بين مطرقة الحرب وسندان الفساد
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
جهاد الخازن
قوات التحالف الغربي سيطرت أخيراً على مرجه التي تضم 80 ألف مواطن فرّ نصفهم خلال القتال. قوات أقوى تحالف عسكري في العالم احتاجت الى أسابيع لتصل الى بلدة أفغانية وتعلن النصر. وهي تستطيع غداً ان تركز على قندهار وتهزم طالبان فيها وتعلن نصراً آخر.
التحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة يستطيع أن يربح معارك، إلاّ أنه لا يستطيع أن يربح الحرب، فالنصر في مرجه أو قندهار أو محافظة هلمند كلها يتطلب الاحتفاظ بالأراضي التي طرد مقاتلو طالبان منها، غير أن هذا يعني ابقاءَ قوات التحالف في أرض المعركة الى أجل طويل، وهو أمر يبدو صعباً إن لم يكن مستحيلاً، فإدارة أوباما نفسها لا تريد وجوداً دائماً في أفغانستان، وتعتبر الحرب هناك "حرب ضرورة"، أي شيئاً اضطرارياً فرض عليها، بعكس حروب بوش الاختيارية التي نكبت أميركا عسكرياً واقتصادياً.
التحالف الحاكم في هولندا سقط بسبب مشاركتها في الحرب، وحكومتها أعلنت العزم على سحب القوات الهولندية مع نهاية السنة، وهناك انتخابات نيابية في حزيران (يونيو) المقبل. والسؤال الآن: هل تتبع ألمانيا وكندا هولندا في سحب قواتهما التي يفترض ان تنتهي مهمتها مع نهاية هذه السنة.
يحدث هذا والرئيس باراك أوباما يريد من دول التحالف الغربي زيادة قواتها في أفغانستان لحسم الحرب ضد طالبان، إلا أن الحرب غير شعبية في كل بلد، ربما باستثناء الدنمارك حيث يؤيدها نصف الناس، وستزداد المعارضة لها مع زيادة الإصابات، فالسيطرة على بلدة متوسطة الحجم رفعت خسائر قوات التحالف كثيراً في الأسابيع الأخيرة، وفي الأسبوع الماضي أشارت الأرقام الى ان الأميركيين تجاوزت خسائرهم الألف جندي، وبريطانيا 264 جندياً، وكندا 140 جندياً وفرنسا 40 جندياً وألمانيا 34 جندياً والدنمارك 31 جندياً.
لا بد من أن هذه الأرقام زادت منذ جمعتها قبل نهاية الأسبوع، ومعارضة الحرب في كل بلد تعكس خسائره في ميدان القتال، وهو وضع جعل وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس يحذر من أن معارضة الحرب شعبياً وسياسياً في أوروبا قد يساء تفسيرها في أفغانستان وبقية العالم على انها دليل ضعف، ما يشجع على سوء الحساب والعدوان.
هذا صحيح، إلاّ ان كل حرب، كما قرأت يوماً، شعبية في بدايتها، وحرب أفغانستان مستمرة منذ 2001، أي ان مشاركة الولايات المتحدة فيها زادت مرتين على المشاركة الأميركية في الحرب العالمية الثانية من دون أن تبدو ملامح النهاية في الأفق.
قوات التحالف تستطيع ان توفر لسكان بلدة مثل مرجه خدمات يعجز عنها رجال طالبان، أو لا يفكرون بها مثل المدارس والمستشفيات، إلاّ أن النصر في المعارك لا يأتي من دون ثمن، فصواريخ الطائرات من دون طيار تحصد المدنيين مع المستهدفين، وقد سمعنا في معركة مرجه عن قتل 12 مدنياً نصفهم من الأطفال في غارة وعن قتل ثلاثة مدنيين في غارة أخرى. إلاّ أن أخبار الضحايا المدنيين تُطمس بسرعة ولا يبقى سوى قتل بيت الله محسود في غارة داخل وزيرستان في آب (أغسطس) 2009، أو اعتقال الملاّ عبدالغني باردار أخيراً، وبعده بعض قياديي طالبان.
هذه انجازات مهمة، ومثلها تعاون الاستخبارات العسكرية الباكستانية مع وكالة الاستخبارات المركزية، وهو تعاون أدى أيضاً الى عودة الاتصالات بين باكستان والهند بعد اتهام استخبارات الأولى بالضلوع في الهجمات الإرهابية في بومباي.
هي خطوات إيجابية، إلاّ أن كسب القلوب والعقول، كما يريد الأميركيون صعب، والشعب الأفغاني بين مطرقة الحرب وسندان الفساد من حكومة يدعمها الأميركيون جعلت أفغانستان في آخر مراتب مؤشر الفساد العالمي.
ولعل القارئ يذكر كيف رفض البرلمان الأفغاني مرة بعد مرة أعضاء في حكومة كارزاي بتهمة الفساد. وقرأت أخيراً ان بليون دولار (كاش) تُهرَّب كل سنة الى الخليج عبر مطار كابول، وينتهي أكثرها في دبي. ويبدو أن حكّام أفغانستان لا يشعرون بأن البلد باقٍ لهم، لذلك فهم ينهبونه حتى إذا اضطروا الى الفرار يوماً يعيشون براحة في الخارج.
في غضون ذلك، الرئيس حميد كارزاي لا يستحي، فبعد الضجة الهائلة التي أثارتها انتخابات الرئاسة وتهم التزوير، عمد أخيراً الى اعادة كتابة قانون الانتخابات، ما يمنع مراقبتها جدياً ويقلص مراقبة الأمم المتحدة لها، فهو أعطى نفسه حق تعيين أعضاء لجنة الشكاوى الانتخابية، أي نصّب نفسه خصماً وحَكَماً. وهذا في بلد من دون قضاء فاعل حتى ان الأميركيين أرسلوا خبراء لتأسيس محاكم في المحافظات.
والنتيجة ان شعب أفغانستان يعاني بين الإصابات العرضية، أو النيران الصديقة من جهة، ونظام فاسد حتى العظم من جهة أخرى. والتحالف يستطيع ان يربح معارك، إلا أنه لا يستطيع أن يربح الحرب.