وبال الانتخابات على السودان
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
عثمان ميرغني
أربعة أيام فقط تفصل السودان عن أول انتخابات "تعددية" منذ ما يقرب من ربع قرن، بينما الصورة تزداد غموضا، والمواقف تباعدا، مع استمرار الجدل حول موعدها والاتهامات بالتزوير ودعوات المقاطعة. فالمعارضة تبدو منقسمة ما بين الانسحابات الكاملة أو الجزئية بينما الحكومة تزداد إصرارا على إجراء الانتخابات الأحد المقبل بغض النظر عن التبعات، وبين هذه المواقف لا تلوح في الأفق أي بارقة تبعث على الأمل بأن هذه العملية ستكون بداية مرحلة لتضميد الجراح وتحقيق مصالحات تبدو مطلوبة إذا كان للسودان أن يجتاز استفتاء تقرير المصير في الجنوب بما يحفظ وحدته ويمنع تفككه.
إن مشكلة الانتخابات الراهنة أنها كانت مناورة لكل الأطراف منذ البداية. فالحكومة تريد "شرعية انتخابية" تواجه بها المرحلة المقبلة بعدما حكمت لمدة 21 عاما بشرعية الدبابة والقبضة الأمنية، وليس هناك ما يدل على أنها فكرت ولو لوهلة في التخلي عن السلطة بالانتخابات أو بغيرها، بل إنها رأت سانحة في مواجهة معارضة ضعيفة وممزقة. كما أن الانتخابات كانت أصلا جزءا من اتفاقية السلام مع الحركة الشعبية في إطار ترتيبات وقف الحرب في الجنوب والاستعداد لاستفتاء تقرير المصير.
أما المعارضة، فإنها حسبت أن الانتخابات ربما تعطيها فرصة لإطاحة النظام بعدما فشلت في تحقيق ذلك بمختلف السبل على مدى العشرين عاما الماضية أو أزيد قليلا. وراهنت المعارضة على تحالفها مع الحركة الشعبية باعتبار أن الجنوبيين يمثلون كتلة انتخابية تضم أزيد من أربعة ملايين ناخب بإمكانهم أن يحولوا دون فوز مرشح المؤتمر الوطني من الجولة الأولى. لكن الحركة الشعبية ربما رأت أن الرهان على حزب المؤتمر الوطني الحاكم أفضل لفرصها في ترتيب انفصال عبر الاستفتاء المقبل في يناير (كانون الثاني)، وأنها لو دعمت تكتيكيا فرص البشير في الفوز بالرئاسة فإنه لن يكون قادرا على رفض نتائج استفتاء تقرير المصير خصوصا إذا صوتت غالبية الجنوبيين للانفصال كما هو متوقع. والواقع أنه كما أن الحكومة ليست في وارد تسليم الحكم لأحد ولا ترى في الانتخابات إلا طريقا واحدا هو الفوز، فإن الحركة الشعبية أيضا لا ترى في الاستفتاء سوى نتيجة واحدة هي الانفصال ولا أحسبها تقبل بنتيجة غير ذلك، وإلا حدث التشكيك في النتائج واحتمال العودة للحرب.
صحيح أن الحركة الشعبية تحالفت انتخابيا مع أحزاب المعارضة الشمالية في الأشهر أو الأسابيع الماضية، ولكنها في النهاية سارت في الطريق الذي رأت أنه سيحقق أهدافها ولن يعني التضحية باستفتاء تقرير المصير خصوصا أن البشير هدد علنا كما أن رسل النظام أبلغوا الحركة سرا بأنها لو قاطعت الانتخابات فإن الحكومة لن تلتزم بالاستفتاء المقبل في الجنوب. كذلك فإن مواقف بعض أحزاب المعارضة الشمالية لم تبد مطمئنة للحركة في ما يتعلق باحتمال انفصال الجنوب. ولو نظر المرء للأوضاع بعين الحركة الشعبية لربما فكر أن التعامل مع حزب المؤتمر الوطني في مرحلة الاستفتاء المقبلة أفضل من التعامل مع أحزاب المعارضة التي لا تزال مواقفها متضاربة، وصفوفها مشتتة، ولا تستطيع حتى الاتفاق على المقاطعة الانتخابية.
إن التحليل المنطقي للانتخابات وما يحيط بها من جدل واتهامات هو أنها وضعت السودان على طريق المزيد من التشرذم، وأنها بالتالي ستدفع الأوضاع إلى ما يساعد على انفصال الجنوب وليس على بقائه. والأدهى والأخطر أن انفصال الجنوب قد يفتح الباب أمام مطالب انفصالية أخرى في المستقبل. وبذلك تكون الانتخابات وبالا حقيقيا على البلاد، بدلا من أن تكون تأسيسا لمرحلة جديدة من التوافق.