جريدة الجرائد

مصير السودان وجنوبه يتحدد الآن

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

حسن أبو طالب

ثمة حالة سيولة وتضارب شديدة يعيشها السودان قبل أيام قليلة من موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والولائيةrlm;.rlm; تلك الحالة تضرب بشدة في شرعية الانتخابات نفسها من جانبrlm;,rlm;
وفي شرعية مواقف بعض الأحزاب السياسية من جانب آخرrlm;.rlm; وإذا كان مفهوما أن أي حزب وأي مرشحrlm;,rlm; وقبل أيام قليلة من إجراء الانتخابات له الحق في الإنسحاب من السباق إن تبين له أن وضعه الانتخابي ليس جيداrlm;,rlm; أو أن كل المؤشرات تصب لصالح منافسيهrlm;,rlm; ومن قبيل الحرص علي الصورة لدي المواطنينrlm;,rlm; يصبح الإنسحاب أمرا طبيعيا ومحترما في آنrlm;.rlm; أما أن يكون الانسحاب تحت ذرائع عامة وبعضها يمكن تلافيه فيما تبقي من زمنrlm;,rlm; أو لحسابات غامضة تتعلق بمصير الوطن ككلrlm;,rlm; يصبح مثل هذا الانسحاب غير شريفrlm;,rlm; وبقدر ما يشكك في شرعية الانتخاباتrlm;,rlm; فإنه أيضا يشكك في شرعية ومصداقية هؤلاء المنسحبين أنفسهمrlm;.rlm;
فهذه الانتخابات السودانية التي تجري بعد توقف لمدةrlm;24rlm; عاما كان يجب أن تعامل بقدر أكبر من الجدية من قبل كل أطراف العملية السياسيةrlm;,rlm; فالانتخابات في حد ذاتها تلبي شرطا أساسيا في اتفاق السلام الخاص بالجنوبrlm;,rlm; كما تلبي مطلبا عاما من كل أبناء السودانrlm;,rlm; باعتبارها آلية تساعد علي تصحيح المسارات السياسية والاقتصاديةrlm;,rlm; وتفتح الباب أمام تحول ديمقراطيrlm;,rlm; كثيرا ما سعي إليه السودانيون جميعاrlm;,rlm; أيا كانت اتجاهاتهم السياسية أو انتماءاتهم الدينية أو العرقيةrlm;.rlm; ولذلك فالعبث في الانتخابات بالتهديد والتشكيك والانسحاب المفاجئ من جزء من اللعبةrlm;,rlm; والبقاء في جزء آخر منها يعد تلاعبا بمصير الوطن ككلrlm;,rlm; ويعكس أهدافا غير نبيلةrlm;.rlm; والصحيح هنا أن العملية الانتخابية تشوبها كثير من النواقص التي كانت تتطلب توحيد وتنسيق كافة الجهود من أجل معالجتهاrlm;,rlm; وليس من أجل استغلالها للانسحابrlm;,rlm; وزيادة التوتر السياسي في ربوع البلاد لهاrlm;.rlm; والمفارقة الأكبر هنا أن الولايات المتحدة تؤيد إجراء الانتخاباتrlm;,rlm; في موعدهاrlm;,rlm; بما في ذلك إجراؤها في دارفورrlm;,rlm; علي أن تجري خطوات لاصلاح ما يمكن إصلاحه بشأن ممارسات المفوضية الخاصة بالانتخابات وبحيث تستجيب لعدد من المطالب والمعايير التي تطالب بها أحزاب المعارضةrlm;,rlm; وما لا يمكن إصلاحه في الفترة الباقية يمكن معالجته عبر التعيينات في برلمانات الولايات لاحقاrlm;.rlm; ولعل الموقف الذي عبر عنه عدد من الأحزاب السياسية وهي حزب الأمةrlm;(rlm; قوميrlm;)rlm; والحزب الشيوعي والحزب الوحدوي الديمقراطي التي ربطت تراجعها عن الانسحاب الذي أعلنته سابقا بتحقيق عدد من الشروط يمثل نوعا من البراجماتية المطلوبة من أجل مزيد من الشفافية في العملية الانتخابيةrlm;,rlm; بل وإنقاذ العملية الانتخابية نفسهاrlm;,rlm; ومن بين الشروط المعلنة وقف الإجراءات الأمنية القمعيةrlm;',rlm; والحصول علي تغطية متوازنة لكل الأحزاب خلال الحملة الانتخابيةrlm;,rlm; وحصول الأحزاب السياسية علي تمويل حكوميrlm;,rlm; وتعهد بتمثيل منصف لمنطقة دارفورrlm;.rlm; أما الطلب الخاص بإرجاء الانتخابات حتي الأسبوع الاول من مايو فيبدو بلا معنيrlm;.rlm;
والناظر إلي ما يجري في السودان الآن يدرك تماما أنه قد حدث انقسام أفقي ورأسي في آن واحدrlm;,rlm; وهذا مما لا يساعد علي إجراء انتخابات شفافة ونزيهة قدر الإمكانrlm;.rlm; ولما كان موقف الحركة الشعبية بالانسحاب من السباق الرئاسي مفاجئا لكل القوي الحزبية المعارضة منها تحديداrlm;,rlm; دب الانقسام في أحزاب المعارضةrlm;,rlm; فمنهم من أيد استكمال السباقrlm;,rlm; والمشاركة فيه بكل مستوياتهrlm;,rlm; ومنهم أحزاب الاتحادي الديمقراطيrlm;,rlm; والمؤتمر الشعبيrlm;,rlm; والتحالف السودانيrlm;.rlm; ومنهم من أعلن موقفا مناهضا للانتخاباتrlm;,rlm; وانسحب منهاrlm;,rlm; ثم وضع شروطا للعودة إليهاrlm;.rlm;فيما يبرز قدر كبير من الالتباس لدي العديد من القوي السياسية السودانيةrlm;,rlm; فضلا عن عدم الاستعداد المبكر لهذا الاستحقاق السياسي والتاريخي بكل المقايسrlm;.rlm;
كانت الأحزاب المنسحبة قد تمسكت بمقولة أن الانتخابات إن أجريت الآن فسوف تأتي بالحكومة نفسها التي يرأسها ويديرها المؤتمر الوطني الحاكمrlm;,rlm; أي إضفاء شرعية جديدة علي حكومة ووجوه قديمةrlm;,rlm; ولما كان هؤلاء لا يريدون إضفاء أي شرعية علي المؤتمر الوطني يرون أن الانسحاب هنا سوف يساعد علي نزع هذه الشرعية حتي ولو اكتسح المؤتمر كل النتائج وفي كل المستوياتrlm;.rlm;
ويبقي هنا تفسير هذا الارتباك الذي تمارسه الحركة الشعبية في الشأن الانتخابيrlm;,rlm; والذي نري ملامحه في تعدد مستويات المشاركة والانسحاب في آن واحدrlm;,rlm; فالحركة سوف تشارك في الانتخابات البرلمانيةrlm;,rlm; وما يتعلق بحكومة الجنوبrlm;,rlm; يدفعها في ذلك ان الاستفتاء علي حق تقرير المصير مرهون أساسا بأن تتم هذه الانتخابات لتشكيل حكومة جديدة في الجنوبrlm;,rlm; وبالتالي يصبح حق إجراء الاستفتاء تلقائيا دون قيودrlm;.rlm; وقد أبقت الحركة مسألة المشاركة في انتخابات البرلمان القومي مسألة غامضةrlm;,rlm; وأعلنت انسحاب مرشحها من الانتخابات الرئاسية ياسر عرمان تحت زعم خضوع مفوضية الانتخابات للمؤتمر الوطني الحاكم ووجود ممارسات تشي بتزوير محتمل لصالح مرشح المؤتمر الوطني الذي هو الرئيس البشيرrlm;.rlm; كما انسحبت من الانتخابات في دارفور بحجة أن الاقليم ما زال يعيش أجواء الحرب وعدمrlm;,rlm; وكلاهما لا يصلح لاجراء انتخابات معقولةrlm;.rlm;
وهكذا تتعدد مواقف الحركة الشعبية ويتعدد معها التفسير والتحليلrlm;.rlm; وجزء من الارتباك في موقف الحركة يعود إلي كونها شريكا في الحكم وفقا لاتفاق السلام المعروف باتفاق نيفاشا للعامrlm;2005,rlm; ولكنها في الآن نفسه تمارس دورا معارضاrlm;,rlm; وتدخل في تحالفات مع أحزاب المعارضة التي يهمها أن تكسر شوكة المؤتمر الوطنيrlm;,rlm; وأن تنحيه عن الحكم أو علي الاقل أن تقلص فرص فوزه بحيث لا يخرج فائزا أول ومكتسحا للجميعrlm;.rlm; وحين تختلط الشراكة في الحكمrlm;,rlm; والمسئولية مع الدور المعارض والمناهض للحكومة محل الشراكة يصبح الالتباس مسألة مقصودة تخفي وراءها أهدافا خاصة للغاية قد لا يعرفها كل أعضاء الحركةrlm;,rlm; او حتي كل القياديين فيهاrlm;.rlm; فحين أعلن ياسر عرمان انسحابه من السباق الرئاسيrlm;,rlm; وأكد قادة الحركة المشاركة في الانتخابات الخاصة بالجنوبrlm;,rlm; بعدها تحدث عرمان عن استمراره في تحفيز زعماء المعارضة الذين فوجئوا بالقرار للانسحاب من الانتخابات والاصرار علي تأجيلهاrlm;.rlm; كما أكد عرمان نفسه انه خائف علي وحدة السودانrlm;,rlm; وأنه يتوقع الانفصالrlm;,rlm; ولكنه سوف يسعي مرة أخري إن حدث الانفصال إلي استعادة الوحدة بعد ذلكrlm;.rlm; وهو ما يمثل قمة التناقض في موقف الحركة الشعبيةrlm;,rlm; والتي يعتقد كثير من المراقبين أن عددا من القادة النافذين في الحركة لم يعودوا يهتمون الا بتحقيق انفصال مريح للجنوبrlm;,rlm; وبأقل التكاليف الممكنةrlm;.rlm;
بعض الأحاديث التي تثار في تفسير هذه المواقف المرتبكة للحركة الشعبية ذهبت إلي حد القول بوجود صفقات غامضة بين بعض قادة الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني الحاكمrlm;,rlm; بحيث ينسحب عرمان الذي تبين له عدم شعبيته في الشمال برغم انه ينكر ذلك تماماrlm;,rlm; ومن ثم يستحوذ الرئيس البشير علي منصب الرئاسة بارتياحrlm;,rlm; مقابل أن يتم تسهيل الاستفتاء علي تقرير مصير الجنوب في العام المقبل بما في ذلك الانفصال الودي دون تعقيداتrlm;.rlm; وهو تفسير ينتشر في الجنوبrlm;,rlm; كما يتردد في الشمالrlm;,rlm; ولكنه يبدو مفتقرا للمنطق المتماسك من أكثر من وجهrlm;,rlm; فعدد الجنوبيين في الشمال يصل إلي نحو خمسة ملايين نسمةrlm;,rlm; وجزء معتبر منهم تطلع إلي تأييد عرمان رئيساrlm;,rlm; الأمر الذي يدعم خيار الوحدةrlm;,rlm; والذي يبدو أنه خيار لم يعد مقبولا من قبل نافذين في الحركةrlm;.rlm; وفي الوقت نفسه فإن قبول الرئيس البشير الحصول علي الرئاسة دون منافسة حقيقية ليس في صالحه بالقطعrlm;,rlm; لأن هذا الفوز من شأنه أن يثير شكوكا في شرعية الانتخاباتrlm;,rlm; وفي شرعية المنصب الرئاسي لاحقاrlm;,rlm; وهو أمر سوف يثير بدوره إشكالية شرعية ما يتخذه من قرارات تتعلق بمصيرالجنوبrlm;,rlm; سواء جري الاستفتاء حول تقرير المصيرrlm;,rlm; أو لم يجرrlm;,rlm; وسواء جاءت النتيجة لصالح الانفصال أو لصالح الوحدةrlm;.rlm; ومجمل ما سبق يعني ان هذه التفسيرات حول صفقات غامضة لا تتمتع بمصداقيةrlm;,rlm; لأن جوهر الصفقة علي هذا النحو فيه ارتباك وافتقاد للتماسك وتأثيرات سلبية في كل الأحوالrlm;,rlm; أبرزها إتاحة مجال أوسع للتشكيك في شرعية الرئيسrlm;,rlm; وهو ما لا يرضاه الرئيس البشير أو حزبه الحاكمrlm;.rlm;
إن موقف الحزب الحاكمrlm;,rlm; وتلك الأحزاب التي أكدت مشاركتها في الانتخابات وفي موعدها المقررrlm;,rlm; وتلك التي طالبت بتحسينات في مجمل العملية هو موقف مقدر علي أي حالrlm;,rlm; فالوقت الآن هو لاتاحة فرصة حقيقية لمشاركة سياسيةrlm;,rlm; وعملية عابرة للولايات السودانية كلهاrlm;,rlm; تتيح بدورها التحرك خطوة أخري نحو سودان جديد وديمقراطي من شأنه أن يطرح نموذجا يلهم العرب والأفارقة في كل مكانrlm;.rlm; وإن اتخذ البعض موقفا مناهضا لهذه المهمة التاريخية الكبريrlm;,rlm; فالأوفق لهم أن يبحثوا عن بلد آخرrlm;,rlm; لا أن يفسدوا العملية لأسباب هامشية لا وزن لهاrlm;.rlm;


التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف