إيران والعدو الحقيقي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
أسامة عبد الرحمن
إيران دولة إقليمية لها مصالحها التي قد تتقاطع أو تتعارض مع مصالح أنظمة عربية . والمصالح قد تتغير، تلك طبيعة الأمور، فقد كانت إيران في وقت من الأوقات على خط مغاير متفق مع المشروع الأمريكي في المنطقة، ووكيلاً عنه، وأصبحت إيران مناوئة لهذا المشروع، أو أصبح هو مناوئاً لها . وإن فرضت المصالح في بعض الأحيان تعاوناً بين الولايات المتحدة وإيران، وخصوصاً على الساحة العراقية، واتجاه الولايات المتحدة إلى كسب تعاون إيران على الساحة الأفغانية .
ومعروف أن إيران كانت الرابح الأكبر من غزو الولايات المتحدة للعراق واحتلاله، حيث غدا لها نفوذ كبير على الساحة العراقية، كما أنها كانت الرابح الأكبر من غزو أفغانستان واحتلالها، وبالطبع فإن الولايات المتحدة غزت العراق وأفغانستان واحتلتهما سعياً لمصالحها، لكن هذا السعي تقاطع مع مصالح إيرانية، وحقق لإيران كسباً كبيراً .
إن استمرار إيران في برنامجها النووي أثار حفيظة الولايات المتحدة، ومعها الكيان الصهيوني واتخذت الولايات المتحدة من الملف النووي الإيراني، قضية تثير في إطارها مخاوف الأقطار العربية، وخصوصاً الخليجية، من هذا الاتجاه الإيراني الذي سيعظم قوتها في المنطقة، ويزيد من نفوذها، ثم ان امتلاك أسلحة نووية من قبل إيران هو في حذ ذاته مثير للقلق في المنطقة العربية، وفي المنطقة الخليجية منها على وجه الخصوص، مع أن الكيان الصهيوني يمتلك منذ سنوات ترسانة كبيرة من الأسلحة النووية، وهو أشد خطراً على العرب، والعدوانية معه قائمة ومستمرة بحكم وجوده غير الشرعي، واغتصابه للأرض الفلسطينية، والحقوق الفلسطينية، ومعاهدات السلام لن تلغي هذه العداوة .
إن إيران الشاه، كانت على علاقة وطيدة بالكيان الصهيوني، وكانت مرتكزاً من المرتكزات الرئيسية للمشروع الأمريكي والسياسات والاستراتيجيات الأمريكية في المنطقة، ولعبت دوراً مناهضاً ومناوئاً للمصالح العربية، وجاءت إيران بنهج مغاير، واتخذت موقفاً مناوئاً للكيان الصهيوني، وتعارض هذا النهج مع المشروع الأمريكي، وبقدر ما تثار المخاوف من الملف النووي الإيراني حالياً أثيرت المخاوف في الماضي، مما سمي بتصدير الثورة، ودخل العراق في حرب طاحنة مع إيران، وتحقيقاً لهدف ربما بدا له سهل المنال، ومن دون الخوض في تفاصيل تلك الحقبة، فإن الرابح الكبير منها كان الكيان الصهيوني الذي لابد أن يربح من أي صراع يدخله العرب بعيداً عنه ويستنزف قدراتهم وطاقاتهم ومواردهم .
إن إيران . . مارست نبرة عالية من التصريحات التي قد يكون بعضها مستفزاً ومنها ما يتعلق بالبحرين والجزر الإماراتية الثلاث المحتلة على سبيل المثال . وربما كان دخولها على خط الخلافات العربية العربية كبيراً، مع أنها دخلت في حقبة سابقة على خط الانقسام العربي ربما بطريقة أقوى ومنهجية غير إعلامية . ذلك أن التصريحات الإيرانية التي تبدو عالية النبرة تروجها الوسائل الإعلامية التي غدت تستأثر عبر الفضاء الإعلامي الواسع بقدرة نشر وتأثير غير مسبوقة . وبدا لعدد من الأقطار العربية أن إيران حين تبدي تعاطفاً وتأييداً وتضامناً مع المقاومة الفلسطينية أو المقاومة اللبنانية فإنها تمارس المزايدة وبالذات ما يتعلق بالقضية الفلسطينية . ربما قال قائل إنه من المستحسن أن تكون إيران مناصرة للفلسطينيين واللبنانيين في مواجهة الكيان الصهيوني، ولكن عدداً من الأقطار العربية يعتبر أن إيران تدخل في هذه القضية من أجل نصرة طرف فلسطيني على طرف آخر، أو طرف لبناني على طرف آخر . وربما كان هذا شأن السياسة دائماً، غير أن الخلاف العربي العربي أمر ليس جديداً . . وقد يكون الجديد فيه الفضاء الإعلامي الواسع الذي ينشره بكثافة قد جعل التناقض والتعارض في السياسة بين بعض الأقطار العربية وإيران . . ويبدو أكبر من حجمه . . وأكبر من حقيقته .
إن إيران في بعض تصريحاتها ومواقفها تبدو مستفزة لبعض الأقطار العربية، ولو تلاشت هذه التصريحات المستفزة لبعض الأقطار العربية فإنه من الطبيعي أن يكون هناك اختلاف في المواقف والتوجهات، ولكن ينبغي أن تكون بعيدة عن تعظيم الجدل واللغط من خلال الفضاء الإعلامي الواسع .
إن من حق الأقطار العربية الخليجية أن تنشغل بالملف الإيراني النووي، أو نفوذ إيران في المنطقة، ولكن عليها أن تتعامل مع إيران كدولة إقليمية لها مصالحها . ويجب ألا تتعارض المصالح الإيرانية مع مصالح الأقطار العربية الخليجية .
إن مجمل القضية أن إيران لها مصالحها وتوجهاتها، ومن حق الأقطار العربية الخليجية أن يساورها القلق من بعض التوجهات وأبرز ملامحه الملف النووي الإيراني والتصريحات الإيرانية المستفزة، ولكن لا يمكن بحال من الأحوال اعتبار إيران عدواً وصرف النظر عن العدو الحقيقي لهذه الأقطار وللأمة العربية بأسرها وهو الكيان الصهيوني .
إن محاولة استثمار هذا القلق من إيران، وملفها النووي لخلق عداء مع إيران يتصور فيه الكيان الصهيوني، أنه سيجعل العرب يقفون معه ضد إيران باعتبارها الخطر الحقيقي الذي يواجههه الجميع، هو استثمار مكشوف النوايا والأهداف، لأنه يرمي إلى صرف الأقطار عن العدو الصهيوني، وممارساته اليومية القمعية على الأرض الفلسطينية، واستهدافه للأمن العربي برمته، ويجب في كل الأحوال على إيران أن تخفف من نبرة تصريحاتها وأن تمارس السياسة بهدوء وعقلانية دون ضجيج إعلامي مستفز، حتى لا تثير عداء لها، وهذا ما يهدف إليه الكيان الصهيوني، الذي يتصور أنه في هذه اللحظة التاريخية قد أصبحت إيران عدواً له وللعرب، وكأنه ليس بعدو، وهذا تصور يخرج عن أي سياق منطقي، ومحاولة لطمس القضية الفلسطينية، وصرف الأنظار عنها، ويظل الكيان الصهيوني هو العدو الحقيقي، وهو الخطر الحقيقي على الأمة العربية بأسرها .