جريدة الجرائد

المفاوضات حاجة أمريكية

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

عصام نعمان

المفاوضات، في الأساس، وسيلة لغاية . أما بالنسبة للولايات المتحدة فهي غاية بذاتها .

الغاية من المفاوضات، لدى الفلسطينيين وبالتالي العرب، تنفيذ القرارات الدولية القاضية بانسحاب ldquo;إسرائيلrdquo; من الأراضي التي احتلتها في حرب ،1967 وبإقامة دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية وغزة، وعودة اللاجئين إلى ديارهم والتعويض عليهم .

هذه الغاية لا توافق عليها أمريكا لأن ldquo;إسرائيلrdquo; ترفضها . لذلك تتظاهر واشنطن بأنها مع تنفيذ القرارات الدولية شرط التوافق على ذلك من خلال مفاوضات بين الفلسطينيين وrdquo;الإسرائيليينrdquo; .

ترفض ldquo;إسرائيلrdquo; أن يكون للمفاوضات مرجعية . أي أنها ترفض تنفيذ القرارات الدولية الخاصة بفلسطين، وتريد استمرار الاستيطان في القدس والضفة أثناء المفاوضات وبعدها، واستمرار وجودها في أغوار نهر الأردن الغربية لأسباب أمنية .

الفلسطينيون يرفضون هذه الشروط المسبقة ويطلبون وقف الاستيطان أثناء المفاوضات كشرط لاستئنافها . وإزاء فشل الرئيس أوباما في حمل ldquo;إسرائيلrdquo; على القبول بوقف الاستيطان، فقد اضطر رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس إلى رفض استئناف المفاوضات .

استفادت حركة ldquo;حماسrdquo; وسائر منظمات المقاومة وتنظيمات المعارضة في فلسطين من تعنت ldquo;إسرائيلrdquo; وإخفاق السياسة الأمريكية وفشل عباس الذي قاده إلى الاستقالة، وأخذت تحضّر لإطلاق انتفاضة ثالثة . هذا التوجّه أخاف حكومة بنيامين نتنياهو وأزعج أمريكا وأحرج حلفاء عباس من العرب . وزاد من حرج الجميع أن توقف المفاوضات جاء في لحظة تاريخية خطيرة هي انفجار الخلاف بين الولايات المتحدة وحليفاتها الأوروبيات من جهة وإيران من جهة أخرى حول برنامج طهران النووي وتصميم الأخيرة على الاستمرار في تخصيب اليورانيوم في أراضيها . هذه التطورات تستوجب، في مفهوم واشنطن، التركيز على قضية إيران في هذه الآونة وتوفير تضامن دولي من حول الدول المناهضة لطموحاتها النووية بغية ردعها، واستطراداً فرض عقوبات صارمة عليها .

أولوية ldquo;الخطرrdquo; الإيراني تستوجب، في التكتيكات الأمريكية، تهدئة المشهد الفلسطيني وترضية العرب ldquo;المعتدلينrdquo; من حلفاء واشنطن . من أجل بلوغ هذا الغرض ابتدعت إدارة أوباما مخرج ldquo;المفاوضات غير المباشرةrdquo; بين السلطة الفلسطينية وحكومة نتنياهو، وفي ظنها أن آليته تفك الإحراج عن الجميع . فلا شروط مسبقة يفرضها الجانبان بخصوص الاستيطان ومرجعية المفاوضات لأن المطلوب هو مجرد محادثات مفتوحة لتقريب وجهات النظر بين الجانبين لمدة محددة (أربعة أشهر) . بعدها يعود الجانب الفلسطيني إلى نفسه وإلى حلفائه العرب لتقرير الخطوة التالية، كما تعود ldquo;إسرائيلrdquo; إلى نفسها لتحديد موقفها مما سيصدر عن الفلسطينيين في هذا المجال .

المفاوضات، إذاً، هي حاجة أمريكية وإلى حد ما حاجة ldquo;إسرائيليةrdquo; انتقالية أيضاً نتجت عن تطورات استراتيجية وممارسات عدوانية حدثت في الآونة الأخيرة، أهمها:

* أولاً، تكامل التحالف الإقليمي، السياسي والدفاعي والاقتصادي، بين سوريا وإيران الذي تجلى في قمة دمشق بمشاركة قائد المقاومة اللبنانية السيد حسن نصر الله، كما قائد ldquo;حماسrdquo; خالد مشعل . وقد فسرت ldquo;إسرائيلrdquo; مشاركة نصر الله بأنها دليل لافت على تكامل أطراف ldquo;الحلف الرباعيrdquo; من جهة وتكريس عدم قدرة ldquo;إسرائيلrdquo; على استفراد أيٍّ من أطرافه من جهة أخرى .

* ثانياً، ثبوت حيازة المقاومة اللبنانية أسلحة متطورة للدفاع الجوي، كما ضد الدبابات، من شأنها كسر ميزان القوى العسكري في الحرب، الأمر الذي أخاف ldquo;إسرائيلrdquo; وحملها على إيفاد وزير الحرب ايهود باراك إلى واشنطن من أجل إقناعها بالضغط على سوريا لوقف تمرير الأسلحة إلى حزب الله .

* ثالثاً، انتقال أهل الريف الفلسطيني في الضفة الغربية إلى تصعيد المواجهة ضد المستوطنين المغيرين على قراهم وأملاكهم وعجز حكومة نتنياهو عن ردع المستوطنين بل اضطرارها إلى تغطية اعتداءاتهم في أحيان كثيرة .

* رابعاً، جنوح حكومة نتنياهو إلى ممارسة المزيد من العمليات الاستفزازية المحرجة للعرب كما لإدارة أوباما: اغتيال المبحوح في دبي، وضع الحرم الإبراهيمي ومسجد بلال في الخليل على لائحة التراث اليهودي، الإعلان عن بناء 600 وحدة سكنية صهيونية في القدس الشرقية، محاولة الصهاينة المتطرفين احتلال حرم المسجد الأقصى تمهيداً لاقتسامه كما حدث للحرم الإبراهيمي، وأخيراً وليس آخراً، اعتزام بلدية القدس الصهيونية هدم المزيد من المنازل العربية في محيط الحرم القدسي ولاسيما في حي البستان .

هذه الممارسات العدوانية الفظة أحرجت أمريكا أمام حلفائها العرب، كما أحرجت هؤلاء أمام شعوبهم عشية انعقاد القمة العربية أواخر الشهر الجاري، وأفسحت في المجال أمام العرب الممانعين ليشنوا على ldquo;المعتدلينrdquo; هجوماً معاكساً في القمة المقبلة . كل ذلك حمل واشنطن، كما حلفاءها العرب على ممارسة ضغوطٍ شديدة على محمود عباس وفريقه من أجل القبول بالمخرج المطلوب للتهدئة: إجراء مفاوضات غير مباشرة لمدة أربعة أشهر يصار بعدها إلى إعادة تقويم الموقف .

ما جرى، إذاً، هو التوافق بين أمريكا وحلفائها العرب على محاولة تنفيس الاحتقان والتوتر وشراء الوقت لتهدئة المشهد الفلسطيني والوضع الإقليمي على نحوٍ يمكّن واشنطن من تركيز جهودها على ما تعتبره الآن أولويتها الأساسية في المنطقة وهي مواجهة إيران السائرة بلا إبطاء على طريق استكمال قدراتها النووية .

يتحصّل من هذا كله أن عرب ldquo;الاعتدالrdquo; ما زالوا أسرى لعبة الأمم، وأن لا فكاك لهم من إسارها في ظل رهانهم الخائب على الولايات المتحدة .

متى التوقف عن إدمان معاقرة الوهم الأمريكي؟

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف