ضجيج الانتخابات العراقية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
عبد الرحمن الراشد
بعد أقل من عشرة أيام، سيقرر العراقيون مصيرهم السياسي، ومستقبل بلدهم. وقد نرى تاريخا زاهرا جديدا للعراق، أو قد تكون هذه هي الانتخابات الأخيرة. لهذا، فإن ما نسمعه من ضجيج ومعارك كلامية وإعلامية، يعبر فعلا عن انتخابات حاسمة.
ولا أتصور أن السنوات الأربع الماضية، التي أدارت فيها حكومة منتخبة برئاسة نوري المالكي، ستتكرر بالصيغة نفسها، حتى وإن تكرر المالكي نفسه رئيسا للوزراء. هناك جملة من المعطيات ستتبدل، بدءا من السنة المقبلة، أبرزها خروج القوات الأميركية. والوجود الأميركي، عدا عن دوره العسكري في مواجهة خصوم النظام الجديد، وحمايته من الخارج والداخل، يمثل أيضا ثقلا سياسيا، يوازن بين القوى المتنافسة. هذا الحضور، وحتى قبل عامين من موعد الرحيل العسكري، ضعف اليوم بسبب تراجع الاهتمام الأميركي بالشأن العراقي في عهد الرئيس باراك أوباما، الذي لم يكلف نفسه عناء الاتصال برئيس الوزراء المالكي منذ استلامه الرئاسة منذ عام، بخلاف الرئيس السابق جورج بوش، الذي عود المالكي على جلسة فيديو أسبوعية، كانا يناقشان فيها تفاصيل التفاصيل العراقية. ورأينا كيف أن الابتعاد الأميركي التدريجي تسبب في تدخل قوى محسوبة على إيران، التي أقصت مرشحين رئيسيين من الانتخابات، وعجز التدخل الأميركي المتأخر عن منعه. والابتعاد الأميركي عن إدارة الشأن العراقي، بقدر ما هو تطور إيجابي في صالح الدولة العراقية، فإنه سيخلق فراغا ستحاول شغله قوى خارجية متوثبة، صارعت من أجل إبعاد الأميركيين، وهي اليوم تعتقد أنها صاحبة الحق في إدارة العراق، ولو بالنيابة. وبوضوح لا لبس فيه، تدخل الرئيس الإيراني أحمدي نجاد بإطلاق تصريحات حول من يحق له الدخول، ومن يجب إبعاده عن الترشح البرلماني. وعدا عن أن في هذه التصريحات خروجا عن الأصول والآداب، فيه أيضا إعلان مبكر من طهران عن عزمها إدارة العراق، لتحل محل الأميركيين. وتصريحات نجاد هذه استفزت الدول المجاورة، التي اعتبرتها مؤشرا خطيرا.
الانتخابات على الأبواب تؤذن بتاريخ جديد، وربما خريطة جديدة للقوى الإقليمية كلها، وكذلك الدولية. هل يتغير الوضع بعودة حكومة المالكي بتحالفات جديدة، أو مجيء حزب ديني آخر مثل المجلس الأعلى، أو انتصار تحالف علماني بقيادة إياد علاوي؟ من المؤكد أن الثوابت التي استحدثت بعد إسقاط نظام صدام حسين لن يكون سهلا الحفاظ عليها، إذ لا مظلة أميركية، والصراع السياسي الإقليمي سيتوسع في داخل العراق وحوله، والتنازع العراقي الداخلي ربما سيكون أكثر ضراوة.
ماذا عن العراقيين؟ هل يستطيعون الصمود؟ وهل تعلموا من تجارب السنوات القليلة الصعبة الماضية، بما يمكن لهم تدبر أمورهم في السنوات المقبلة؟ علينا ألا نقلل من التطور الذي ظهر في المجتمع العراقي، فالانخراط الشعبي الهائل في النشاط الانتخابي والمشاركة الشعبية لن يكون سهلا إلغاؤهما. كما أننا رأينا تطورا حقيقيا في مهارات البرلمانيين، والعاملين عموما في الساحة السياسية، وقدرة على التعايش والانخراط والأداء النيابي الجيد. ربما تجربة السنوات الصعبة الماضية ستعين العراق على تجاوز محنة السنوات الأربع المقبلة.
إن النجاح الانتخابي، مهما كانت القيادة التي تفوز بأغلبية الأصوات، يعطي أملا في أن يكون القارب الذي يحمل البلاد إلى اليابسة، ويعبر بها بسلام من الإعصار المقبل.