خطوة على طريق إلحاق لبنان بالمحور
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
خيرالله خيرالله
لا يمكن الفصل بين الحملات التي تتعرض لها مؤسسات الدولة اللبنانية. هناك رابط واضح وقوي بينها. ما يمكن أن يكون أوضح من الرابط الهدف المنشود من الحملات. مطلوب بكل بساطة أن يكون لبنان تحت وصاية مشتركة سورية - إيرانية لا أكثر ولا أقلّ. هناك بكل بساطة من لا يريد أخذ العلم بأن لبنان تغيّر وأن لا عودة لعقارب الساعة إلى خلف وأن لبنان، الذي رفض في الماضي الخضوع لأي سلاح ميليشيوي أكان فلسطينياً، أو سورياً، أو لبنانياً، سيرفض الوصاية المشتركة الجديدة وسيقاومها. سيرفض الوصاية الجديدة حتى لو كانت محاولات فرضها تجري تحت شعار "المقاومة". هناك مقاومة وحيدة في لبنان. اسم هذه المقاومة مقاومة كل الجهود الهادفة إلى إعادة الوصاية تحت أي حجة من الحجج بغية تحويل لبنان إلى رأس حربة للمحور الإيراني- السوري الذي يراهن السذّج فقط على امكان فكّه.
هناك حاليا حملة، أقل ما يمكن أن توصف به أنها مشبوهة، على رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان. يتعرض رئيس الجمهورية لحملة، لا لشيء، سوى لأنه يتخذ بين حين وآخر مواقف تدل على سعيه إلى أن يكون على مسافة واحدة من الجميع، وأن واجبه الأول تسهيل الحوار بين اللبنانيين مع تركيز على المسألة الأهم، أي الاستراتيجية الدفاعية. وهذا يعني في طبيعة الحال البحث في سلاح "حزب الله" الذي تحول إلى سلاح موجه إلى صدور اللبنانيين العزل. يفعل الرئيس ذلك من دون أن يثير موضوع السلاح مباشرة تفادياً للحساسيات. لكن الطفل يعلم أن لا فائدة من أي حوار لبناني- لبناني إذا لم يطرح موضوع السلاح على الطاولة، خصوصاً أن القرار (الرقم 1701) الصادر عن مجلس الأمن في أغسطس من العام 2006 كان في غاية الوضوح في شأن كل ما له علاقة بالسلاح. وقد وافق لبنان على القرار وأكد أنه يحترم كل بند فيه.
ربما كان ذنب الرئيس سليمان أنه لا ينسى في أي لحظة أنه لبناني أوّلاً وأنه رئيس لكل لبنان. يجد الرئيس سليمان نفسه مضطراً في بعض الأحيان إلى مراعاة الحزب الوحيد المسلح في لبنان... من الواضح أنه يفعل ذلك من أجل لبنان ومن أجل تجنيب الوطن الصغير مآسي أخرى على غرار ما حصل في السابع من مايو 2008 عندما شنت ميليشيا الحزب المذهبي المسلح هجومها على أهل بيروت والجبل في ما عرف بـ "الغزوة". استهدفت "الغزوة" اثبات أن إيران صارت على شاطئ المتوسط من جهة وأنها تتحكم بموازين القوى في لبنان، وبمفاصل السلطة فيه من جهة أخرى.
لا حاجة إلى الحديث طويلاً عن الافتراءات التي يتعرض لها اللواء أشرف ريفي المدير العام لقوى الأمن الداخلي بسبب دوره على الصعيد الوطني، ورفضه أن يكون تابعاً لأحد باستثناء لبنان. ولا حاجة إلى تفسير الأسباب التي أدت إلى التركيز على مهاجمة الرئيس فؤاد السنيورة والافتراء عليه. المطلوب بكل بساطة ضرب مؤسسة اسمها رئاسة الوزارة. لا يمكن بالطبع الفصل بين الحملة وبين شخصية فؤاد السنيورة التي تتميز بالصلابة والمواقف العربية الصادقة. ولكن ما يرسخ في الذهن أن المطلوب قي كل لحظة جعل رئيس مجلس الوزراء في لبنان، أي رئيس لمجلس الوزراء، في وضع المتهم... مادام يرفض أن يكون في خدمة سياسة تصب في تحويل لبنان "ساحة" لحروب الآخرين وشعبه وقوداً لمعارك لا علاقة له بها بأي شكل من الأشكال. انها معارك لا هدف لها سوى التوصل إلى صفقات مع أميركا وإسرائيل على حساب الوطن الصغير، وعلى حساب كل ما هو عربي في الشرق الأوسط!
لبنان يقاوم. لبنان يدافع عن مؤسساته رغم شراسة الهجمة التي يتعرّض لها. من هذا المنطلق، يفترض ألاّ يفوت المسؤولون فيه أن المشاركة في القمة العربية التي تستضيفها ليبيا اكثر من ضرورية. فالقمة حدث عربي وليست حدثاً ليبياً. أنها قمة دورية وقد جاء دور ليبيا لاستضافة القمة. لا شكّ أن قضية اختفاء الأمام موسى الصدر قضية محقة لابدّ من ملاحقتها حتى النهاية. ولكن هل هناك بين السياسيين اللبنانيين، من الذين يمتلكون حداً أدنى من الوعي، من لا يعرف الظروف التي رافقت اختفاء موسى الصدر، ولماذا كان مطلوبا التخلص منه في مرحلة معينة؟
لم يكن مطلوباً أن يشارك لبنان في القمة على مستوى رئيس الجمهورية، علماً أن لا ضير في ذلك، نظراً إلى أن القمة ستتيح للرئيس سليمان الاتصال المباشر برؤساء الدول العربية الأخرى وفي ذلك فائدة كبيرة للبنان. لو لم تكن القمة مفيدة، بغض النظر عن القرارات التي يمكن أن تصدر عنها، لما كان الرئيس بشّار الأسد في طليعة الذين سيحضرونها. ولكن ما العمل عندما يكون المطلوب الغاء لبنان وتأكيد أن سياسته الخارجية يتحكم بها "حزب الله" وتوابعه في مجلس الوزراء. هناك محاولة جدّية لتأكيد أن الثلث المعطل في مجلس الوزراء وجد ليبقى وأن النظام اللبناني تغيّر جذرياً، وأن الثلث المعطل هو الذي يتحكم بالسياسة الخارجية للبنان. المثالثة السنية - الشيعية- المسيحية صارت حقيقة ولم تعد هناك أي أهمية للمناصفة كما نص على ذلك "اتفاق الطائف". لذلك، يبدو ضرورياً أكثر من أي وقت التنبه إلى أن هناك من استغل قضية الإمام الصدر، وهي قضية محقة من دون أدنى شك، لأغراض لا علاقة لها من قريب أو بعيد بغياب الرجل الكبير. هناك في الداخل من تاجر ولا يزال يتاجر بالقضية من أجل تكريس واقع جديد في لبنان. وهناك في الخارج من لديه مآرب تتجاوز ذلك. المطلوب عودة لبنان إلى عهد الوصاية وتقييد قراره الوطني. لو لم يكن الأمر كذلك، لكان مجرد تلميح من طهران أو دمشق أكثر من كاف لتتحول مشاركة لبنان في القمة قراراً "وطنياً" يصب في خدمة المواجهة مع إسرائيل. هل من يريد استيعاب خطورة المرحلة التي يمر بها لبنان ومخاطر الهجمة التي يتعرض لها، هل من يريد استيعاب أن مستوى المشاركة اللبنانية في "قمة سرت" مسيء إلى لبنان، وخطوة على طريق الحاق البلد بالمحور الإيراني- السوري ليس إلاّ؟