آراء القتل والهدم: الضوء محرقة التطرف
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
قينان عبدالله الغامدي
أنا أقرأ مطالبة الشيخ يوسف الأحمد بهدم الحرم المكي وإعادة بنائه بالصورة التي تمنع الاختلاط، ضحكت، واعتبرت الموضوع حلقة في سلسلة الآراء الشاذة التي قيلت سابقاً وانتهت ولم يعد أحد يتذكرها إلا من باب الطرافة والتندر، لكنني تأملت قليلاً فوجدت أن هناك جوانب إيجابية لإعلان مثل هذه الآراء والمطالبات بالقتل والهدم ونحوها بحجج واهية تتذرع بالدين. ولعل أبرز إيجابيات إعلانها وتداولها بين الناس أن هناك عقلاء سوف يتصدون لها ويوضحون عوارها ويكشفون عوراتها عبر وسائل الإعلام المختلفة، وهذه في حد ذاتها أفضل من أن تظل في الخفاء يصدرها منظر متطرف ويحقن بها أذهان شباب غض في استراحة أو مكان معزول، فلا يستطيعون الرد عليه أو تفنيد ما يقول لقداسة وهمية أحاط بها نفسه وأقنعهم بها، فالآراء من هذا النوع الشاذ غير المقبول ولا المعقول حين تخرج إلى النور وأمام الناس فإن إعلانها يحول دون أن ينخدع بها أحد، لأن الجميع سيرون ردة الفعل عليها سواء كانت ساخرة أو جادة.
الأمر الثاني أن استمرار الفكر المتطرف في الكشف عن نفسه علناً من خلال منظريه ورموزه يخدم الفكر المعتدل الذي ينشده الجميع، فالفكر المتطرف بهذه الطريقة يكشف نفسه، وهو فكر يحمل وسائل موته في داخله، ولو أن الأفكار التي خدعت وضللت الشباب الموقوفين الآن كانت معلنة في حينها ولم يتم حقنهم بها خفية لأمكن كشف عوارها في حينه ولنجوا مما أوصلتهم إليه تلك الأفكار المتطرفة من مآس بعضها وصل حد قتل الأبرياء وتدمير المنشآت.
لقد أمضينا في ميدان المكافحة الفكرية وقتاً طويلاً، ونحن نستنكر ونشجب الفكر المتطرف الذي يعتنقه هؤلاء ويفضي بهم إلى الإرهاب، لكننا لم نقف بدقة عند الآراء والفتاوى التي ضللتهم ونعلنها على الملأ ثم نفندها، أو على الأقل يعرفها الناس وهم يملكون عقولاً تجعلهم يشعرون بفداحتها أو غرابتها وضلالها أو على الأقل سخفها، وعدم إمكانية تقبلها لا ديناً ولا عقلاً.
إنني أعتقد أن الأحمد وأمثاله بآرائهم ومطالباتهم غير المعقولة لا ديناً ولا عقلاً يقدمون أوضح دليل على أن الفكر المتطرف غير قادر على الحياة في أي مجتمع وأنه يقضي على نفسه بنفسه شريطة أن يتم كشفه وإعلان تفاصيله للناس بأي وسيلة، وهو حين ينكشف لن يخدع أحداً، بل إن هذا الكشف يساهم في رفع الغمة عن مخدوعين وقعوا في أسره من السابق حين يجدون حججه الواهية تتساقط كأوراق الخريف. المزيد من الضوء كفيل بإحراق هذا الفكر بأسرع مما نتصوره.