لماذا الزج بالسعودية في مشكلات إقليمية؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
احمد المرشد
ثمان وأربعون ساعة كانت هي الفترة الزمنية الفاصلة بين لقاء خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز عاهل المملكة السعودية مع روبرت جيتس وزير الدفاع الأمريكي..وبين نفي الرياض أن يكون المسؤول الأمريكي قد بحث خلال المقابلة المذكورة سبل مساهمة السعودية في مشاركة أمريكا والغرب في الضغط على الصين لفرض عقوبات على إيران بسبب مشروعها النووي. وسبب النفي السعودي السريع، هو ما بثته وكالات الأنباء نقلا عن جيتس بان السعودية لديها استعداد لاستغلال نفوذها للضغط على الصين. والمعروف أن بكين لديها تحفظات كثيرة على فرض عقوبات دولية على إيران لثنيها عن استكمال برنامجها النووي.
وقد راجعت كل تصريحات روبرت جيتس عقب لقائه مع خادم الحرمين الشريفين وبقية قادة المنطقة لأستوضح الأمر بهدوء، فوجدت أن وكالات الأنباء حرفت ما ذكره وزير الدفاع الأمريكي، ربما عن قصد وتعمد تحريف أقواله لصالح جهة معينة ، أو بدون قصد ، وحتى في هذا خطأ مهني بالغ. لأنه لا يجب على وكالات الأنباء أن تبث تأويلات، وإنما عملها يتعلق بالأخبار في المقام الأول، وحتى بدون ذكر انطباعات. فما قاله جيتس تحديدا هو :" أن دولا في المنطقة مستعدة لاستخدام نفوذها للضغط على الصين كي تؤيد فرض عقوبات على إيران". ولكن ردا على سؤال لجيتس بعد محادثاته في المنطقة عما إذا كان مضيفوه مستعدين لمساعدة الولايات المتحدة في التغلب على المعارضة الصينية والروسية ..قال وزير الدفاع الأمريكي:" لدي إحساس بان ثمة استعدادا للقيام بذلك".. واستطرد المسؤول الأمريكي قائلا :" لكن الحاجة إلى ذلك اقل فيما يتعلق بروسيا، لأنني اعتقد أن موسكو مقتنعة بالفعل بالعقوبات إلى حد بعيد، والأمر يتوقف أساسا بالصين".
لقد آثرت نقل ما ذكره جيتس حرفيا للاستدلال على أن نفي السعودية المشار إليه في بداية المقال هو نفي في محله، وليس نفيا دبلوماسيا موجها للداخل أو لمنطقة الخليج.
واتضح أيضا أن جيتس لم يذكر السعودية أو غيرها مطلقا، وان الأمر وصل من الكذب والافتراء مداه .. والسؤال الذي يفرض نفسه على الساحة :" لماذا الزج باسم السعودية في آتون حرب دبلوماسية مشتعلة بين أطراف عديدة، هذه الأطراف تشمل بطبيعة الحال الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي حليفا معها، ثم روسيا التي توازن مواقفها بين علاقاتها العسكرية والاقتصادية والتجارية مع إيران وعلاقاتها الدبلوماسية مع أمريكا وأوروبا، ثم الأهم لدينا الصين ، التي تعلن صراحة رفضها لأي عقوبات دولية قد يحاول مجلس الأمن الدولي فرضها على إيران، على اعتبار أن الموقف الصيني المعلن هو التأكيد على الحوار والدبلوماسية.
من الواضح أن من مصلحة بعض الأمريكيين الزج باسم السعودية للتلويح لايران بان قوى مهمة في منطقة الشرق الأوسط والخليج تقف مع معسكر الغرب في الحرب الدبلوماسية - حتى الآن - ضد طهران. هذه القوى هي السعودية والتي ترتبط بعلاقات دبلوماسية متوازنة مع الجميع، ويتوقف دورها على تقديم المشورة والنصح لجميع الأطراف بدون فرض مواقفها على أي منها.
وباعتبارها قوة إسلامية ، خليجية، إقليمية، عربية، سارعت السعودية إلى نفي ما تردده وكالات الأنباء نقلا عن وزير الدفاع الأمريكي، وكان بإمكانها عدم الرد أو النفي أو تجاهل ما قيل. ولكنها أرادت أن يكون موقفها جادا وليس مائعا مع الوقوف على الحياد بدون الميل لأي طرف سوى الحق. فالسعودية أعلنت مرارا ضرورة إخلاء منطقة الشرق الأوسط بما فيه الخليج من أسلحة الدمار الشامل، وضرورة أن يتم معاملة إسرائيل نفس معاملة إيران، وانه من حق الدول والشعوب أن يكون لديها برنامجها النووي للأغراض السلمية.
علماً أن القمة الخليجية قبل الأخيرة أعلنت في بيانها الختامي نية دول المجلس الدخول إلى عالم الطاقة النووية السلمية، واعتقد أن دولة الإمارات العربية قد اتخذت خطوات جادة من جانبها في هذا المضمار لإطلاق برنامجها النووي السلمي.
ومن نافلة القول، التأكيد على أن مشكلة العقوبات أم الدبلوماسية هي مشكلة أمريكية وغربية مع إيران وليست خليجية أو سعودية. فالرياض تدعو دائما إلى ضرورة تجنيب المنطقة ودولها ويلات الحرب، لان الحرب أو أي ضربات عسكرية سواء صاروخية أو جوية ضد إيران، لن تقتصر على الأهداف الإيرانية وحدها، ولكن نتائجها السلبية وآثارها الضارة ستطال دول الجوار الخليجية.
إذا..الدعوة السعودية إلى تفعيل الخيار الدبلوماسي هو لصالح المنطقة ، لانه كفاها حروبا ودمارا منذ حرب الخليج الأولى (العراق- ايران) ثم حرب الخليج الثانية (أمريكا والتحالف الدولي - العراق) ثم حرب غزو العراق وما تلاها من دمار للعراق هذا البلد العربي الشقيق.
الأمر المهم، وبعيدا عن هذا الملف النووي الإيراني الذي شغلت به أمريكا العالم ليلا نهارا، فان السعودية أمامها قضايا أخرى كثيرة تمثل أهمية قصوى لها وللخليج والعرب. فهي خرجت لتوها من مواجهات عسكرية ضد المتمردين الحوثيين على حدودها الجنوبية مع اليمن، وساهمت مع جارتها الجنوبية في التوصل إلى اتفاق مهم للغاية يشيع الاستقرار والأمن في الجنوب مع تمويل مالي ضخم للمساهمة في إحداث طفرة اقتصادية في اليمن.
وتمثل عملية السلام أهمية قصوى في اهتمامات السياسة السعودية، فهي تلعب دورا مهما من اجل الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي والتوصل إلى اتفاق سلام شامل ينهي حالة النزاع في المنطقة عموما. فالسعودية لاعب رئيسي في لجنة المتابعة العربية وهى صاحبة مبادرة السلام العربية، وتسعى جاهدة لإصلاح ذات البين بين الفرقاء الفلسطينيين، وأمامنا اتفاق مكة الذي أهدره الفلسطينيون غير عابئين بمصلحة الوطن والشعب الفلسطيني.
و إذا كنا نتحدث عن الدور السعودي وأعباء السياسة الخارجية لهذه البلد المحوري، فقد نشير بصورة عارضة إلى ما ذكره شاه محمود قريشي وزير خارجية باكستان عن ان بلاده توافق على قيام السعودية بالوساطة لإنهاء خلافاتها مع الهند. فما معنى ان يذكر مسؤول الدبلوماسية الباكستانية أن بلاده توافق على الوساطة السعودية بدون أية اعتراضات..معناه أن لدى السعودية ملف دبلوماسي شامل بقضايا المنطقة وخبرة طويلة في إجراء الوساطات الدولية والتدخل لإنهاء النزاعات والصراعات والتدخل من اجل تهدئة الأمور. وهذا المطلب الباكستاني لم يأت من فراغ ، فالتاريخ يسطر للسعودية معرفتها الدقيقة لكافة تفاصيل نزاعات المنطقة وكيفية التدخل لحلها ، مع احتفاظ كل طرف بعرض قضيته بحيادية تامة، مما يسهل عملية الوساطة السعودية والتي تعتمد على دور الدبلوماسية العريقة.
ويكفي أقوال الرئيس الأمريكي تيودورروزفلت الشهيرة التي قالها بعد لقائه مع الملك عبد العزيز آل سعود مؤسس المملكة السعودية في قناة السويس: "خلال ساعة واحدة علمني ملك السعودية عن الشرق الأوسط أكثر مما علمني أصدقائي الصهيونيون طوال حياتي كلها".
التعليقات
ليس زجاً بل
سالم سلمان -لا أحد يزج بالسعودية في المشاكل الإقليمية بل السعودية نفسها زجت بنفسها طواعية في هذه المشاكل، وبعضها من صنعها، خاصة في لبنان والعراق اللذين صارا ساحة للحروب بالوكالة بين السعودية وإيران، وأنا أبعث هذا التعليق أشك في نشره، لأن هامش حرية التعبير لا يسمح بذلك