمعرفة أبعاد القضية وأسبابها، كما علينا - كمجتمع - أن نمد يد العون لتلك الأسر، خصوصاً النساء، فهن في حاجة ماسة إلى التوعية بمخاطر التحالفات التنظيمية على حساب مستقبلهن وحريتهن في الاختيار التي كفلها لهن الإسلام".
وذكر المشرف العام على كرسي الأمير نايف لدراسات الأمن الفكري أن "هناك أكثر من علامة استفهام إزاء صدقية من يجد التبرير من المتطرفين الذين تمت مناصحتهم بأن المجتمع لم يتقبّلهم، فاضطروا إلى الزواج بأخوات بعضهم. وقال: "ما أخشاه أن أولئك يبحثون عن حلم مفقود، وبيئة حاضنة تعيد إليهم وهجاً تلاشى، وحيوية تشجعهم على العودة الى سابق مسلكهم حين تلوح الفرصة المناسبة".
وأكد أن عدداً من المفرج عنهم لم يشتكوا من سوء معاملة أقاربهم أو مجتمعهم المحيط بهم، خلال لقائه بهم. وقال: "فهمت منهم أنه يتم التعامل معهم اجتماعياً بقدر من التفهم لقضيتهم، بعكس المقبوض عليهم في جرائم جنائية كالسرقة أو المخدرات أو الانتهاكات الأخلاقية الذين ينبذهم المجتمع".