عصر الدولار الضعيف
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
صلاح الدين خاشقجي
مع انقضاء الربع الأول من السنة الحالية، نجد أن موازين الأسواق تعود لتصب مرة أخرى في الولايات المتحدة. فالأزمة اليونانية تعصف باليورو. والين الياباني ليس بأفضل حالا، فهو أيضا يسجل تراجعات حادة أمام الدولار كون التعافي في النظام المالي الياباني مازال هشا. هذا لا يعني بالضرورة تحسن أداء الاقتصاد الأمريكي، فالارتفاعات الحالية في أسعار صرف الدولار إنما نتجت عن كون الاقتصاديات الأخرى أشد ضعفا. نتائج المؤشرات الاقتصادية الأمريكية مازالت تعطي الكثير من الإشارات الإيجابية. فأسعار المنازل في أمريكا تتحسن، وإجمالي طلبات المصانع من المواد الخام في ازدياد. ولكن الرقم الأهم بين كل هذه المؤشرات مازال سلبيا، فالاقتصاد الأمريكي مازال يفقد المزيد من الوظائف يوما بعد يوم. وحتى وإن عادت المصانع إلى العمل وزيادة الإنتاج، لأن الاستراتيجية الأهم ليست توسيع الإنتاج بقدر ما هي تقييد المصاريف، وذلك بسبب أن أصحاب الأعمال فقدوا الثقة في قدرة القطاع المصرفي الأمريكي على مساندتهم في أوقات الأزمات.
كما أن بقاء معدلات البطالة مرتفعة، أكثر كلفة على الاقتصاد الأمريكي من عجوزات موازينها التجارية الصينية والنفطية. فالاقتصاد الأمريكي يعتمد بالأساس على الاستهلاك المحلي، الذي يحرك عجلة الاقتصاد ويرفع من عائدات الخزينة الأمريكية من الضرائب. وبالتالي فإن ازدياد أعداد العاطلين عن العمل له تكاليف غير مباشرة على الاقتصاد أكثر عمقا من تكاليف إعانة البطالة، كون الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة سيواجه ضعفا في حال استقرار معدلات البطالة.
بسبب خطط الإنقاذ التي أقرت في العام الماضي، فإن إجمالي الدين العام الأمريكي يكاد يصل إلى ما يقارب 12 تريليون دولار بنسبة تصل إلى 100% من إجمالي الناتج المحلي. أي أن إجمالي ما يتم إنتاجه في أمريكا خلال عام بالكاد تصل قيمته إلى ما اقترضته أمريكا مسبقا. الحكومة الأمريكية تحاول اليوم لجم مصاريفها، ولكن بدون أن تتبني سياسة مالية انكماشية، كون السياسة المالية التوسعية هي الحل الوحيد لمكافحة معدلات البطالة العالية. ولكن بدون سياسة مالية انكماشية سيبقى الدين العام في ارتفاع، وهو ما سيضع الاقتصاد الأمريكي في وضع حرج عندما تبدأ أسعار الفائدة بالارتفاع. فاليوم تشكل الفوائد على الدين العام والتي تصل إلى 180 مليار دولار نحو 4% من إجمالي مصارف الميزانية الأمريكية. ولكن إن ارتفعت أسعار الفائدة إلى نصف في المائة، فإن هذا الرقم سيصل إلى 10% من إجمالي مصارف الميزانية. بهذه الطريقة ستجد الحكومة الأمريكية نفسها مكتوفة الأيدي في ظل فوائد تأكل الموارد المالية، وهذا ما سيدفع أمريكا إلى طباعة المزيد من الدولارات لتخفيض قيمة عملتها وتسديد هذه الفوائد بأقل التكاليف. نحن على أبواب عصر جديد للدولار الضعيف.