جريدة الجرائد

جنس وأشياء أخرى ـ الرواية السعودية

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك



نادين البدير


كان للأديبة الكويتية ليلى العثمان تصريحات قبل فترة نشرتها الصحافة السعودية فيما يتعلق برأيها بالرواية النسائية السعودية، ذات العبارات قالتها لي حين رأيتها في مؤتمر بالدوحة العام الماضي، حيث كانت متحمسة جدا للأدب وللأسلوب الروائي رافضة أن يبتذل ويتحول إلى جنس وجسد فقط.
ليست ليلى العثمان فقط بل الكثيرين من متابعي الرواية السعودية يعتقدون أن نجاح أكثرها مستمد من اعتمادها الكبير على الجنس والجسد والمحرم والممنوع.
أثناء زيارتها لمدينة جدة أخيرا أبدت الروائية رأيها، حيث قالت: "إن معظم الروايات النسائية السعودية الجديدة التي تكتب بأسماء مستعارة أو أسماء رجال هي روايات أخجل من قراءتها لما فيها من أدب مكشوف يعتمد على الجنس للترويج لنفسه".
أعلم أن روايات سعودية قد تركت كل شيء وأفردت كامل صفحاتها لشجون وآهات الجسد. لنزواته ولذاته وحنينه لرغبة حبيسة، كتلك الرواية التي دهشت وأنا أقرأ مطلعها، حيث كانت البطلة تصف رغبتها وصفا دقيقا حساسا يتجاوز دائرة العيب والممنوع بالسعودية، ويتجاوز كل الخطوط، حتى لتكتشف مع بداية قراءتك لها أنك تتابع سيناريو لفيلم ''بورنو'' مكتوب بلغة عربية فصحى.
لكني أعتقد أن الروائية أو الراوئي السعودي الذي تنضح كتاباتهما جنسا وحديثا مجنونا عن الجسد، يهدفان لأمر أبعد من إخراج مادة روائية متكاملة، وليس قصدهما التعبير عن غرائزهما أو إباحيتهما بقدر ما يريدان المشاركة بتسجيل مرحلة تغييرية في حياة المجتمع السعودي.
كيف للمجتمع المحافظ المنغلق المليء بالممنوعات والمحرمات وثقافة العيب أن يخرج روايات جنسية؟ وكيف يقرأها باهتمام؟
مع ارتفاع نسبة القراءة بشكل ملحوظ في المجتمع السعودي، يدل عليه الكتب والروايات التي تقرأ فور نشرها خصوصا إن كانت تحكي مشكلاته وهمومه ويدل عليه نسبة الإقبال الكبيرة على معرض الكتاب في الرياض، فإن تلك الروايات تقرأ وتنتشر فورا بين أفراد المجتمع.
تلك مفارقة مثل العديد من المفارقات الأخرى لكن غرابتها تختفي حين يتضح أن الرواية السعودية اليوم لم يعد لها قيمة أدبية فقط، بل قيمة تغييرية، ودور في الحراك الاجتماعي والتطور وغرس صور الليبرالية.
أفراد المجتمع السعودي يريدون لحكاياتهم وقصصهم أن تنشر ويحكى عنها بدلا من إبقائها حبيسة في أرفف الذات.
يريدون للجسد أن يتحول إلى بطل الرواية، يريدون رواية تصور مراحل نموه، شبقه، تعاليه، وجوده، مراحل طمسه، الاعتراف به.
وان كان المقصود تصوير ووصف ذات الجسد إلا أن الجسد داخل الرواية السعودية ليس جسدا بالمفهوم العادي له، بل هو المجتمع بأكمله، المجتمع الذي صار تحويله من حالة السكون إلى الحركة يتطلب صدمات متتالية والرواية هي واحدة من هذه الصدمات في وقت تسير فيه حركة الإصلاح ببطء. فتكون المفاجأة أن تسارع امرأة بالكتابة الثائرة وبأسلوب بعيد عن الطبيعة الراكدة لإناث هذه المنطقة.
صحيح أن بعض الروايات السعودية تفتقد للكمال الأدبي، إذ لا تحتوي على أي خيال يسلبك أو أي وصف يجعلك شاردا سارحا بين الكلمات. فهي من ناحية أدبية وروائية قد لا تأخذك لأي مكان أبعد من زاويتك، كما أنها لا تعير أي اهتمام للنسج العريق للقصة كما تفعل الروايات الأدبية الحقيقية.
وقد يكون مستحيلا أن يشار إليها أدبيا بالرواية قدر ما يمكننا تسميتها مقالا طويلا يحكي قصة مجتمع قمعت رغباته ودفنت ثقافته.
وقد ينهيها تاريخ الأدب الروائي فور صدورها. لكن تاريخ التغيير المجتمعي السعودي لن ينهيها باعتبارها شاركت بأهم مرحلة من مراحل تغييره وقد تكون مرجعا تاريخيا لما حدث في هذه الفترة بالذات، حيث كان منتهى الطموح أن يحكي الإنسان عن جسده. هذا إن حدث التغيير.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف