الثقافة المغشوشة !.
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
أحمد عبد الملك
يزدحم السوق الاستهلاكي بالعديد من البضائع المغشوشة ، أو تلك المُقلدة التي تأتي من دول جنوب شرق آسيا والصين ! والتي يُقبل الناس عليها بكثرة ، خصوصاً ذوي الدخل المحدود، توفيراً للمال وتشبهاً بعليةِ القوم أو محاكاة للأثرياء الذين يقتنون بضائعهم من شارع ( سلون) بلندن أو شارع الماركات بباريس .
هذا النموذج الذي يحمل أمرين : الأول عدم أصلية المُنتج ، والثاني : التظاهر بالثراء أو محاكاة الأثرياء ؛ ينطبق على الواقع الثقافي العربي ، والذي بدأ ينحو نحو التقليد ؛ طمعاً في محاكاة الثقافة العالمية ، ونعت الدول العربية بأنها أوجدت لنفسها مكاناً على الخريطة الثقافية العالمية .
ومن النماذج المؤسفة في الأوساط الثقافية الرسمية العربية ما يلي:
1- انتشار الأعمال المتواضعة أو " المُستَنسخة " من أعمال أخرى وإشهارها بأنها نسخ أصلية ( لم تأت من بانكوك أو شنغهاي ) ، بل من ديوان امرئ القيس أو ملفات الرافعي والخيام وطه حسين .
2- شيوع ثقافة القطع واللزق (Cut and Paste) ، وهذا الاتجاه يُعبّر عن ضعف المُنتج أو القائمين عليه وقلة حيلتهم . وكم شاهدنا كتباً عربية - ومحلية أيضاً - اتخذت هذا المسار الذي لا يدعم الثقافة ولا يؤسس لها أو يمسّ أعماقها .
3- التعويل على الانطباعات ، أو جمع الظواهر أو الأحداث من كتب أخرى ! والإدعاء بأنها نسخ أصلية من عقل الكاتب . وهذا يجافي عملية التأليف ومناهجه ، كما أنه لا يضيف شيئاً إلى المكتبة .
4- عدم وجود هاجس أو موهبة الإبداع والابتكار ! فكثير من الكتب التي تنتجها دور الثقافة أو وزاراتها لا تعتمد على الإبداع أو الإتيان بجديد ، بل إن هذه الكثرة من الإصدارات تعوّل على "جمع" نتائج دراسات سابقة أو توثيق أبحاث سابقة ، دون أن يكون للكاتب " الجامع" منهج فكري محدد وواضح . وكل ما يُشغله أن يضع اسمه على المُنتج ، ولربما أخذ مكافأة مجزية - وفي المناسبات يُجزلون العطاء - أو كان يطمح أن " يزيّن" سيرته الذاتية الأكاديمية طمعاً في درجة علمية أعلى !؟ ولقد "قنص" شخصٌ أكاديمي - في إحدى دول المنطقة - مبلغاً كبيراً من المال لقاء استعراض لكتب سابقة - دون أن تكون لدى الشخص ملكة الكتابة أو الإبداع ؛ ولم نسمع عنه أنه ضمن دائرة الثقافة أو الإبداع ؛ وإن كان أكاديمياً - وصُنفت القضية على أنها مشروع ثقافي كبير! وللأسف ، فإن مثل هذا الإنتاج "التايواني" أو " التايلاندي" سوف يُصَفُ في أرفف المكتبات وفي ردهات الجامعة ، وقد يهدى للسفارات في الخارج ويطلع عليه مثقفون " غير مغشوشين " وسيحكمون على تواضعه بل ورداءته ، لكنه سيكون محسوباً ضمن اتجاهات الثقافة !؟. لذلك فإن ثقافة القطع واللزق يجب أن تنتبه لها لجانُ النشر في العالم العربي ـ حتى لا تنخدع الدول ببعض الشخصيات " الكرتونية " التي لا تستطيع الجلوس في المنصات والتحدث عما " تستنسخه" في الليل ، وما تدفعه للمعاونين الذين يظهرون على شكل تأليف مشترك!؟ وكذلك حتى لا نخدع القارئ أو المؤسسات الثقافة بمثل هذه الثقافة المغشوشة.
5- هنالك من واضعي الكتب من يلجأ إلى "تأجير" من يؤلف الكتب !؟ وتلك إشكالية كبرى شاهدنا ملامحها في المنطقة . ولقد رصدنا مثل هذه الظاهرة قبل أعوام ، حيث قام "المؤجَر" الأكاديمي (الوافد) بوضع الأسس أو الجزء الأكبر من الكتاب ، وهو لب الكتاب ، بينما قام المؤجِر ( المحلي ) باستنساخ الجزء الأضعف أو الدعائي الذي لا يتطلب أي فكر أو تحليل . وظهر الكتاب على هيئة كتابين ( الأول علمي ومؤسسي، وهو غير المغشوش، والأخر انطباعي تمجيدي دعائي يعلق على صور ومكاتبات رسمية لإحدى المؤسسات وهو المغشوش ؟!. وهذه قضية هامة تؤثر على حركة التأليف عندنا . إذ إن العبرة في الكيف لا الكم !؟ وأن الطريق نحو الترقية الأكاديمية لا يكون بحجم الكتب أو أوراقها المصقولة ، بل بجديتها وقدرتها على تقديم الجديد من إنتاج العقل ، والذي يخرج عن ثقافة الإشادات والصور والانطباعات والتعليق " الغبي" على دور المؤسسات في العملية التنموية .
إن للتأليف مناهج تدَرّسُ في الجامعات ، وليس كل من حمل لقب " دكتور" يمكن أن يكون قادراً على التأليف ، ما لم يكن ملماً بالأسس المنهجية والعلمية للتأليف ، بل ويمتلك موهبة الإبداع ! كما أن التأليف الهش والانطباعي والتعليقي على كتب الآخرين وأعمالهم ، دون تقديم نظرية أو منهج جديد ، لا يعتبر تأليفاً ، ولا يجوز أن تتبناه الدول وتصرف عليه مئات الآلاف .
وعلى علاقة بالثقافة المغشوشة ، نهمَ بعضُ الفنانين العرب في "استغباء" بعض وزارات الثقافة العربية أو مرابع النفط الخليجية . فقد حصل أن تقدم مخرج عربي - لإحدى دول الخليج - بمقترح لعمل مسرحي وطلب في البداية أكثر من عشرين مليون ريال ، وبعد أن تم تمحيص العمل بجدية ورُفض المشروع ، لكن المخرج أصر على تقديمه ، لدرجة أنه قلصَ قيمة المشروع - عبر الاستجداء - ليصل إلى مليون ريال فقط . هذه الجزئية لربما تنطبق على الأعمال الغنائية والاستعراضات . وهذا يتطلب وجود " مؤهلين" في وزارات الثقافة يستطيعون الوقوف في وجه هذا " التيار" غير المُستحب لاستغباء أهل المنطقة وتقديم أعمال هشة تنتهي بعد العرض ، دون أن يتفاعل معها الجمهور أو تساهم في الحركة الثقافية العامة في أي بلد . كما يلجأ بعض الفنانين غير الجادين إلى الإسقاطات التاريخية طمعاً في إجازة النص ! ولربما " تسلل" إلى أصحاب القرار عبر بوابات فرعية. خصوصاً في ظل وجود الإنترنت . وحصل أن قام منتج أوروبي في إحدى السنوات - بعد أن رُفض عرضه لتواضع العرض ولسوء أخلاق المنتج وصدامه مع مسؤولي الثقافة - بالشكوى لدى أصحاب القرار على القائمين على شؤون الثقافة وبخطاب افتقد دقة التعبير وصدق الحوادث التي اختلقها ضد هؤلاء المسؤولين . صحيح إن الأبواب مفتوحة !. ولكن المحتالون كثرٌ في هذا العالم .
وعلى علاقة بالمهرجانات والأعياد الثقافية ، فإن وجود موضوع ( ثيمة) لتلك المناسبات أمر مهم في ربط الفعاليات ، لتصبَّ في مَعين محدد ! وعدم تشتيت الجهود أو العروض، حيث تأتي بعض العروض لسد الوقت أو الفجوة ، أو للمجاهرة غير الصالحة بأننا " نتلاقح مع الثقافات العالمية " !؟ نحن ندرك بأنه لا جنسية للأدب أو الثقافة ، ولكن ( وحدة الموضوع) أمر مهم في المناسبات !؟ فأنا أعتبر الرقص الشعبي من مكونات الثقافة ! ولكن لا يمكن أن أسمح بدعوة راقصي وراقصات السامبا البرازيلية - التي تخرج في بعض الدول الأوروبية سنوياً- لأن تشارك في مناسبة ( عاصمة الثقافة العربية ) في أي بلد عربي ! ((وهذا مثال فقط ، ولا ندّعي أنه قد حصل ))!. ولا يجوز أن " نجيّر" المناسبات الثقافية المحلية لأن تصبح "جمعيات خيرية" تصرف - حتى مصروف الجيب- للمشاركين من الخارج !؟ ذلك أن اتفاقيات محددة تحكم موضوع المشاركات من حيث السفر والإقامة والإعاشة !؟
ومن الأمور المتعلقة بالثقافة المغشوشة تغيّب المبدعين الحقيقيين عن المشهد الثقافي وعدم الاحتفاء بأعمالهم أو تقدير قدراتهم . وتقديم "أنصاف المثقفين" في الواجهة الثقافية ، وهذا " غش" تمارسه بعض الهيئات الثقافية بحق الثقافة وحق الجمهور . فالثقافة تدعم الاتجاه الديمقراطي أو المدني لتوجه المجتمعات ، وما لم تُحارب الطائفية والقبلية و"الحظوة " ؛ فإن مآلَ هذه الثقافة التلاشي ، وعدم الالتحام أو التلاقي مع الثقافات العالمية .
الثقافة حراكٌ تراكمي ، يعتمد على حركة الشعوب وسعيها لتأكيد هويتها وتراثها وإبداعات أبنائها !؟ ومالم تعش في فضاء رحب وحرّ ، فإنها تبقى إعلانات رسمية ، وشخصيات كرتونية "تتنطط " في كل مناسبة دون وعي ودون فكر ، وتقدّم للناس الإبهار اللفظي على شاكلة " المهرجين " في السيرك العالمي .
أنا أدعو إلى ثقافة أصلية ، وإن كانت مُكلفة وصادمة للبعض !؟ عوضاً عن الثقافة المغشوشة - كالشنط والأحذية المُقلدة - التي لا يمرّ وقت قصير حتى نضطر لرميها . كما أن منظر تلك المنتجات باهت ويكتشف زيفَها الآخرون في الحفلات الصاخبة . و"الغالي قيمته فيه " كما نقول ، بالطبع ليس كلُ غال ٍ غالياً !؟
وفي مناسبة احتفالات الدوحة عاصمة الثقافة العربية يحق لنا أن نقترح مناقشة المشهد الثقافي في بلدنا العزيز وإلى أين نحن سائرون ، ونقيّم المهرجانات السابقة ، ومدى نجاحنا في الارتقاء بالمفاهيم الثقافية ، وهل نحن أوصلنا أعمالنا المحلية إلى الخارج في مناسبة كهذه ، وهل قام الإعلام بالدور المنوط به ، وهل الشخصيات التي نقدمها حقاً تمثل الثقافة القطرية أو الاتجاهات الفكرية لدينا ؟!