أمن العرب في "عهدة" إيران وتركيا
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
عصام نعمان
لا أمن جماعياً لدى العرب . معاهدة الدفاع المشترك بين الدول العربية الموقَعَة في مطلع خمسينيات القرن الماضي هي مجرد حبر على ورق . فقد شُنّت على العرب، فرادى ومجتمعين، مباشرةً أو مداورةً، من طرف ldquo;إسرائيلrdquo; والولايات المتحدة ودول أطلسية متحالفة منذ توقيعها نحو ثماني حروب عدا مئات الاعتداءات المحدودة في المكان والزمان والفعالية، فلم يتصدَ لها العرب مجتمعين . وليس ثمة ما يشير، رغم كل ما يواجههم ويحيط بهم من تحديات، أنهم في صدد تفعيل تلك المعاهدة أو التفكير في آلية جديدة، جماعية أو ثنائية، لضمان أمنهم المهدد .
خلافاً للعرب، يشعر جيرانهم، الإيرانيون والأتراك على وجه الخصوص، بأن ثمة تحديات ومخاطر شتى تواجههم، قومياً وإقليمياً، ما يستوجب اعتماد سياسات واستراتجيات لا تكفل التصدي لها ضمن كيانهم القومي فحسب بل على مستوى المنطقة أيضاً . بعبارة أخرى، تشعر تركيا وإيران بأن أمن كل منهما يتصل بأمن العرب بل يتوقف عليه .
ها هو رجب طيب أردوغان يصرح لصحيفة ldquo;لوفيغاروrdquo; الفرنسية، عشية زيارته لباريس، بأن بلاده ldquo;لن تقف مكتوفة اليدين اذا حاولت ldquo;إسرائيلrdquo; إشعال النار مجدداً في قطاع غزةrdquo;، محذراً من أن ldquo;غيوماً سوداً تحوم فوق القدس، درة حضارتناrdquo; . وكان أردوغان قد مهّد لهذا الموقف اللافت بخطاب أمام رجال أعمال أتراك أعلن فيه أن العناصر التي تقرر مصير إسطنبول هي نفسها التي تقرر مصير غزة . وفي افتتاح القناة التركية الفضائية الناطقة بالعربية، دعا أردوغان العالم بأسره إلى التعاطف مع سكان غزة بالطريقة التي تعاطف فيها مع ضحايا هايتي وتشيلي بعد الهزات الأرضية .
أكثر من ذلك، قال أردوغان في حوار لمناسبة افتتاح الفضائية التركية ldquo;إن العرب والأتراك مثل أصابع اليد، ومثل الظفر ولحمه ( . . .) ماضينا واحد ومستقبلنا واحدrdquo; . ثم حرص، قبل اجتماعه إلى الرئيس نيكولا ساركوزي، على وصف ldquo;إسرائيلrdquo; بأنها ldquo;الخطر الرئيسي على السلام في المنطقةrdquo; .
تصريحات أردوغان اثارت ldquo;إسرائيلrdquo; . لعل أكثر ما أثارها قوله إن بلاده لن تقف مكتوفة اليدين إذا حاولت مهاجمة غزة مجدداً، وفهمتها بأنها تهديد مباشر لها . أفيغدور ليبرمان رد بتصريح في صحيفة ldquo;يديعوت أحرونوتrdquo; بأن رئيس الوزراء التركي ldquo;يتحول بالتدريج إلى قذافي أو تشافيز ( . . .) مشكلتنا ليست تركيا، وإنما أردوغانrdquo; .
في هذا السياق أوعز ليبرمان إلى مسؤولي وزارة خارجيته بأن يصدروا بياناً رسمياً ليضيف فيه أن ldquo;أردوغان يريد أن يتم انخراط تركيا في العالم الإسلامي على ظهر ldquo;إسرائيلrdquo;rdquo;، وأنه تجاوز الحدود في إشارته إلى أن غيوماً سوداً تحوم فوق القدس .
إيران تربط، كما تركيا بل قبلها، بين أمنها القومي وأمن العرب . فقد قطعت صلتها بrdquo;إسرائيلrdquo; غداة ثورتها الاسلامية العام ،1979 واحتضنت المقاومة الفلسطينية منذ ذلك التاريخ بل هي اعتبرت، بلسان العديد من مسؤوليها، ولاسيما الرئيس محمود أحمدي نجاد، أن النظام الصهيوني مهدد بزوالٍ غير بعيد .
أنقرة تشاطر طهران، على ما يبدو، نظرتها الاستراتيجية إلى وجوب تكامل الأمن الإقليمي لدول المنطقة . هذه النظرة تبدّت في موقف تركيا من الصراع الدائر بين إيران والولايات المتحدة وسائر دول الغرب الاطلسي . ففي أكثر من مناسبة، دافع أردوغان عن حق إيران في امتلاك الطاقة النووية . آخر مواقفه في هذا المجال تشديده في تصريحه لصحيفة ldquo;لوفيغاروrdquo; الفرنسية على بأن البرنامج النووي الإيراني هو لأغراض سلمية، وأن وكالة الطاقة الذرية الدولية لم تفلح في إثبات ان لدى إيران سلاحاً نووياً، وأنه ldquo;في كل حوار أجريه مع صديقي القريب الرئيس أحمدي نجاد يشدد كل منا على الحاجة إلى عدم إدخال سلاح نووي إلى المنطقة ldquo; .
يتأسس على نظرة تركيا وإيران إلى أمنهما وأمن المنطقة، بل إلى استراتيجيتها المتقاربة في هذا المجال، أن أمن العرب، شاؤوا ام أبوا، أصبح في ldquo;عهدةrdquo; تركيا وإيران . ذلك أن كليهما، لن تتوقفا لاستشارتهم باستثناء دمشق المتحالفة مع طهران، وبالتالي الرد، بشكلٍ أو بآخر، إذا ما حاولت الولايات المتحدة أو ldquo;إسرائيلrdquo; التصرف سياسياً وعسكرياً على نحوٍ يسيء إلى أمنهما القومي أو إلى أمن المنطقة بما هو، في مفهومهما، أمن متكامل .
إلى ذلك، لا تستطيع غالبية الدول العربية غير المتحالفة أو غير المتفاهمة مع إيران وتركيا أن تعترض على سياساتهما (أو تصرفاتهما العسكرية) في المنطقة لكونها، أي السياسات ، غير مناقضة، إن لم تكن متكاملة، مع أمن دول المنطقة الإسلامية، فضلاً عن كونها داعمة، بقليل أو كثير، لأمن سوريا ولكفاح قوى المقاومة الفلسطينية واللبنانية ضد ldquo;إسرائيلrdquo; . وهل يجوز أصلاً أن تعترض مطلق دولة عربية على سياسة إيران أو تركيا المناهضة لـrdquo;إسرائيلrdquo; عندما لا تتوانى هذه الدولة العربية، عن عدم الاعتراض على سياسة الولايات المتحدة بل تحرص أحياناً على دعم سياستها علانيةً ما يؤدي إلى خدمة ldquo;إسرائيلrdquo;؟
من المؤسف أن قصور الوعي القومي، وضمور الفهم الاستراتيجي، وغلبة نهج حماية المصالح الذاتية الضيقة، والتذرع بالضعف والعجز لدى مسؤولي بعض الدول العربية قد أدى إلى هذا الشلل العربي المريع . فهل يلام الأتراك والإيرانيون إذا ما هم بادروا إلى التحرك من أجل حماية خاصرتيهما العربيتين من شر ldquo;إسرائيلrdquo; وذلك بملء الفراغ السياسي والأمني الناجم عن سبات العرب أو قصورهم؟
آن أوان الإدراك بأن الأمن المستعار لا يحمي الأوطان ولا الحقوق ولا المصالح، وأن زمان السبات قد طال وأن ساعة الاستيقاظ قد دقت، وألا حاضر ولا مستقبل للنائمين أو المتسكعين على حواشي التاريخ .