الحرب الباردة مع الصين
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
رضا محمد لاري
يصعد نجم الصين في الأفق الدولي من الناحية الاقتصادية بكل تأثيرات ذلك على العلاقات الدولية فوق المسرح السياسي الدولي إلى الدرجة التي أعطت الصين القدرة على المواجهة الإسترايجية مع الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها القدامى أوروبا الغربية، وكذلك حلفائها الجدد روسيا ودول أوروبا الشرقية.
بدأت تتكامل قوة الصين الاقتصادية عندما بدأت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها ينظرون إلى السوق الكبير الصيني الذي يشكل في حجمه خمس السوق العالمي، وطالبوا من بكين فتح هذه السوق الكبيرة لهم، التي قبلت على أن يفتح لها السوق العالمي في المقابل وتم إبرام هذه الصفقة بين العالم والصين التي حصلت مقابل فتح سوقها على فتح السوق العالمي لها الذي يشكل أربعة أخماس السوق العالمي مما يعني بأن هذه الصفقة جاءت لصالح الصين التي حصلت على سوق يشكل أربعة أضعاف السوق الذي تقدمه للعالم.
لا تقف المعادلة عند هذا الحد ذلك لأن الشعب الصيني رفض استخدام السلع الواردة إليه بحس وطني عالٍ يرمي إلى حماية الزراعة والصناعة في بلاده، مما أدى إلى تكديس البضائع الواردة إلى الصين بدون تصريف على الرغم من جودتها إلى تفوق كثير لجودة البضائع المماثلة لها المنتجة في الصين، وقابل هذا انتشار واسع للبضائع الصينية في الأسواق العالمية مما حقق لها فائضاً ضخماً في ميزان مدفوعاتها وصل مع كل دول العالم إلى ثلاثة تريليونان دولار أمريكي، وقد عبّر عن هذه الظاهرة أحد الاقتصاديين الغربيين بقوله "تجد في كل ركن من أركان العالم البضائع الصينية الرخيصة الثمن والعالية الجودة" بجانب سلع بديلة لها بثمن أقل وجودة أدنى، ورخص الثمن لكل السلع الصينية عالية الجودة، وكذلك السلع الأرخص بجودة أقل جعل هذه السلع الصينية تغزو السوق الاستهلاكي في الولايات المتحدة الأمريكية والأوروبي، ولا نجافي الحقيقة لو قلنا في العالم كله.
هذه الحقيقة الاقتصادية جعلت واشنطون تخطط لمواجهة إستراتيجية ضد بكين، وتفوق الصين من الناحية العسكرية وامتلاكها للسلاح النووي جعل الولايات المتحدة الأمريكية تصل إلى فرض مواجهة غير مباشرة مع الصين من خلال وضع روادع إقليمية تحجب المواجهة المباشرة بين واشنطون وبكين بمعنى أن العالم بقيادة أمريكا يعلنون الحرب الباردة ضد الصين، وأصبح من المحتمل أن ينضم إلى التكتل الغربي روسيا التي ستقود أوروبا استناداً إلى المخطط الأمريكي في الحرب الباردة ضد الصين، في الوقت الذي ستجند فيه أمريكا ضد الصين دولاً آسيوية محيطة بالصين مثل اليابان واندونيسيا والفلبين والهند وكوريا الجنوبية وتايوان وفيتنام وهذا الحصار الاقليمي للصين يستهدف إشغال الصين حتى لا تلجأ إلى المواجهة المباشرة مع الغرب ذلك لأن هذه المواجهة المباشرة -حتى عند مستوى الحرب الباردة- ستنزل الخسارة الفادحة بالعالم الغربي.
إن هذا الانشطار الدولي يلغي تماماً الوضع الدولي الذي كان سائداً بعد سقوط الاتحاد السوفيتي والذي عرف بدولة القطب الواحد لأن المواجهة بين واشنطون وبكين أصبحت قضية حتمية غير قابلة للحل لأن القطب الصيني يسعى إلى فرض إرادته في العلاقات الدولية بالفكر اليساري الذي يؤمن به ويعارضه في ذلك القطب الأمريكي مع كل حلفائه الذين يرفضون الدور الصيني في العلاقات الدولية ويعملون على تحجيم أدوارها من خلال التصدي لها بالحرب الباردة المباشرة من أدوارهم وكذلك بالحرب الباردة غير المباشرة من خلال توظيف الدول المحيطة بالصين، وتسليح تايوان ضد الصين، وستواصل دعم الهند حتى تكون قادرة على مواجهة الصين والعمل على أن تكون اليابان قوة عسكرية ضاربة.
تقول كثير من الدراسات الاستراتيجية إن هذا المسلك الأمريكي الرامي إلى فرض مزيد من القوة العسكرية في الدول المحيطة بالصين يشكل خطورة بالغة في هذه الأقاليم لأن ردود الفعل من بكين قد تأتي عنيفة ومدمرة ويبدو أن أمريكا لم تستفد من تجربتها في ممارسة العنف العسكري على المسرح الدولي منذ خروجها بالهرب من فيتنام وتورطها في كثير من الحروب كان آخرها في أفغانستان والعراق. إن التهديد الأمريكي باستخدام القوة أو لجوئها إلى فرض القوة في الأقاليم المحيطة بالصين يشكل خطراً على التوازن الدولي في ظل قيام قطبين دوليين تقود الصين أحدهما بإمكاناتها الهائلة وسلاحها النووي المتطور، وتقود أمريكا ثانيهما والتي تلجأ إلى استفزاز الطرف الآخر (الصين) إلى الدرجة التي قد تجعله يدخل في عمليات عنف ضد جيرانه تخل بالتوازن الدولي الاقليمي، ولن تستطيع أمريكا وحلفاؤها الذين يفرضون هذا الخطر الاقليمي الاستفادة منه، لأن الصين بفارق القوة التي عندها تفوق كثيراً ما عند جيرانها ستفرض سيطرتها على هذا الاقليم وتجعل الدول المحيطة بها تدور في فلكها السياسي والإستراتيجي خصوصاً لو دعمت القوة العسكرية بالتفوق الاقتصادي.
أريد أن أقول إن الصين منافس خطير للدول الغربية، وهو اليوم أشد خطورة من الاتحاد السوفيتي عندما كان قائماً، لأنه بجانب قدرته العسكرية يتمتع بالتفوق الاقتصادي ما جعل الصين تغزو العالم بمنتجاتها المختلفة، وينصح أهل الرأي البيت الأبيض في واشنطون عدم فرض المواجهة العسكرية الاقليمية ضد الصين والاكتفاء بالحرب الباردة معها لتحد من نشاطها الدولي، وتمنع المواجهة العسكرية.