طريق السلام.. أين ينتهي؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
سعيد حارب
لا يبدو أن هناك سببا مباشرا لموافقة اللجنة العربية على إجراء مباحثات غير مباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين سوى الاستجابة لمطلب الولايات المتحدة الأميركية.
كما لا يوجد سبب لهذا التفويض من اللجنة العربية لمتابعة المبادرة العربية للسلام للفلسطينيين للسير في هذه المفاوضات. فالفلسطينيون لم يحتاجوا لأي تفويض من العرب خلال مفاوضاتهم التي امتدت إلى ما يقرب من عشرين سنة. فلماذا يطلبون هذه المرة تفويضا عربيا؟ هل هي الحاجة لغطاء عربي إذا فشلت هذه المفاوضات كسابقاتها؟ أم هي محاولة لجرّ العرب إلى طريق السلام الذي لا تبدو له نهاية؟! فاللجنة العربية التي عهد إليها متابعة المبادرة العربية للسلام التي أطلقها العرب في مؤتمر القمة ببيروت العام 2002 ، ليست معنية بالمفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ولم يطلب أحد من الطرفين أن تدخل المفاوضات بينهما تحت مظلة هذه المبادرة التي لم ترد عليها إسرائيل، على الرغم من مرور ما يقرب من ثماني سنوات على إطلاقها، فما الفائدة من هذه المبادرة، بخاصة أن هذه المفاوضات تأتي في أسوأ الظروف التي يمكن أن تتم فيها المفاوضات، وهذا ما عبر عنه الأمين العام للجامعة العربية حين قال "إن إسرائيل غير مهتمة بالسلام بدليل ما تقوم به في الأراضي المحتلة من تغييرات، بل من إجراءات المقصود منها استفزاز الجانب العربي والأميركي". وأضاف "رأينا -مجمعين- أن إسرائيل غير مستعدة لمفاوضات حقيقية تؤدي إلى سلام، وكان هناك تساؤل مشروع عن فاعلية دور الولايات المتحدة".
بل إن الوزراء المجتمعين أنفسهم قالوا -كما نقلت وكالات الأنباء- إن "المباحثات غير المباشرة المقترحة من جانب الولايات المتحدة، لن تثمر في ضوء استمرار الانتهاكات الإسرائيلية، ما يؤدي إلى فشل هذه المباحثات"، فإذا كان الجميع غير مقتنع بهذه المفاوضات، فلماذا السير في طريقها؟ بخاصة أن الطرف الآخر استقبل هذا الاقتراح بقليل من الكلام وكثير من الأفعال، إذ لم يتجاوز الموقف الإسرائيلي الترحيب بهذه المفاوضات على لسان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بينما استمر ببناء مئات الوحدات السكنية في المستعمرات على الأراضي الفلسطينية المحتلة. كما قامت بضم المسجد الإبراهيمي الشريف ومسجد بلال بن رباح، وأسوار البلدة القديمة في القدس لقائمة ما يسمى بمواقع التراث الإسرائيلية، وقام سكان المستعمرات بمحاولات عدة لاحتلال المسجد الأقصى.
وإذا كان هذا هو الرد الإسرائيلي، فإن الموقف الأميركي لا يختلف كثيرا. فعلى الرغم من أن الولايات المتحدة الأميركية هي التي طلبت، أو ضغطت على العرب من أجل هذه المفاوضات، إلا أنها لم تخف انحيازها للجانب الإسرائيلي.. فنائب الرئيس الأميركي جوزيف بايدن، الذي زار إسرائيل لم يخف انحيازه لها، بل نحو الصهيونية. فقد نقلت عنه صحيفة "يديعوت أحرونوت" قوله: "أنا صهيوني على رغم كوني غير يهودي".
أما عن موقفه من إسرائيل، فقد قال "لا توجد على الإطلاق أي مسافة بين الولايات المتحدة وإسرائيل فيما يتعلق بأمن إسرائيل.. أمننا مشترك، لا توجد أي مسافة على الإطلاق". ويبدو أن الإسرائيليين قد نجحوا في مقايضة الموقف الأميركي من إيران بالموقف الإسرائيلي من الفلسطينيين.. فمنذ مجيء أوباما إلى الرئاسة الأميركية، ونتنياهو إلى رئاسة الوزراء الإسرائيلية، ازدادت وتيرة التهديدات الإسرائيلية نحو إيران، وتجاوزت الموقف الأميركي الذي أعلنه أوباما بعدم اللجوء إلى الحرب، والاعتماد على الدبلوماسية، وفرض العقوبات على إيران للحد من برنامجها النووي.. لكن الإسرائيليين كثيرا ما لوحوا بالحرب، ولا أدلّ على ذلك مما قال نتنياهو قبل أيام من مجيء بايدن للمنطقة في أثناء لقائه بعدد من المسؤولين الأميركيين: "ما من تحد أمني أخطر بالنسبة إلى مستقبلنا المشترك من منع إيران من تطوير أسلحة نووية".. وكأنه يرسل رسالة استباقية قبل مجيء بايدن الذي تحرص إدارته على عدم تجاوز سياستها تجاه إيران من قبل حلفائها.
وهذا ما التزم به الاتحاد الأوروبي، بل إن نتنياهو قال في أثناء لقائه مع بايدن: "إن إيران أخطر تحد أمني مشترك يواجه إسرائيل والولايات المتحدة". ولذا فحين تأتي إسرائيل وتتجاوز الموقف الأميركي، فإن ذلك يدل على أنها تريد "ثمنا" لهذا الالتزام. ويبدو أن هذا الثمن هو التزام الولايات المتحدة الأميركية بسياسة إسرائيل تجاه الفلسطينيين. وقد كان لها ما أرادت.. فقد تراجع الموقف الأميركي من قضية المستعمرات. كما اقترب موقف الطرفين من كثير من القضايا المتعلقة بما يسمى مشروع السلام، الذي لن تخرج رؤيته عن التصور الإسرائيلي. ولذا فإن الخيار الآخر الذي حدده الوزراء العرب بعد أربعة أشهر من أنه "في حال فشل المباحثات غير المباشرة، واستمرار الممارسات الإسرائيلية، ستطلب الدول العربية اجتماعاً لمجلس الأمن لعرض النزاع عليه، وأن تطلب من الولايات المتحدة عدم استخدام "حق النقض" (الفيتو).
وعلى ما يبدو سلفا، أن هذا الخيار لن يكون له أي تأثير، لا على مجلس الأمن، ولا على الولايات المتحدة الأميركية، لأنه "لا توجد على الإطلاق أي مسافة بين الولايات المتحدة وإسرائيل". ولذا فعلى العرب أن يبحثوا عن طريق آخر.