الحصانة الدينية وهضم حقوق المرأة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
عبدالرحمن الوابلي
تعودنا، من حين لآخر، سماع أخبار وأنباء صادمة، عن جنايات وجرائم ترتكب لدينا ضد حقوق المرأة؛ عجوزا كانت أم طفلة، شابة هي أم امرأة. حتى بدأنا نأخذ حصانة من كثر صدمات الضحايا النسائية التي تتوالى علينا، وكل صدمة أفجع من التي قبلها. وبما أن اسم المرأة مازال عورة لدينا؛ فقد تلطف إعلامنا مشكوراً، بنسبة كل أنثى يجنى عليها لاسم مكانها. ولو كان إعلامنا مفتوحا، كما هو الآن، منذ عشرين سنة مضت، لانتهت أسماء مدننا ومناطقنا، وحتى بوادينا؛ ولأصبحنا نتحدث الآن عن طفلة القصيم الستمئة بعد الألفين وفتاة القطيف التسعمئة بعد الألف وثلاث وسبعين وعجوز حائل الخمسمئة وخمس وخمسين، وهكذا ستضاف أرقام لمناطقنا ومدننا وقرانا وبوادينا، ولسمعنا بالطبع عن أماكن لم نسمع بها من قبل، ولم نكن ندري بأنها تقع على خارطة مملكتنا.
فهل سمعتم مثلاً بالذي دهس زوجته عمداً وترصداً وإصراراً وتكراراً ذهاباً وإيابا، تحت عجلات سيارة حقده الجنوني الكاسر وفي وضح النهار؟ ويتبرع من أهل الخير من يأتي لذوي المغدورة ويسألهم، هل سيعفون عن جازر ابنتهم أمام باب بيتهم، طمعاً بالمثوبة أو الدية الجزيلة أو بهما معاً. طبعاً سكتت شهرزاد الصباح عن الكلام المباح، بموتها تحت عجلات الغدر والجزر، وسكت الإعلام عن متابعة قضيتها وللراوي وجهة نظر، قد تكون بأن نبش مثل هذه المسائل من المقابر، قد يضع أهل المغدورة في إحراجات لا داعي لنبشها، حيث كل جان ضد امرأة قد يكون غاسل عار شريفا لا قاتلا وجزارا سخيفا.
وهكذا قاتل زوجته الآخر بتهشيم رأسها بفأس وصدور الحكم المبدئي بحقه بالسجن خمس سنوات وجلده مئتي جلدة، وذلك بعد أن تنازل ذووها عن مطالبتهم بالقصاص من جازر ابنتهم؛ وهكذا سكتت شهرزاد الصباح الثانية عن الكلام المباح بحق كل جزار وسفاح. وهذا الحكم مقارنة بأحكام جرائم وجنايات أقل منها بكثير يعتبر وبحق من أحكام وزن الريشة، ولذلك فليس بالمستغرب أن يتجرأ أحد منسوبي مؤسسة ضبط دينية بالزواج من ست نساء؛ ويحظى هو كذلك بحكم أقل من أحكام وزن الريشة..!! وهي القضية التي ظهرت للعلن بالصدفة لا من قبيل التوعية أو الشفافية.
وهنالك قصص ومآس مشابهة لو أردنا سردها لاحتجنا لمجلدات لا مقالات، خاصة عن القضايا التي تناولها الإعلام، أما ما لم يتناوله الإعلام فالله به أعلم، وسيظهره لنا القضاء يوماً؛ كجزء من الإصلاحات التي يمارسها على نفسه وإيماناً منه، بأن مرحلة قد ولت وأتت مرحلة أخرى تحتم عليه مواكبتها والتعاطي معها بمفرداتها المستجدة.
وجميع القضايا أعلاه المتعلقة بانتهاك وهضم حقوق المرأة، تدل وبلا شك أو ريب على أن حقوقها ليست من أولويات مجتمعنا وثقافتنا الماضوية. حيث كانت المرأة تعيش على هامش المجتمع وعليه تحظى بهوامش ثقافته؛ والتي انبثقت منها فكرة تهميش حقوقها. وأصبح أي حق يسترجع للمرأة كأنه حق يسلب من كرامة الرجل وفحولته.
هذا من ناحية ومن ناحية أخرى، فقد أملت علينا طبيعة مجتمعنا المتدين، المحب لدينه والمفاخر به؛ ثقافة احترام وإحسان الظن بكل ما هو متدين أو ما يتعلق بالدين بصلة من عمل أو مظهر، وهذا دليل على تدينه الحقيقي، الذي لا شك أو ريب فيه، ونتيجة لذلك، ظهر لدينا متدينون نفتخر بهم ونعتبرهم أمثلة نعتز بها ونبجلها، ولا نزكي على الله أحدا، ولكن كطبيعة الحياة وديدنها ظهر لدينا كذلك، من يستغل الدين للوصول لغاياته المريضة، خاصة كون مظاهر التدين على المرء تمنحه في مجتمعنا حصانة الثقة بأهل الدين، والتي جربها (مجتمعنا) في كثير من المتدينين ولم يخب ظنه فيهم.
وانسحبت ثقافة الثقة بالمتدينين في مجتمعنا ومنح الحصانة لهم، لتشمل بعض مؤسسات الدولة ذات الصبغة والطابع الديني، مع كون كل مؤسسات الدولة منذ نشأتها الأولى في دولتي الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين؛ هي أول من تقع تحت طائلة التساؤل والمحاسبة أكثر من غيرها؛ وهذا من طبيعة عمل الدولة ودورها في إدارة مؤسساتها وضبط أدائها. وتجاوز سحب الحصانة الدينية من المؤسسات ذات الطابع الديني للعاملين بها. حتى انسحبت هذه الحصانة شيئاً فشيئاً كذلك لتغطية أخطاء وتقصير هذه المؤسسات، وتبريرها والدفاع عنها. وشيئاً فشيئاً، فشيئاً تم سحب هذه الحصانة على المؤسسات ذات الطابع الديني؛ وذلك بالذم والقدح بنية ودين كل من يتجرأ ويتحدث أو يشير لتقصيراتها أو أخطائها؛ ولو كان مسؤولا في الدولة.
وعششت ثقافة حصانة المتدين ـ بالرغم من عدم وجود كهنوت في الإسلام، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " والله لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها " أو كما قال ـ لمؤسسات خاصة تتعامل بالربحية والتكسب من وراء أعمالها المصرفية أو التجارية أو الاستثمارية. وأصبح الدفاع عنها بنفس الزخم عن المؤسسات العامة ذات الصبغة الدينية، مهما كان أداؤها مشكوكا فيه.
كما أن أسوأ نماذج من استغلوا الحصانة الدينية المتوارثة عبر ثقافتنا وثقة الناس بهم، هم الفئة الضالة أو الخوارج أو الإرهابيون، فسمهم ما شئت لأن ثقافتنا حتى الآن ما زالت تتمنع علينا من اختيار الاسم المناسب لهم الدال حقاً عليهم. وهم الذين ما زالوا يكيدون عملاً وتعبئةً من العدوانية على مجتمعنا ما الله عليم به. وقد تصدى لهم رجال أمننا البواسل بكل ما أوتوا من قوة وعزم وتصميم، حتى أبعدوا شرورهم وفتنتهم عن مجتمعنا؛ ولكن ما زلنا نحن كأرباب منابر وأقلام غير قادرين على مساندة رجال أمننا في نزع الحصانة الثقافية عنهم وعمن قد يلتحق بهم أو يأتي من بعدهم.
وبما أن الحصانة لأي شكل من أشكال التدين ولو كان مشكوكاً بتماشيه مع مضمونه، انطبعت بالثقافة لدينا، أصبح الخلاص منها ليس بالشيء اليسير، مع سلامة نيات من يسعون لذلك والكثير منهم متدينون شكلاً ومضموناً وجادون في سعيهم لذلك. أصبحت مسألة فكاك ثقافتنا من الحصانة للشكل المتدين ولو أتى على حساب المضمون أمراً ليس باليسير. وبما أن مؤسساتنا العامة والأسرية تدار في الأول والأخير بواسطة أفراد من المجتمع الذين يحملون هذه الثقافة بدرجة أو أخرى؛ ما زال الشكل المتدين يحظى بشيء من الحصانة لديها.
وبما أننا كمجتمع لم نحسم بعد مسألتي هضم حقوق المرأة والحصانة الدينية فلنتوقع أي شيء قد يرتكب بيننا إما باسم الدين أو الاعتداء السافر على حقوق المرأة. والحل الأمثل لذلك هو التسريع في عملية الإصلاحات التي دشنها خادم الحرمين الشريفين في إعادة صياغة وتشكيل مؤسساتنا العامة المرتبطة مباشرة بحفظ حقوق المرأة ومعاقبة كل عابث بأمن الوطن والمواطنين، كائنا من كان وبأي شكل كان وبأي حجة كانت، ولو كان كما يبرر لهم بأنهم فئة مستفزةً، فالحيوانات الكاسرة السائبة في الغاب هي وحدها التي يخشى من استفزازها؛ لا البشر في المجتمعات البشرية التي تحكم بحكم الشرع والنظام والقانون.