جريدة الجرائد

العراق ولبنان: وهم الديمقراطية العربية

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

مأمون فندي

الانتخابات العراقية تطرح على العرب سؤال إمكانية الديمقراطية في بلداننا من عدمها، وليس العراق وحده الذي يطرح علينا هذا التحدي، فلبنان أيضا ورغم كل ما يقال عنه هو دليل قاطع على أن الديمقراطية هي نبت لا ينمو في بلداننا، صحارينا وودياننا معا. العراق ولبنان هما حالتان تكذبان وهم الديمقراطية العربية واحتمال حدوثها في حياتنا نحن الذين تجاوزنا سن الأربعين. لبنان وكما واضح للعيان، هو بلد طائفي وعشائري بامتياز، الدروز والموارنة والشيعة والأرمن وغيرهم، إقطاع سياسي وزعامات يتم توريثها عائليا. فالتوريث الذي نشجبه في البلدان العربية الأخرى هو نمط حياة في السياسة اللبنانية، فهذا مثلا أمين الجميل وابنه النائب في البرلمان، ووالده الشيخ بيار الجميل وأخوه الرئيس اللبناني الأسبق، بشير الجميل، جزء أساسي من الحياة السياسية اللبنانية، أي إننا نتحدث عن توريث واضح داخل الزعامات السياسية اللبنانية. ولا يختلف الأمر عند الدروز، حيث ورث السيد وليد جنبلاط قيادة الدروز بعد وفاة والده السيد كمال جنبلاط، وهذا هو الرئيس سعد الحريري أيضا ورث زعامة السنة في لبنان عن والده أيضا. إذن وكما يقول المصريون "لا تعايرني ولا أعايرك، الهم طايلني وطايلك". وحتى عندما نتحدث عن حرية الصحافة في لبنان وعن جو الحرية، كما رأينا في الآونة الأخيرة، الصحف والمحطات التلفزيونية اللبنانية تسخر من كل ساسة لبنان في برامجها، ومع ذلك، لم تجرؤ محطة أو صحيفة واحدة على الحديث عن زعيم حزب الله. إذن حرية الصحافة تحكمها القوة وتحكمها البنادق، وما سوى ذلك وهم.

في العراق اليوم وبعد نهاية الديكتاتورية الرهيبة لصدام حسين ونظامه، إلا أن العراقيين ما زالوا يتحدثون عن تزوير الانتخابات. يبدو أن كل العالم قد صدق أن صدام حسين قد مات وأن نظامه انتهى، إلا العراقيين أنفسهم الذين ما زالوا يمارسون سلوكا أقرب إلى سلوك البعث في حياة صدام من خلال محاكم التفتيش المتمثلة في هيئة العدالة والمساءلة في العراق - هيئة اجتثات البعث سابقا - والتي منعت ما يقرب من خمسة عشر كيانا سياسيا من دخول المعركة الانتخابية بدعوى أن لهم جذورا بعثية. هذا النوع من الهيئات ومن اللجان يشبه إلى حد كبير ما مورس في الصين أيام الثورة الثقافية في بداية عهد ماو تسي تونغ والتي أرسلت خيرة علماء ومثقفي الصين إلى الريف ليمارسوا الفلاحة حتى يعاد تأهيلهم ضمن البلوريتاريا الثورية، فهم مشكوك في ولائهم حتى ينصلح حالهم. فهل من المعقول أن يمارس ذات السلوك الفاشستي في كيان بازغ يدعي أن الديمقراطية هي مستقبله؟

الديمقراطية هي عملية طويلة الأمد ولا توجد في يوم وليلة، العراقيون اليوم يظهرون على العالم كما الخفاش الذي خرج من ظلام الديكتاتورية إلى نور الشمس، يتخبط الخفاش هلعا من النور لأنه معتاد على حياة الظلام. سلوك هيئة اجتثاث البعث وغيرها هو سلوك الخفافيش التي لم تعتد على الشفافية والنور، ويكفي هذا في الحديث عن هكذا مؤسسات، كما يقول الإخوة العراقيون.

العراق ورغم كل هذه الحرية التي جاءت بعد نهاية الديكتاتورية، لم يستطع حتى الآن أن يقيم صحافة حرة تتحدث بموضوعية بعيدا عن الطائفية، فمثلما هناك طائفية سياسية، أنتج لنا العراق، كما أنتج لنا لبنان في السابق، إعلاما طائفيا. كل وسيلة إعلام في لبنان وفي العراق تمثل الناطق الرسمي لطائفة بعينها. حتى القنوات الأجنبية الموجهة للعراق مثل "قناة الحرة" الأميركية اكتست باللون الطائفي أيضا.

أما في موضوع التوريث السياسي، فالعراق لا يختلف عن لينان أو عن دول الجوار الأخرى، فهذا عمار الحكيم يرث تركة والده عبد العزيز الحكيم، الذي ورث القيادة عن أخيه وعن أبيه في قيادة المجلس الأعلى، وهذا مقتدى الصدر يرث والده محمد صادق الصدر، رغم صغر سن مقتدى وقلة خبرته السياسية. إذن العراق مثله مثل لبنان يتجه إلى الإقطاع السياسي والطائفية، وليس إلى الديمقراطية.

ردة الفعل العربية على هذا الطرح هو أن هناك عائلات سياسية في الغرب أيضا، مثل عائلة كنيدي وعائلة بوش في الولايات المتحدة الأميركية، أو العائلات الأوروبية الموجودة على الساحة السياسة، هذا كلام مردود عليه، لأن الأساس في الديمقراطية الغربية هو التغيير أو إعادة تصحيح الأوضاع، فربما تكون هذه العائلات مؤثرة، ولكن النظام يفرز حالة أوباما الأسود القادم من عائلة عادية ليتبوأ أهم منصب في البلاد، نفس الشيء ينطبق على كلينتون الذي جاء من عائلة بها أم وليس بها أب، من عائلة مكسورة، كما يقول الأميركيون. الديمقراطية ليست إجرائية وليست مجرد انتخابات. الديمقراطية عملية فرز للمجتمع لينتج أفضل ما عنده، وإن لم يكن هذا هو الأفضل، يستطيع المجتمع تغييره في الانتخابات القادمة، هذا ما حدث في حالة جورج بوش الابن. لم يكن موفقا فيما فعل فغيره النظام.

أمام العراقيين اليوم تحد كبير من أجل الخروج من عالم التوريث السياسي والطائفية والإقطاعيات والزعامات التقليدية، إلى عالم الديمقراطية وتنافس الأفكار والبرامج. فمن ينظر إلى أحزاب الغرب الديمقراطي، كالحزب الجمهوري في أميركا أو المحافظين والعمال في بريطانيا، يدرك أن المحك هو قدرة الأحزاب على حل قضايا المواطنين، قدرة الأحزاب على مواجهة الأزمة المالية، أو طرح برنامج جاد للتعامل مع قضايا التعليم والصحة، هذه هي الديمقراطية، محاسبة القادة على أفعالهم تجاه قضايا بعينها، أما أن نأخذ من الديمقراطية من خلال ممارساتها الشكلية مثل الانتخابات في لبنان والعراق، فهذا وهم كبير، ولا علاقة لما يحدث في هذين البلدين بالديمقراطية.

العراق ولبنان حالتان لا تبعثان على التفاؤل فيما يخص مستقبل الديمقراطية في العالم العربي. فالطائفية والزعامات والتوريث هي الأنماط السائدة في تلك البلدان إلا إذا استطعنا الانتقال من عالم علاقات الدم إلى عالم العلاقات الفكرية التي تكون فيها أفكار المرشح، لا طائفته ولا عائلته هي الأساس في الاختيار.

طرحت في مقال سابق في هذه الصحيفة فكرة مفادها أن أفضل ما يطمح إليه العرب هو شيخ قبيلة طيب، ديكتاتور يقبل بالآخر، متسامح، لأن علاقات الدم لا علاقات الأفكار هي التي تحكمنا. الديمقراطية في الغرب هي نتيجة لتفاعلات الحداثة الأوروبية، نحن لم نقترب بعد من عتبة الحداثة، ومع ذلك نوهم أنفسنا بأننا أمام تحولات ديمقراطية كبرى في العراق وفي لبنان. إن الأساس في تأخر الديمقراطية في عالمنا، هو أننا واهمون بصددها، ويختلط علينا فيها السراب بالماء، لذا، وكي يكون لجيلنا ديمقراطية حقيقية، لا بد من مناقشة تلك البدائية السياسية التي نراها في لبنان والعراق، ونسمي الأمور بأسمائها الحقيقية، فهناك فرق بين الحقيقة والغش في موضوع الديمقراطية، مهما تزايدت عندنا أطباق الدش والفضائيات.

العراق ولبنان أكذوبتان لا بد من فضحهما، إن كنا جادين في الحديث عن مستقبل الديمقراطية في العالم العربي.



التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
الدين-قراطيه
عراقي مغترب -

أود ان اعلق على المقال بأنه تحليل واقعي ولكن فيه مبالغه بألتشائم.العقبه الرئيسيه للعمليه السياسيه الصحيه في العراق هي الدين والطائفه ومحاولات إيران بحكم موقعها الجغرافي,من العزف على هذا الوتر لدرجه إدماء اليدين. ولاننسى شعبنا في العراق والذي مرّ بمرحله سبات في سنوات حكم صدام وفور إزاحه صدام من الحكم دخلت إيران بكل ثقلها مالياً ولوجستياً لأدارة الدفّه الشيعيه في القارب العراقي. ليس حباً وإكراما لعيون شيعة العراق وإنما لتصدير حكم ملاليها الى العراق كما فعلت وتفعل في لبنان!! لاأرى ديمقراطيه حقيقيه في العراق إذا لم تسلم دفّة القياده لمجموعة من العلمانيين بغض النظر عن تكوينهم القومي او الطائفي. لندع السياسيين يقودون البلد وليرجع رجال الدين لمكانهم وحجمهم الطبيعي وهو في المؤسسات الدينيه.

TRUE
TRUE -

كلامك صحيح 100% كلو كلام فاضي اخدنا من الديمقراطية القشرة و رمينا اللب في الزبالة,اصلا الشعوب العربية ما بتفهم شو يعني ديمقراطية,نصيحة المرة التانية اختار غير موضوع مثلا عن الملوخية او عن الخبز لان العرب بفكرو في اللاكل و بس,

عداء عربي للعراقيين
عراقي حقيقي -

لاجديد فالعرب عموما واعلامهم خصوصا يصرّ على عدم فهم العراقيين وينظر اليهم من منظور طائفي معتاد ..لكن السؤال الاهم كيف لكاتب كمأمون فندي ان يعرف ماهي الديمقراطية وبلده الذي عاش وتربى فيه والذي يتجاهل الحديث عنه خوفا من بطش السلطة هو اكبر ديكتاتورية تاريخية في الشرق الاوسط فان كنت فاقد الشئ كيف يمكن لك ان تقيّمه..هذه هي حكاية العرب بشكل عام فهم كثيري الكلام بما لايعرفون

اوافقك الراي
العراقي -

لقد اصبت ياخي كبد الحقيقة انا لا امانع ان يحكم العراق اي عراقي مخلص للعراق اولا واخيرا ان كان هدفه خدمة الناس لا ان يكون بيد حزب او دولة اخرى و مصالح ايران او غيرها فوق مصلحة العراق

وهناك طائفيات أخرى!
جمعة القماطي - ليبي -

وفي البلدان العربية الأخرى هناك طائفيات من نوع أخر وهي القبلية وثقافة التعصب القبلي فوق وقبل سيادة القانون. فالقبيلة التي ينتمي لها الحاكم تسيطر على السلطة وتقصي الأخرين أو تدخل معهم في تحالفات مصلحية تكون فيها القبيلة الحاكمة هي الطرف الأقوى. معوقات الديمقراطية ثقافية واجتماعية في المقام الأول..يضاف اليها نمط الاقتصاد الريعي الغير انتاجي الذي يجرد المواطنين من اكتساب المهارات واكتساب القوة الاقتصادية وهناك عوامل أخرى لكن الدين الاسلامي ليس معوق لأنه هناك دول اسلامية كبيرة غير عربية قطعت مراحل متقدمة على طريق الديمقراطية. الخصوصية الديكتاتورية أصبحت اليوم للأسف عربية بامتياز. نحن العرب نحتاج الى جهد فكري وتطور اجتماعي كبير حتى نصل الى بر الأمان..بر الديمقراطية والعدالة التي جعلت الغرب متقدما جدا ونحن موغلين في التخلف.

لديك عقده
علي المدني -

للسيد مامون عقده من الوضع العراقي واللبناني لانهما افضل نظامين ديمقراطيين في البلاد العربية اتمنى من الاستاذ جعل مقارنة بين هذين النظامين والانظمة العربية وليس مقارنه بينهما وبين الديمقراطية الغربية ليكون الموضوع موضوعيا وواقعيا؟

تطبیق الدیمقراطیة
سۆران -

کلامك صحیح وفیه الکثیر من المنطق ولکنه لیس التحلیل الواقعی والصحیح مائة بالمائة. أذا نقارن بین البلدان والانظمة العربیة بلا شك هناك فروق كثیرة فی کیفیة التعامل مع السلطة ومفهوم الدیمقراطیة والمواطنة. ولکن هناك دائما البدایة والخطوة الاولی والاهم التغیر یکون من الدستور والقانون والنظام وببرنامج ومنهج تربوی وتعلیمی وتطبیقی، أما کیفیة التطبیق لهذه المصطلحات فهی عملیة نسبیة ومربوطة بكیفیة التربیة والتعامل مع المبادئ والتغیرات الواقعیة والایجابیة الصحیجة والتی بدورها تأخذ الوقت لفهم وتطبیق هذه المفاهیم والقیم فی المجتمعات الشرقیة. وأبسط مثال هو تغیر الحاکم فی الدول العربیة هی الخطوة الاولی نحو الدیمقراطیة وتطبیقها، جمهوریا أم ملکیا * مع العلم لا یجوز للملك التدخل فی شؤون البلاد والشعب والسیاسة* أم أی نظام أخر.

واحه وسط صحراء
عامر الجبوري -

ما يزيدنا فرحاً هو ألأهتمام ألعالمي بأنتخاباتنا وأشادة قادة ألديمقراطيات ألعريقه بشجاعة ألعراقيين و خروجهم للمشاركه بعرس ألأصابع ألبنفسجيه رغم ألعمليات ألأرهابيه ألتي ذهب ضحيتها 38 شهيد وأكثر من 100 جريح نتمنى لهم الشفاء العاجل. أن مشاركة أكثر من 55% من ألناخبين ألعراقيين رغم هذا ألأرهاب ألأعمى بهذا العرس ألديمقراطي هو خير دليل على أيمان ألعراقيين بأهمية صوتهم ونزاهة أنتخاباتهم أذا ما قورنت هذه ألنسبه بنسبة 18% من ألمشاركه بآخر أنتخابات رئاسيه مصريه رغم ألظروف ألآمنه و ألتحشيد ألذي قامت به ألسلطات ألمصريه لدفع ألموظفيين ألعموميين للمشاركه فيها. كم يتمنى ألعراقيون و ألسنه العرب قبل غيرهم لو يتحرر العرب من هذه الرؤيه الطائفيه الضيقه للتغيير الحاصل في العراق قبل أن يدفعوا ألشيعه ألعرب ألعراقيين ليكفروا بعروبتهم و يعزلوا أنفسهم عن محيطهم العربي رداً على هذا العمى الطائفي المقيت .

انه طموح كبير
مراقب -

ربما يكون الكاتب ذا طموح كبير وامل بأن العراقيين سيصنعون المعجزة بان يؤسسوا ويحققوا ديمقراطية كالديمقراطية الامريكية في ظرف 10 سنين مقابل الديمقراطية الغربية التي عمرها يزيد على الـ 100 عام في الكثير منها أو ان الامر لازال بكاءاً على صدام وحسدا وغيرة مما حققه العراقيون في هذه المدة القصيرة والظرف الصعب عندما زحف اخواننا العرب زرافات ووحدانا ليفجروا انفسهم والعراقيين في ابشع كره عرفه العصر . ايها الكاتب كن اكثرا واقعية وانصاف . يوم امس انطلق العراقيون متحدين الارهاب والقتل والقنابل ليصوتوا ، انها اقصى درجات الوعي والمسؤولية .

المواطنون أولا
Malaka -

لا شك أن المثالين اللبناني والعراقي لا يشجعان أي عاقل أن يتمنى مثل أي منهما، ولا شك أن مشاعر وأحكام العشائرية والعائلية والأبوية والبقاء في الزعامة حتى الموت أو القتل، وتوريث المناصب للأبناء، هي الوحيدة المترسبة في وعي و لاوعي شعوب العرب لأنها لم تعرف غيرها على مدى تاريخها، فهل هذا قدر هذه الأمة ومصيرها المحتوم؟ ألا يمكن أن تكون في الأفق نقطة بداية مختلفة ترسخ في الناس مفهوم المواطنة وترفع عنهم صفة الرعية الأذلة التابعين لشيخ العشيرة أو الطائفة؟ ألن نتمكن من بناء دولة لجميع الطوائف فيها منابر تستوعب كل الآراء؟ يبدو أن الكاتب يجيب بالنفي على هذه الأسئلة.

اخر انتخابات
naeem -

هذه اخر انتخابات في العراق هذه الانتخابات ,والتى كانت حرة الاانها اظهرت العراق مجموعة من الكانتونات الطائفية والعنصرية. باي باي ديمقراطية العراق.اذا حصلت انتخابات قادمة وهذا ماراه صعبا جدا فالمشاركة ستكون اقل من 30%هذه الانتخابات ارجعت العراق الى مربع الطائفية الاول .