المواطن المصري بين البرادعي والأحزاب
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
محمد صلاح
نحو أسبوع قضاه الدكتور محمد البرادعي في مصر بعد أن عاد إليها بعد فترة غياب طويلة، وقبل أن يغادرها في جولة تستمر نحو شهر، ليعود إليها مجدداً مع نهاية الشهر الجاري. خلال الأسبوع بذل الرجل جهداً كبيراً ليلبي مطالب برامج الفضائيات والصحف لإجراء حوارات معه حول خططه للمستقبل وأسباب استجابته لمطالب جزء من النخبة المصرية، ليرشح نفسه في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وكيفية تحقيق الشروط التي حددها كي يتمكن هو أو غيره من المستقلين من الترشح للانتخابات الرئاسية. عموماً لعب الإعلام دوراً مهماً في موضوع البرادعي وجرى التنافس بين الصحف والبرامج لعقد لقاءات معه، وتغطية نشاطه وباستثناء الصحف "القومية" والتلفزيون الرسمي لم يخل برنامج يومي من برامج "التوك شو" من حديث عن البرادعي ومشروعه. علماً بأن البرادعي لم يبادر أثناء إقامته في فيينا الى الإعلان عن نيته الترشح للرئاسة أو الانضمام إلى المطالبين بتغيير أو تعديل الدستور وإنما حدد موقفه على مطالبات ومقالات ورؤى بعض الناشطين السياسيين الذين وجدوا فيه شخصية تصلح للترشح.
في مصر الآن سباق على تعديل الدستور بين فريقين: الأول أصبح يقوده البرادعي الذي انتهى إلى تشكيل لجنة تعمل على صياغة دستور جديد، والثاني يضم أربعة أحزاب هي: الوفد والتجمع اليساري والعربي الناصري والجبهة الديموقراطية، وكانت هذه الاحزاب أعلنت تحالفاً من أجل تحقيق الأمن السياسي في مواجهة الحزب الوطني. وفي المقابل فإن الحزب الوطني الحاكم يراقب بكل تأكيد تحركات هذا الفريق ونشاط ذاك الفريق، وعلى رغم تحفظ رموز الحزب فإن ما فهم منهم يؤكد أن الدستور لن يُعدّل قبل الانتخابات البرلمانية المقررة قبل نهاية العام الحالي، ولا قبل الانتخابات الرئاسية المقررة في خريف العام المقبل. وبين كل تلك الأمواج السياسية يبقى المواطن يتابع أخبار البرادعي ونشاطه وجهود الملتفين حوله ويشاهد منذ سنوات رؤساء الأحزاب في برامج الفضائيات يتحدثون أيضاً عن الإصلاح السياسي، وهو مشغول دائماً وبصورة أكبر بتدبير أموره الحياتية طوال النهار، ثم يجلس ليلاً ليشاهد هؤلاء الذين يتحدثون عن تعديل الدستور.
يرى دعاة الإصلاح وتعديل الدستور، سواء من قادة الأحزاب أو البرادعي ومناصروه، أن بقاء الأوضاع السياسية على ما هي عليه من دون تغيير السبب يؤدي الى استمرار معاناة المواطنين وأن التغيير الاجتماعي والاقتصادي وبالتالي "الحياتي" بالنسبة الى الناس لن يتحقق من دون تغيير سياسي، في حين يعتقد البعض أن السياسة صارت رفاهية وأن انشغال المواطن بهمومه اليومية لا يتيح له الفرصة لتعاطي السياسة وأن مواجهة ظروف الحياة تأتي في الأولوية قبل مواجهة الحكم أو الالتفاف حول أي فصيل معارض. وبين الفريقين يروج رموز الحزب الوطني إلى أن الإصلاح الاجتماعي يتم حتى ولو بصورة بطيئة وأن تحركات بعض قوى المعارضة تعيق الإصلاح ولا تدفع به.
كيف يتحقق التغيير الدستوري؟ يرد فريق البرادعي أن الضغوط الشعبية ستؤدي في النهاية إلى تحقيق التعديل عندما يجبر نظام الحكم على الاستجابة للشعب، وترى أحزاب المعارضة أن التحالف بينها يمثل وسيلة ضغط على الحزب الحاكم، وأن عدم انضمامها إلى حملة البرادعي يحسب لها، وأنها باعتبارها جزءاً من النظام تسعى إلى التغيير من داخله، وتؤكد أن التعديل الدستوري الذي جرى عام 2005 وجعل اختيار رئيس الجمهورية يتم عبر الانتخاب بدلاً من نظام الاستفتاء الذي كان معمولاً به قبلها هو نتاج لجهود المعارضة على مدى أكثر من ربع قرن. وعموماً لا يبدو في الأفق اتفاق بين الأطراف الفاعلة في مسألة الإصلاح السياسي وتعديل الدستور في مصر بل يظهر بصورة كبيرة أن كل طرف في واد، فالحزب الحاكم ماض في الطريق الذي يسير فيه وأحزاب المعارضة لا تريد قطع شعرة معاوية مع الحكم، والبرادعي وأنصاره يعتمدون الحكمة: "أول السيل قطرة". والمواطن يراقب ولا يبدو أنه مهتم على رغم أن باقي الفرقاء يقسمون أنهم لا يبغون إلا مصلحته!