أهمية القمة المغربية ـ الأوروبية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
خيرالله خيرالله
للمرة الأولى منذ قيام الإتحاد الأوروبي، انعقدت قبل ايام في مدينة غرناطة الأسبانية قمة بين الإتحاد من جهة ودولة عربية من جهة اخرى. هذه الدولة العربية هي المملكة المغربية التي يمكن مشاهدة الشاطئ الأسباني من بعض اراضيها. الواقع انه ليس بعيدا اليوم الذي سيكون فيه نفق يمرّ تحت المتوسط يربط المغرب بالقارة الأوروبية عبر اسبانيا. من لديه ادنى شك في ذلك، يستطيع زيارة مدينة طنجة والمنطقة المحيطة ليشاهد بنفسه عملية بناء ميناء طنجة ـ ميد الذي سيكون مخصصاً لإعادة تصدير منتجات اوروبية ومحلية تُصنَع في المغرب الى اوروبا نفسها.
ليس سراً ان المغرب يسعى الى تطوير علاقاته بأوروبا الى ابعد حدود وليس سراً ان هناك مصلحة مشتركة في ان يكون المغرب امتداداً لأوروبا وان تكون لأوروبا امتداداتها في المغرب، خصوصا عن طريق الإستثمار فيه في مجالات عدة على رأسها الصناعة والزراعة. الموضوع، موضوع وضع اسس متينة لتعاون بين الجانبين الأوروبي والمغاربي، تعاون لا يتعلق بالمغرب وحده، بل بكل دول شمال افريقيا العربية التي انضوت يوما تحت مظلة الإتحاد المغاربي وهي اضافة الى المغرب، الجزائر وموريتانيا وليبيا وتونس.
سبق لأوروبا ان عملت من اجل تعاون في العمق، سياسي واقتصادي، مع دول إتحاد المغرب العربي الذي تأسس قبل واحد وعشرين عاما. لكن الاجتماعات بين الدول الخمس الأعضاء في الإتحاد والدول الخمس الأوروبية على الضفة الأخرى من المتوسط (صيغة خمسة زائد خمسة) لم تؤد الى نتائج تذكر حتى الآن. يبدو واضحا ان العائق الأول في طريق التعاون الأوروبي- المغاربي يتمثل في حال الجمود التي يعاني منها اتحاد المغرب العربي. السبب الأساسي للجمود العلاقة بين المغرب والجزائر. كيف يمكن لدول اتحاد المغرب العربي الإتفاق على سياسة موحدة تجاه اوروبا ما دامت الجزائر مصرة على بقاء الحدود مغلقة مع المغرب وما دامت مصرة على شن حرب استنزاف على المغرب عن طريق وضع العصي في طريق تسوية في الصحراء الغربية مستخدمة اداتها المتمثلة بجبهة "بوليساريو" المقيمة في الأراضي الجزائرية.
اختار المغرب طريقه. وعلى الرغم من ان الملك محمد السادس لم يحضر قمة غرناطة وقد مثله فيها الوزير الأول السيد عباس الفاسي، في حين كانت اوروبا ممثلة برئيس الوزراء الإسباني خوسيه لويس رودريغيز ثاباتيرو الذي ترأس بلاده الإتحاد، حرص العاهل المغربي على توجيه رسالة الى القمة تدعو الى "ايجاد تسوية سياسية للخلاف المفتعل" في الصحراء الغربية على اساس الإقتراح المغربي القاضي بإعطاء الصحراء حكماً ذاتياً واسعاً. كعادته، كان العاهل المغربي واضحا في تحديده للتوجهات المغربية. ليس في الوارد، مغربياً، البقاء في اسر المشاكل الداخلية لإتحاد المغرب العربي. على المغرب الإنطلاق في اتجاه اوروبا وفتح كل آفاق التعاون الممكنة بغض النظر عما اذا كانت الجزائر قادرة على تجاوز العقدة المغربية ام لا.
في العام 2008، حصل المغرب على "وضع متميز" من الإتحاد الأوروبي. انها خطوة في اتجاه مزيد من التعاون بين الجانبين وانفتاح كل منهما على الآخر. السؤال الآن هل تتعلم الجزائر من التجربة المغربية من اجل المساهمة في بناء المغرب الحديث، ام تعتقد، وهذا خطأ كبير، ان معركتها الحقيقية هي مع المغرب بصفته القطب الآخر في اي صيغة للتعاون بين دول الإقليم؟ الجواب ان من الصعب ان تقدم الجزائر، اقله حتى الآن، على خطوة في الإتجاه الصحيح تصب في مزيد من التضامن والتكافل بين دول المغرب العربي. انها ترفض بكل بساطة الإعتراف بأن صيغة التسوية في الصحراء ستساعد في انفراج على الصعيد الإقليمي وان اي انفراج يصب في مصلحة الطرفين. يكفي ان مثل هذا الإنفراج سيساعد في حال حصوله في توفير مزيد من الفعالية للحرب على الإرهاب وكل انواع التطرف.
كانت القمة المغربية ـ الأوروبية مفيدة الى حد كبير. اظهرت القمة ان المغرب يتابع مسيرته على الرغم من كل الصعوبات المصطنعة التي تحاول ان تخلقها الجزائر. حبذا لو تستخدم الجزائر المساعدات التي تصرفها على ابقاء "بوليساريو" حية ترزق من اجل توفير الرفاه لشعبها ومن اجل الإستثمار في الإنسان، خصوصا في التعليم وبناء المساكن للمواطنين الفقراء. هناك مشكلة اجتماعية ضخمة في الجزائر. هذه المشكلة هي التي ادت الى نمو التطرف والإرهاب. لا شك ان الجيش الجزائري والأجهزة الأمنية التابعة له لعب دورا مهما في المواجهة مع التطرف والإرهاب. استطاع الجيش الجزائري المحافظة على الجمهورية ومؤسساتها عندما ضرب المنظمات المتطرفة التي تتستر بالدين من دون هوادة. في النهاية، لا يوجد متطرف جيد وآخر سيء. التطرف ليس لديه اسم آخر. لا يمكن التمييز بين متطرف وآخر حتى لو لبس ربطة عنق وقميصا نظيفة وتظاهر بأنه يفهم بالفن ويحب الموسيقى. لكن المؤسف ان كل الجهود التي بذلت في هذا المجال لن تكون ذات فائدة في المدى الطويل من دون سياسة جزائرية جديدة ان على صعيد توظيف عائدات النفط في الحرب على الفقر او على صعيد الإنفتاح على المغرب بدءا بدعم المشروع المغربي الهادف الى حكم ذاتي موسع للصحراء الغربية. فاستنزاف المغرب لا يمكن ان يكون سياسة في اي شكل من الأشكال. انه دليل على قصر نظر من جهة وعجز عن تجاوز ذهنية السبعينات والثمانينات من القرن الماضي من جهة اخرى. العالم تغيّر. استطاع المغرب فهم ذلك واستوعب ان لا مفر من الإنفتاح على اوروبا من دون تجاهل القضايا المرتبطة بالعالم العربي. متى يأتي دور الجزائر؟ لماذا لا تحاول ان تستفيد من التجربة التونسية الناجحة اجتماعيا واقتصاديا وفي مجال مكافحة الإرهاب عن طريق الإنفتاح على المحيط المباشر والتركيز على تطوير المجتمع، خصوصا الطبقة المتوسطة في الوقت ذاته؟